شهدت الايام الماضية أسوأ أزمة ديبلوماسية بين العراق وايران منذ الغزو الامريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، فسيطرة قوة عسكرية إيرانية على حقل "الفكة" النفطي في العراق يبدو مفاجأة من العيار الثقيل. وعنصر المفاجأة هذا يكمن في التوقيت وكذلك في الرسائل التي تريد إيران أن تبعث بها من وراء ذلك. حول هذة الرسائل كتب د.محجوب الزويري في "الغد" الاردنية يقول: بصرف النظر عمّا يستند إليه الطرفان العراقي والإيراني حول ملكية هذا الحقل، فإن السيطرة عليه قد تعيد للأذهان أحداثاً أخرى ارتبطت بنتائج من عدم الاستقرار خلال الأعوام الأخيرة في منطقة هي بالأساس مصنفة بأنها ربما الأقل استقراراً في العالم. فالنزاع القائم بين الإمارات العربية المتحدة وبين إيران حول ملكية الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى مثال سيذكر، كما أن الاجتياح العسكري العراقي للكويت العام 1990 مثال سيذكر، وهي بالتالي أحداث تتكرر لكن نتائجها ربما تبدو مختلفة. ويستطرد: إيران، وفق تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين تؤكد أن الحقل هو لها بموجب اتفاقية الحدود المعقودة العام 1975 ولو أخذ الأمر فرضاً على هذا النحو لبرز تساؤل آخر: لماذا يتم تذكر ملكية هذا الحقل الآن في وقت يعود معه العراق لسوق النفط، وبخاصة في ظل توقيعه عقوداً مع شركات أوروبية للاستثمار في حقوله، ففي الفترة الأخيرة حصلت شركتا "شل" الهولندية البريطانية وشركة "بتروناس" الماليزية على عقد تطوير حقل "مجنون" جنوب العراق الذي يقدر احتياطه ب 12 بليون برميل من البترول الخام، كما أن ائتلافاً بين شركة النفط الوطنية الصينية وشركة "توتال" الفرنسية "وبتروناس" الماليزية قد فازت بإعادة تطوير حقل "حلفايا". ويبدو أن العراق مستمر في تطوير هذه الحقول النفطية. ويتساءل: هل من علاقة بين سيطرة إيران على البئر الرابعة من حقل الفكة وبين عودة العراق المتوقعة بقوة في السوق النفطية؟ وهل من علاقة مع قرار العقوبات الأميركي على شركات تصدير البنزين إلى إيران؟ ويضيف: على صعيد آخر يثار سؤال حول مدى ارتباط ما حدث في حقل الفكة وبين المشهد الداخلي الإيراني، فهل المقصود توجيه الرأي العام واكتساب مزيد من الدعم الشعبي لحكومة الرئيس أحمدي نجاد. يشار هنا إلى أن التحدي الخارجي الذي واجهته إيران منذ قيام الثورة وظهورها كمستهدف من قوى مختلفة ساعد في توحيد القوى السياسية رغم تفاوت آرائها حول مسائل داخلية، ولعل هذه الوحدة بقيت قوية حتى خرجت إيران من الحرب مع العراق، وبدأ التحدي الخارجي تحدياً سياسياً كثيراً ما تذكر الحكومة الإيرانية به جبهتها الداخلية لإبقاء الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة. من جهة أخرى يبرز سؤال آخر حول: هل المقصود اختبار مستوى ردة الفعل الأميركية؟ وكيف يمكن أن تؤثر في قرار انسحاب القوات الأميركية، وهل يمكن القول إن ما قامت به إيران هو التأثير على المشهد الانتخابي، كما تقول الولاياتالمتحدة. إن مسألة التوقيت والرسائل الموجهة لا تبدو بعيدة عما ذكر أعلاه، لكن المستقبل قد يأتي بالجديد الذي يساعد أكثر في فهم ما جرى. ومن جهة أخري تساءل داود الشريان في"الحياة" عن الموقف الامريكي من هذا التصرف الايراني ويقول: هناك مخاوف مبالغ فيها لوجود صفقة بين الولاياتالمتحدةوإيران على حساب الدول العربية وهو ما تنفيه الادارة الامريكية لكن، على رغم تكرار النفي الأميركي على لسان غير مسؤول في الإدارة، فالتصرفات الأميركية لا تدعو الى الاطمئنان، وبات هاجس «الصفقة» يزداد عند أهل الخليج يوماً عن آخر، وهي صارت حاضرة بقوة بعد الموقف الأميركي من احتلال إيران حقل «الفكة» في العراق. فواشنطن، التي تعتبر حماية منابع النفط من الأطماع قضية حيوية بالنسبة الى الأمن الدولي، تعاملت مع احتلال إيران البئر العراقي باعتباره قضية داخلية. على رغم انها حركت أساطيلها لتحرير آبار النفط الكويتية من الاحتلال العراقي العام 1990، فضلاً عن أن الإدارة الأميركية صرفت بلايين الدولارات وفقدت عشرات الجنود لإسقاط نظام صدام حسين، ثم قدمت العراق هدية مجانية للنظام الإيراني، وهي تتصرف بغموض تجاه التمرّد الحوثي في اليمن الذي يعطي لطهران مزيداً من النفوذ، ويهدد أمن المنطقة برمتها. ويضيف... غموض الموقف الأميركي من التمرد الحوثي يمكن تفسيره بخشية واشنطن من خلط الأوراق، ونشوء تحالف بين المتمردين وتنظيم «القاعدة»، لكن سياسة مسايرة الأطماع الإيرانية في العراق قضية أخرى، فضلاً عن أن تزايد نفوذ إيران في العراق ليس وليد اليوم، فمنذ سقوط بغداد وإيران تتولى إدارة شؤون هذا البلد من الباطن، وجاء حادث بئر «الفكة» كتصريح من المحتل الراهن للمحتل القادم. ويختتم مقاله متسائلا: هل واشنطن في صدد معاودة الخطأ الذي ارتكبته مع نظام صدام حسين خلال الحرب العراقية - الإيرانية، أم أن ما جرى ويجرى هو جزء من تأهيل شرطي الخليج للقيام بدوره المرتقب؟