استمرت فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب وعقدت العديد من الندوات كان أبرزها ندوة السير الشعبية، حيث التقى جمهور المعرض بنخبة من أساتذة التراث من بينهم الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي استاذ الأدب الشعبي المعروف والذي يعد أحد الرواد الكبار، والمخرج الكبير الذي قدم السيرة الشعبية بثرائها على خشبة المسرح وهو المبدع عبدالرحمن الشافعي، ومن الباحثين الباحث المجيد أحمد بهي الدين والباحثة دعاد صالح والدكتور محمد حسن حافظ. ويقول الباحث أحمد بهي الدين "لقد جمعت السيرة الهلالية وهي نوع أدبي يعيش إلى الآن ويتحفظ بسمات الثقافة العربية، ولو كان الشعر الحديث رغم كتابته بالفصحي إلا أنه نأي عن هذه الثقافة عكس السيرة، وجل فنون العربية انتقلت شفاها وإلي الآن تروي سيرة بني هلال شفاها، وتكسب سمات شخصية وتقاليد البيئة التي تروي فيها، وأنا أفضل استخدام مصطلح سيرة، وفي إحدي تعريفات السيرة إنها حديث الأوائل". ويضيف "أعظم سيرة، سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ودائما ما يبدأ شاعر السيرة بالصلاة علي سيدنا محمد، وهناك تضافر حدث بين الشعر والنثر في نص السيرة فالشعر هو متن السيرة، والثقافة العربية لم تنتج ماهو أقوي وأكبر من الشعر، ليبقي أثر أصيل للحضارة العربية، والسيرة تؤكد علي ذلك، والسجع والنظم يؤدي لسهولة حفظ النص، وأدركت كيف رسمت الذهنية العربية صورة البطل، ولو كانت هناك سير لم ترتبط بتقاليد الصحراء إلا إنها تمسكت بالثقافة العربية، فالبطل يعد إعداد دينيا فلسفيا، يتسم بالفروسية، وما قلته مجرد ملامح عن السيرة الشعبية فقط". أما عن دور المرأة في تحقيق السير الشعبية فقالت دعاء صالح: سأتحدث عن القيم الفلسفية، وفي السير الشعبية المرأة دوما ساعية لتحقيق السعادة، والسعادة هنا هي الحق كقيمة فلسفية، وهناك ابداع نسوي خالص خاص بالمرأة، ففي الآداب الرسمية يبحثون عن دور للمرأة لكن في السير هي موجودة بطبيعتها، واختلال الصورة للمرأة في السير ماهي إلا محاولة لتقديم سيرة للحياة متكاملة من أجل الوصول للغايات ولدينا نموذج "عبلة بنت مالك" هي خير دليل علي ذلك، فعنتر بن شداد قبل حبه لعبله كان مذعنا لعبوديته، لكنه بعد حبها تمرد عن ذلك ودفعه حبه لعبلة إلي مقاومة العبودية، وقيمة الحب هنا هي المحفز علي الثورة والبحث عن الحق في اعتراف المجتمع بعنترة. وهناك السيرة الهلالية شخصية "خضرة الشريفة" أم أحد أبطال السيرة، وهو أيضا يعاني من البشرة السوداء. وتضيف الباحثة دعاء صالح "إلا أن ظهور السيرة في ظل التوحيد خلق نوعا من الاختلاف، فتحلم الأم بمولود علي هيئة طائر أسود فتلد أبا زيد الذي لا يعترف أبوه به، ويتهم زوجته بالزني، لكن أمه حملته بكل القيم العربية، وكان ذكيا يستطيع التنكر للوصول للخير في النهاية، كقيمة فلسفية، فيأت البطل وينتقم لأمه ويعيدها معززة مكرمه، فحبه لأمه هنا هو الدافع لسعيه الدءوب لرد اعتبارها، إذن سعي البطل في السيرة دوما للوصول إلى تلك القيم الفلسفية مثل الحق والخير والعدل، وعلى ذكر (خضرة الشريفة) نؤكد أن المرأة في السيرة محفز للوصول للقيم الفلسفية المجردة". ومن خلال كلمته قدم الدكتور محمد حسن أطروحة حول تلك القيم، فقال: موضوع القيم يعانيه كل الباحثين في السير الشعبيه كلها، والسير الشفاهية والمدونة فضاء للقيم وهذا أمر طبيعي لأن هذا الإنتاج تخلقه الجماعة، ولا أود أن أختزل الفكرة في قيم سلبية وقيم ايجابية، لكن صراع كل القيم هو الذي أدي إلي روعة إبداع السير، وتعدد رواياتها وتعدد رؤاها عند المتلقي، وهي تقدم لقيم تتمثلها جماعة، ولا يمكن الاكتفاء بأن السير تمثل وعي الجماعة فقط وقيمها، لكن أيضا علينا أن نتحدث عن تشكيل قيم ليست من صلب هذه الجماعة بعينها، ولابد من وجود منظومة ثقافية تكتنز القيم التي تؤدي لتقدم الأمم، وعلينا التخلص من قطيعة الانتاج المعرف، بتوظيف هذه القيم في حياتنا الراهنة. وتابع : علينا اكتشاف كم قدمت السير لنماذج جميلة من النساء مثل "خضرة الشريفة" و"الأميرة ذات الهمة" وغيرهما، فبالفعل السير الشعبية كرمت المرأة وأوضحت أدوارها الكبري التي لعبتها ببراعة، فهي القائدة والحكيمة والشاعرة إلي آخرة!! وأخلص إنه علينا أن نناقش قضايانا التنموية من تلك السير!!. أما المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعي فيقول : في البداية اتساءل لماذا تستعيد السيرة الشعبية بتقديمها علي خشبة المسرح?!،هل هو مجرد حكي أم أن هناك معالجة جديدة نرغب في تقديمها?! وأنا عندما تعرضت لتقديم السيرة الهلالية علي المسرح استغرق البعض في الاستغراب، وتساءلوا كيف يمكن تقديم تلك السيرة بمراحلها الثلاثة في ساعتين?!." وأكد محمد محسن أن الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي هو أول من تناول الاخراج المسرحي للسيرة، في سابقة لم تحدث من قبل، واستطاع أن يفصح عن المنظور الذي استطاع من خلاله القائمون علي العمل تقديم السيرة بمقومات راهنة، حيث قدم العرض المسرحي للسيرة صورة للكراهية التي طرأت علي العالم العربي، وقد منح العرض السيرة حياة جديدة، ولم يخرج العرض عن أصل السيرة، وجاء بمفرداته من بطن السيرة.