مصر ترغب في أن تكون جزءا من عالمها, بل رائدة في محيطها وتأمل أن تعيش زمانها.. تعطيه رغبتها الدفينة في الخلود. وهكذا ظلت تقدم من ذاتها وبنيها أفكارا تسبق عصرها وأوانها: فأعطت العالم كله فكرة التوحيد والبعث من جديد والخلود. وقريبا قدمت لهم نجيب محفوظ وأعطتهم زويل والبرادعي وبطرس غالي ومجدي يعقوب واخرين. * والسر الذي ربما لم يدركه المصريون في ذاتهم ومنحهم الوجود دوما هو الإقبال علي الحياة وعدم الخوف من الآخرين وربما لو تأمل المرء تصور المصريين القدماء عن البعث وما تركوه في المقابر من زينة وأدوات, فانه سيدرك أنه أمام شعب حي حتي وهو يستعد للموت فانه يجهز للحياة والخلود ومن هنا فان مصر علي مدي تاريخها كله وخاصة في سنوات تألقها لم تتنكر للحياة ولم تعط ظهرها لعالمها. وعندما تفعل ذلك بدافع الخوف والإحساس بالدونية فإنها تتخبط في أفكارها المرتعشة وأوهامها المبالغ فيها, وتتراجع وينحسر دورها, ويخرج علينا الكثيرون ممن يدعون الوطنية الجوفاء بمقولة فاسدة إن الأمة عليلة, والآخرين يتربصون بها وأي نسمة هواء تتسرب لو جري فتح النافذة في غرفتها فسوف تصاب بمرض يهدد حياتها! وأغلب الظن أن مثل هؤلاء لا يدركون أن عظمة أي أمة في أشتباكها مع الحياة وصراعها السلمي في ميادين الإبداع والفكر ليس فقط في أن تدهش العقل مثلما أجاد مفكروها ومبدعوها, بل في أن تمتع العين وتروح عن القلوب أيضا وأن تضيف لمسيرة البشرية في كل المجالات وأن تقدم رؤية للحياة متزنة فيها سماحة المصري وإصراره علي الحياة والخلود! ويبقي أن مصر المنسحبة المغلوبة علي أمرها لن تفيد نفسها أو عالمها ولحظتها سيري البعض أن مروة الشربيني كان عليها ألا تدافع عن كيانها. وهنا نلوم الضحية ونعيش بعقلية الضحية وتعشش أوهام التربص بنا. وفي مثل هذه الأجواء, فإننا نحيط أبو تريكة بسياج الوطنية الزاعقة لنمنعه من الاحتراف وتقديم نموذج رائع عن الابداع في مصر, والأخطر أن يسجننا الخوف من الهزيمة عن شرف المحاولة, فنري أناسا يلومون حسن شحاتة ومؤخرا البدري لأنهما تجرأ باللعب مع الكبار واشتبكا مع عالمهما في أرفع مستوي للعبة. إلا أن الخائفين نسوا أن التجربة تستحق ثمنها!. * الاهرام