عشية الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك اوباما الأسبوع الماضي حول استراتيجيته الجديدة في أفغانستان وجه إليه الكاتب الساخر والمخرج الشهير مايكل مور رسالة مفتوحة أثارت حنق الجمهوريين ونالت إعجاب الديمقراطيين ولم يلتفت إليها اوباما. يقال دائما إن الفنانين والمثقفين هم ضمير الأمة وهم الذين يشكلون ويجسدون في الوقت نفسه روحها ووجدانها غير انه ليس بوسع مور ولا غيره الادعاء في الوقت الراهن بأنه يعبر عن الأمة الأمريكية المنقسمة علي نفسها منذ أن بدأت حروبها العالمية ضد الارهاب في2001 فعندما يتعلق الأمر بالحرب أو بالارهاب هناك أمريكتان تتحدثان لغتين مختلفتين وتريان العالم من طرفي النقيض. لذلك فإن مور الذي سخر أعماله كلها منذ11 سبتمبر2001 لفضح أكاذيب الجمهوريين عبر في رسالته عن ضمير الأمة الأمريكية الديمقراطية فقط وفي الرسالة الطويلة التي ناشد فيها الرئيس عدم ارسال قوات اضافية الي أفغانستان وإنهاء الاحتلال يقول مخاطبا اوباما: أنا وأنت نعلم انه لم يعد في أفغانستان سوي100 عضو من القاعدة فهل ترسل الآلاف لسحق مائة شخص يختبئون في الكهوف.. رئيس لزمن الحرب هل أنت جاد حقا أم انك تريد أن تكون الرئيس الجديد لزمن الحرب؟.. ليست وظيفتك أن تنفذ مايطلبه الجنرالات. وفي فقرة أخري يقول مور بنبرة لوم ممزوجة بالأسي: القوات الاضافية ستبدد أحلام وآمال الملايين الذين راهنوا عليك سيصابون بخيبة أمل ويتحررون من الوهم عندما يدركون ان كل السياسيين سواء عندما انتخبناك لم نتوقع معجزات ولم نتوقع حتي تغييرا كبيرا ولكننا توقعنا بعضا من هذا فقط. اعتقدنا انك ستوقف الجنون الجمهوري وستوقف القتل وتتصدي للأفكار الشيطانية.. الآن أنت ترسل أولادنا البؤساء ليقتلوا الأفغان الفقراء. توقف من اجل الأمريكيين ومن اجل رئاستك.. سيتخلي أنصارك عنك بعد أن يدركوا انك رئيس الفترة الواحدة, وانك ستعيد الدولة لأيدي البلهاء الجمهوريين. انتهي كلام مور وبالطبع لم يتوقف اوباما لا من اجل رئاسته ولا من اجل الأمريكيين فليس كل الأمريكيين يتفقون مع المخرج المخضرم في معارضته الحرب أو يرفضون زيادة القوات. غير أن نبوءة مور حول انقلاب الديمقراطيين تحققت سريعا. بعضهم مثل السناتور الشهير ارلين سبيكتر رفض التقييد بأي التزامات حزبية وجاهر علنا بمعارضة موقف اوباما وخطته آخرون اثروا الصمت وتهربوا من إعلان موقف محدد بالتأييد أو المعارضة غير أن الجماعات الليبرالية المعارضة للحرب كانت بالغة العنف في مهاجمة الرئيس والانقضاض عليه. اوباما كان في موقف بالغ الصعوبة والتعقيد كان يعرف مقدما أن قراره سيجر عليه ويلات ويثير انقسامات حادة داخل حزبه. إلا انه لم يكن بمقدوره المخاطرة بهيبة وأمن بلاده وسلامة جنوده في أفغانستان إذا رفض إرسال التعزيزات المطلوبة. وليس بوسعه هو أو أي رئيس في موقعه أن يتجاهل تحذيرات الجنرالات من التعرض لهزيمة عسكرية مذلة. أدرك اوباما منذ البداية أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامه أو في أفضل الأحوال وكما قال ناثال تيك الباحث بمركز الأمن الأمريكي الجديد انه الخيار الأفضل من بين أسوأ البدائل المطروحة. غير أن مناورته العقيمة بمحاولة ارضاء جميع الأطراف من اجل تسويق استراتيجيته الجديدة لم تنجح وكان هذا أمرا متوقعا أيضا. إذ انه سعي الي مصالحة الديمقراطيين بالاعلان عن بدء الانسحاب بعد18 شهرا. شراء رضاء الجمهوريين ولكنه اثار بذلك غضب الجمهوريين الذين حاول شراء رضائهم بثلاثين ألف جندي,إلا انه دفع ثمنا سياسيا باهظا داخل معسكره الديمقراطي حد المحللين علق علي مافعله اوباما بأنها محاولة لكي يكون احد الصقور إلا قليلا وأحد الحمائم إلا قليلا أيضا ومثل تلك الأكروبات السياسية لم تعد تجدي الآن. حتي استراتيجيته لقيت هجوما لاذعا من المعسكرين ومن خبراء محايدين لاحظوا أنها مليئة بثقوب تجعلها مهلهلة ولاتضمن انجازا مقبولا لمهمة القوات الأمريكية هناك. كثيرون شككوا علي سبيل المثال في إمكانية الوفاء بمهلة ال18 شهرا التي حددها لبدء الانسحاب قياسا علي8 سنوات قضتها القوات هناك ولم تنجز شيئا يذكر. كما أن الكل يتذكر جيدا أن ارسال عدد مماثل من القوات الاضافية الي العراق قبل عامين تقريبا احتاج لنحو5 اشهر لاستكمال نشرها. أما في أفغانستان فإن الفترة ستزيد بمقدار الضعف علي الأقل لان شبكة الطرق لديها منعدمة تقريبا أو متخلفة مقارنة بالعراق. وفي أفضل الأحوال إذا تم استكمال نشر تلك القوات بحلول يوليو2010 فلن يكون أمامها سوي عام واحد لتحقيق النصر. وهذه الكلمة أي النصر أو الفوز لم ترد إطلاقا في خطاب اوباما, واكتفي بالحديث عن تفكيك القاعدة وهزيمتها وهي مهمة كما قال الكثير من الخبراء لا تحتاج الي100 ألف جندي أمريكي و40 ألفا آخرين من الناتو خاصة ان المنظمة غادرت أفغانستان بالفعل الي باكستان. تحدث آخرون عن مؤشرات اعتبروها مثيرة للقلق في الخطاب خاصة إسقاط التعهد ببناء مؤسسات الدولة الأفغانية الاكتفاء بالحديث عن تدريب القوات ودعم الحكومة وفي ظل الانقسام الأمريكي الحالي فان تأكيد اوباما علي ارتباط أفغانستان بالأمن القومي الأمريكي وهو السند الأساسي لتبرير الحرب لم يعد يقنع الديمقراطيين وجانبا كبيرا من الشعب الأمريكي الذي يتساءل عن حقيقة الخطر إذا كان ثمة خطر تمثله طالبان علي الولاياتالمتحدة. العاصفة التي أثارها خطاب اوباما لم تكن مفاجئة في كل الأحوال غير أن الاختبار القاسي والحاسم الذي سيحدد مصيره السياسي ليس في قراراته الأخيرة, ولكنه سيكون بعد18 شهرا من الآن. فإذا استمر تدهور الوضع الأمني سيكون مطالبا بإرسال مزيد من القوات وهي كارثة سياسية لن يتحملها.. أما تنفيذ وعده بالانسحاب في هذه الظروف فسيعني كارثة عسكرية لن يقوي علي مواجهة عواقبها.. النصيحة التي أسداها إليه عميد المحللين السياسيين الأمريكيين ريتشارد هاس هي ألا يبحث عن حل لان هذا مأزق حقيقي وليس من المجدي البحث عن حلول لأي مأزق ولكن فقط يمكن التعامل معه وادارته وهذا لا يبشر بالخير لأفغانستان ولأوباما معا.