القاصد وأبو ليمون يستقبلان وزير التعليم العالي خلال زيارته للمنوفية    جولة لمحافظ الدقهلية على المخابز تكشف تلاعب صاحب مخبز بوزن الرغيف    وزير الزراعة: توريد 3.7 مليون طن قمح محلي حتى اليوم    النفط ينهي شهر مايو على مكاسب.. والأسواق تترقب قرارات "أوبك+"    الحج السياحي: تجهيز مخيمات الخمس نجوم بمنى وعرفات بتقنيات وخدمات جديدة    غزة.. إعلان بلدية خزاعة شرق خان يونس منطقة منكوبة بالكامل    بلدية خزاعة تعلنها «منطقة منكوبة» بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لجميع المباني والبنى التحتية    على رأس وفد اقتصادي.. وزير الخارجية السعودي يزور دمشق اليوم    وزير الخارجية يستقبل سكرتير عام الأمم المتحدة السابق    ترامب يعتزم زيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50%    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها بعد قصف منشآت برنامج الأغذية العالمي في الفاشر بالسودان    مقتل شاب في قصف إسرائيلي استهدف سيارته في جنوب لبنان    «الأحباب لا يرحلون» عضو مجلس إدارة الأهلي يودع علي معلول    إنريكي يثق في قدرة سان جيرمان على تحقيق اللقب الأوروبي    محافظ كفرالشيخ يتابع جهود كسح مياه الأمطار في مصيف بلطيم    فتح باب الاشتراك في الدورة الثانية لمهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا    وزيرة التضامن توجه برفع درجات الاستعداد لمواجهة موجة التقلبات الجوية بعدد من المحافظات    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لعيادة التأمين الصحي بجديلة    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    صفقات الأهلي الجديدة تظهر في مران الفريق اليوم لأول مرة    اليوم| إقامة الجولة الأخيرة في دوري المحترفين    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    وزير التعليم العالي يفتتح مركز الاختبارات الإلكترونية بحقوق المنوفية    انتظام امتحانات طلاب شهادة الدبلوم الفني الصناعي بسوهاج    الصحة: الكشف على 15 ألف حاج مصري وتحويل 210 حالات للمستشفيات السعودية    بدء.. ثاني جلسات محاكمة المتهمين في واقعة انفجار خط غاز طريق الواحات    قطارات مخصوصة خلال عطلة عيد الأضحى وطرح التذاكر يوم السفر    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بأسيوط    تكريم شيري عادل في ختام مهرجان القاهرة للسينما الفرانكوفونية    رغم رفض إسرائيل.. مصدر سعودي يؤكد ل CNN سفر وزير الخارجية إلى الضفة الغربية الأحد    خمسة في عين الحسود.. حكاية أمينة خليل بمايو بين الجوائز والحب والتألق في كان    غياب "ضحية النمر" عن أولى جلسات محاكمة مدربة الأسود.. والده يكشف التفاصيل    شريف مدكور يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    غدا.. بدء تيسيرات الإعفاء بنسبة 70% من غرامات التأخير للوحدات والمحال والفيلات التابعة لصندوق تمويل المساكن    رفع درجة الاستعداد الصحي بمحافظة الإسكندرية بسبب الأحوال الجوية الاستثنائية    تحذيرات في واشنطن بعد فرار 250 مليون نحلة من شاحنة مقلوبة.. تفاصيل الحادث وجهود الإنقاذ    محافظ مطروح يتفقد امتحانات الشهادة الإعدادية    الرى: التنسيق مع شركات مياه الشرب لتركيب عدادات لمآخذ المحطات الآخذة من النيل    الاحتلال يدمر منازل 14 عائلة فى جباليا شمال قطاع غزة    وزير العمل يؤكد حرص مصر على تعزيز التعاون مع صربيا في كافة المجالات    ثروت سويلم: بحب الأهلي ومنظومته.. وبتمنى الأندية تمشي على نفس النهج    نجاة شخص وزوجته بعد تعرض سيارتهما للدهس من جانب نقل في الجيزة    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي رئيس الاتحاد العربي لإدارة الطوارئ والأزمات    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    دعاء المطر والرعد كما ورد عن النبي (ردده الآن)    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى اليوم السبت 31 مايو 2025    كهربا: إمام عاشور بكى لأجلي.. وأهدي الدوري لأمح الدولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادوارد سعيد في وصيته الاخيرة
نشر في أخبار مصر يوم 09 - 10 - 2009

مضى على رحيل إدوارد سعيد ست سنوات حتى الآن، فقد توفي في أواخر شهر سبتمبر عام 2003. وقد افتقدناه لأنه كان أحد المثقفين الكبار القادرين على تحليل الأمور وإنارة الطريق وسط ظلام حالك ومزايدات مملة لمثقفي التيار القومجي الأصولي. أقول ذلك على الرغم من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها، رحمه الله، في كتابه الشهير «الاستشراق». فالواقع أن إدوارد سعيد لم يكن مختصا في الدراسات العربية الإسلامية وإنما في النقد الأدبي المقارن. وشتان ما بينهما. ولذلك سهل على الثعلب العجوز برنارد لويس أن يمسكه على أخطاء كبيرة بالجرم المشهود. هذا لا يعني بالطبع أن أطروحاته كلها خاطئة في كتاب الاستشراق، ولكنه يعني أن النزعة الديماغوجية تغلبت لديه على النزعة العلمية. فكلامه لا ينطبق على الاستشراق العلمي الرصين، وإنما فقط على الاستشراق السطحي المسيس. هل شعر إدوارد سعيد بالخطأ الذي ارتكبه وأراد تصحيحه قبل أن يموت؟ ربما. على أي حال هذا ما يرشح من آخر مقال كتبه وأرسله إلى أصدقائه الفرنسيين اليساريين في مجلة «اللوموند ديبلوماتيك»، وقد خلع عليه العنوان الجميل التالي: «النزعة الإنسانية: آخر متراس لنا ضد البربرية». ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا النص يمثل وصيته أو كلمته الأخيرة. في هذا النص يدين إدوارد سعيد المحافظين الجدد من جهة، والأصولية العمياء من جهة أخرى. وهو يعتبرهما الخطر الماحق على النزعة الإنسانية التي ينبغي أن تقودنا أخلاقيا في الشرق كما في الغرب.
في الواقع إن سعيد يبدو حزينا ومهموما لأن أميركا في عهد المحافظين الجدد سقطت في نوع من الاستشراق الجديد العدواني الذي يتبنى نظرية صدام الحضارات على طريقة هانتنعتون وبرنارد لويس. ولكنه حزين أيضا لأن العالم العربي والإسلامي سقط في أحضان الأصولية المتعصبة. وبالتالي فنحن، أي أصحاب النزعة الإنسانية وحوار الحضارات، أصبحنا بين فكي كماشة، وهامش حريتنا أو حركتنا تقلص إلى حد كبير. ولكن لا ينبغي الاستسلام أمام هذا الوضع الخانق. ما هو الحل الذي يقترحه سعيد للخروج من هذا المأزق؟ بالإضافة إلى الفلسفة الإنسانية فإنه يدعونا إلى التمسك بأهداب الخطاب العالمي العلماني والعقلاني. لماذا؟ لأن المذاهب والطوائف تفرق بالضرورة بين البشر في حين أن الخطاب العقلاني هو وحده القادر على جمع كل الشعوب على أرضيته الرحبة الواسعة. العقل البشري واحد، ولكن المذاهب والعقائد عديدة شتى، وهذا ما قاله الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان في القرن التاسع عشر أيضا. هل يعني ذلك أن إدوارد سعيد متفق مع المعري في بيته الشهير: «كذب الظن لا أمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء»؟ دون شك.
ولكن هذا ما يقوله القرآن الكريم أيضا وإن بطريقة أخرى. بالأمس القريب كنت أتجول في ضواحي باريس المجاورة لبيتي مع الصديق والكاتب الشاب ممدوح المهيني، فمررنا على الجامع الجديد الذي دشنوه مؤخرا على شواطئ البحيرة تقريبا وفي منطقة من أجمل المناطق. فماذا وجدنا؟ وجدنا ليس فقط الجامع وإنما هناك إلى جواره أيضا مكتبة ثم كافيتريا يجتمع في رحابها الفرنسيون والعرب ويشربون الشاي على الطريقة المغربية الأصيلة. وفي المكتبة وقع بصرنا فورا على الترجمة الفرنسية لكتاب ابن رشد «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال». وبالطبع فالنسخة العربية من الكتاب موجودة في الداخل. ومعلوم أن هدف الكتاب هو التوفيق بين الإيمان والعقل، أو بين الفلسفة الإغريقية والدين الإسلامي. وزاد من سعادتنا أننا وجدنا الآية الكريمة التالية منقوشة على واجهة المسجد بالخط العربي العريق والجميل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». هذه الآية تؤسس لحوار الحضارات وللتقارب بين البشر والشعوب، بل وتخلع المشروعية على الحوار الإنساني الذي كان دائرا في الكافيتريا بين الفرنسيات والعربيات أو بين الفرنسيين والعرب رجالا ونساء.
قد تقولون إني ابتعدت كثيرا عن إدوارد سعيد؟ لا، لم أبتعد، فهو في نفس المقالة يدعونا إلى فتح باب الاجتهاد في الإسلام، ويعتبر أن إغلاقه كان بمثابة كارثة ثقافية كبرى بالنسبة لعصرنا. فلو أنه لم يغلق قبل ألف سنة لما اكتسحت الأصولية الظلامية الشارع العربي كل هذا الاكتساح. من المعلوم أن الأصوليين استخدموا كتاب «الاستشراق» لتأخير هذا الاجتهاد بالذات، بل وافتخروا بأن مثقفا عربيا مشهورا يدين العلم الحديث في عقر داره! واعتبروه دلالة على فساد الاستشراق كله بما فيه الاستشراق الأكاديمي العالي المستوى الذي طبق المنهج التاريخي على التراث لأول مرة وأدى إلى كشوفات وإضاءات لم يسبق لها مثيل. وأعتقد أن ذلك قد حزّ في قلب إدوارد سعيد كثيرا فشعر بالخطر أو بالخطأ، وأراد الاعتذار عنه بشكل غير مباشر في هذا المقال الأخير.
نقلاً عن جريدة الشرق الاوسط*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.