مواكبا وداعما للتقرير الخطير الذي قدمه جولد ستون رئيس بعثة تقصي الحقائق في قطاع غزة عن التدمير الهائل الذي خلفه العدوان الإسرائيلي في حربه الأخيرة علي القطاع في ديسمبر ويناير الماضيين جاء تقرير برنامج الأممالمتحدة للبيئة( يونيب) والذي تقدم به اكيم ستينر وكيل الأممالمتحدة والمدير التنفيذي للبرنامج فكلاهما يكمل ويعضد الآخر ويرصد عن كثب ما اقترفته آلة الحرب الإسرائيلية بمعداتها الثقيلة وأسراب طائراتها وأطنان متفجراتها. وإذا كان تقرير جولدستون قد طالب مجلس الأمن بالتدخل والتحقيق فإن تقرير أكيم ستينر غاص في أعماق باطن الأرض مئات الأمتار منتشلا أدلة لايعتريها الشك علي ما اقترفته الغارات الوحشية من جرائم في قلب أهم موارد الحياة والتنمية التي يرتوي منها أهالي القطاع وهي المياه الجوفية التي يعتمدون عليها بصفة أساسية في الزراعة التي تعد أهم موارد دخولهم. وقد أكد فريق الخبراء الذي أعد التقرير وضم ثمانية عالميين في التخصصات المختلفة وتحت رئاسة أكيم ستينر وكيل الأممالمتحدة والمدير التنفيذي لبرنامجها البيئي وبعد رصد دقيق لاثنين وثلاثين موقعا مدمرا ومختلفا أن تلك النتائج تمثل تحديا خطيرا يواجه الاستدامة البيئية في القطاع كما تعتبر توثيقا تدعمه الأرقام والحقائق الدامغة وهي تقدم تقديرات الاستثمارات الإرشادية لجميع الأطراف ذات العلاقة في فهم مدي خطورة الوضع من أجل تقديم حلول تأهيلية واصلاحية في المستقبل, وألمح التقرير إلي استعداد المجتمع الدولي لتقديم المساعدة الفنية والمالية والدبلوماسية من أجل تحويل عملية التأهيل البيئي إلي فرصة للتعاون والاصلاح. وتركيز التقرير البيئي علي المياه الجوفية صائب لأن تدميرها وتدهورها أخطر ما يؤثر علي سكان القطاع خاصة الأطفال وتحديدا الرضع منهم. ويري التقرير أنه إذا لم يتم الآن وعلي وجه السرعة وقف ظاهرة تلوث وتدهور المياه الجوفية فإن الاضرار قد تستغرق قرونا لإعادتها إلي حالتها الأولي بل يجب علي إسرائيل نفسها أن تأخذ هي بزمام المبادرة لأن الخزان الجوفي لقطاع غزة هو امتداد للخزان الجوفي لكل من إسرائيل ومصر أيضا وهنا تحتم الضرورة بأن يكون هناك تنسيق مع الدولتين. ويقدر برنامج الأممالمتحدة للبيئة تكلفة إعادة الخزان الجوفي لحالته السابقة بنحو1,5 مليار دولار علي مدي عشرين عاما ويدخل ضمن هذه التكلفة بناء محطات تحلية المياه حتي يتسني تخصيص الضغط علي موارد المياه الجوفية لأن الكميات التي يتم استنزافها من هذه المياه سنويا تبلغ160 مليون متر مكعب في حين تغذية الخزان بمياه الأمطار تبلغ45 مليون متر مكعب أي نحو ثلث ما يستنزف, وهذا يسمح لمياه البحر المالحة بالتغلغل لمياه الخزان العذبة. وفي رصده للاضرار الناجمة عن العدوان والتي لحقت بالأراضي الزراعية أكد التقرير أنه قبل تاريخ العدوان في27 ديسمبر الماضي كانت مساحة الأراضي التي يتم زراعتها في قطاع غزة170 ألف هكتار وتسبب العدوان في تدمير كامل لأكثر من17% من هذه المساحة بما عليها من بساتين وحقول مفتوحة وآبار المياه وهذا بدوره ينعكس سلبا لأنه يجعلها عرضة للتدهور والتلوث ومصدر القلق هنا هو مدي إمكان تأهيل واسترداد الإنتاج الزراعي الذي تم فقده في منطقة تحيط بها الكثبان الرملية وتمتاز تربتها بالهشاشة والضعف إذ أدي تدمير الغطاء النباتي وتلبد التربة نتيجة الغازات الجوية وحركة الدبابات إلي تدهور الأراضي مما جعلها عرضة للتصحر. ومن أبرز ما اشتمل عليه التقرير المخلفات التي نجمت عن تدمير المباني بفعل آلة التدمير الإسرائيلية التي بلغت600 ألف طن من مخلفات المباني ويدعو التقرير هنا إلي إنشاء مرفق جديد للتعامل مع الركام وتحقيق أقصي درجات إعادة الاستخدام والتدوير للموارد وفصل تلك التي من المحتمل تلوثها. كما يؤكد التقرير وجود أشكال أخري من التلوث تحتاج لإجراء سريع مثل تلك التي ترتبط بأنواع الوقود المترسبة في التربة نتيجة لانبعاثات الغازات المترتبة علي القصف, وبدورها قد تتسرب للمياه الجوفية. ومن أخطر ما كشف التقرير النقاب عنه كيفية التخلص من النفايات الخطيرة( نفايات الرعاية الصحية علي وجه الخصوص) بالقطاع حيث أدي زيادة عدد المصابين من جراء الحرب إلي زيادة تلك النفايات وهنا يرصد فريق برنامج يونيب من خلال زيارته للعديد من مرافق دفن النفايات بطرق غير سليمة ومكشوفة. وهنا يوصي التقريربإنشاء مرفق خاص لإدارة النفايات الخطيرة للتعامل السليم معها. ويشير التقرير إلي أمر مهم يتعلق بالاستدامة البيئية المستقبلية لقطاع غزة مطالبا بإعادة بناء المؤسسات المسئولة عن إدارة البيئة بالقطاع والتي لم تسلم أيضا من التدمير بفعل آلة الحرب الإسرائيلية.