أبيى تقع في قلب السودان ولاتتعدى 1% من مساحة السودان و3% من مساحة الجنوب هي عبارة عن مثلث يعوم فوق «بحر من النفط والمياه الطبيعية»تنتظر اليوم حكم المحكمة الدولية ليحدد تبعيتها. هذه المنطقة كانت محور للعديد من الأخبار في الصحافة العربية اليوم ففي المصري اليوم جاء«كشمير السودان».. «القدس السودانية».. «كويت السودان».. هذه أوصاف منطقة واحدة هى «أبيى» التى تقع فى قلب السودان على الحدود الفاصلة بين شماله العربى، وجنوبه الأفريقى، وتعد أكثر النقاط التهابا فى هذا البلد الذى يعتبر نموذجا مصغرا للقارة السمراء، حيث يضم بين جنباته 579 قبيلة يتحدثون أكثر من 400 لغة ولهجة. فى تمام الساعة العاشرة صباحا بتوقيت جرينتش اليوم الأربعاء 22 يوليو الجارى، تصدر محكمة التحكيم الدولية فى لاهاى قرارها حول تبعية أبيى المتنازع عليها بين حزب المؤتمر الوطنى الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة سابقا فى الجنوب إما لشمال السودان أو جنوبه، إما لجنة الوحدة والمصالحة، أو نار الحرب والدمار. ورغم أن أبيى لا تتعدى 1% من مساحة السودان ككل، والتى تقدر ب 2.5 مليون كيلومتر مربع، و3% من مساحة الجنوب، فإن أهميتها تنبع من كونها عبارة عن مثلث يعوم فوق «بحر من النفط والمياه الطبيعية». ويتبع مثلث أبيى إداريا ولاية جنوب كردفان، لكنه يمتد جغرافيا لداخل ولاية بحر الغزال بالجنوب، وسمى «مثلث أبيى» لأن المنطقة أشبه بمثلث يلمس 3 ولايات، فمن الناحية الشرقية ولاية الوحدة، وجنوبا ولاية شمال بحر الغزال، وغربا ولاية جنوب دارفور. وشهدت تلك المنطقة التى تتصاعد التحذيرات من أن تكون تلك نقطة إشعال حرب أهلية شاملة، معارك صيف 2008 بين الجيش السودانى والحركة الشعبية لتحرير السودان، أوقعت عشرات القتلى فى صفوف الجانبين، قبل أن يتفقا لاحقا على إرسال ملف هذه المدينة إلى محكمة العدل الدولية للبت فى حدودها، التى وضعتها لجنة دولية وضمت حقول النفط الرئيسية فى السودان «حقول هيجليك» داخل حدود أبيى لمحافظة بحر الغزال جنوب البلاد. ويعنى ذلك أنه فى حال قرر الجنوبيون الانفصال عن شمال السودان بمقتضى الاستفتاء المقرر فى عام 2011، فإن الثروة النفطية ستقع فى يد الجنوبيين. ورفض المؤتمر الوطنى قرار تلك اللجنة الدولية وطرح لاحقا فكرة إنشاء إدارة مشتركة لهذه المدينة التى يطلق عليها كشمير السودان والقدس السودانية نظرا للتنازع على حدودها، كما هو الحال بين الهند وباكستان بشأن كشمير والإسرائيليين والفلسطينيين بشأن القدسالمحتلة، وكذلك يطلق عليها كويت السودان نظرا لغناها الشديد بالنفط. اما في صحيفة الخليج الإماراتية "هل يعيد قرار لاهاي الهدوء إلى أبيي أم يسكب الزيت على نارها؟" عرض عماد حسن تحليلا جاء به :ينتظر السودان اليوم إعلان التحكيم حول منطقة ابيي المتنازع عليها بين شريكي الحكم، المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية بقيادة سلفاكير ميارديت، ويحبس الجميع أنفاسهم وسط توقعات بقرار لن تكون الأوضاع بعده كما كانت قبله، رغم التطمينات المحلية والدولية التي أطلقتها اللجنة الثلاثية المشتركة، المكونة إضافة لشريكي الحكم، بعثة الأممالمتحدة، وسط تأكيد مصادر متفرقة بأن الحرب ستعود ولو جزيئاً في هذه المنطقة، إن كان القرار بضم ابيي الى الشمال أو ضمها إلى الجنوب. وتستند المصادر إلى الحراك الشعبي في المنطقة، لا إلى قطبي الحكم، مشيرين إلى أن الدبلوماسية لن تحقق نجاحا في خضم تيارين تقود العرقية والقبلية صراعهما منذ زمن طويل، ليس اقله السنوات الأربع التي أعقبت اتفاقية نيفاشا للسلام. ومع أن تسريبات خرجت هنا وهناك حول القرار، فإن مسؤولين في الطرفين نفوا معرفتهم بمآلاته، غير أن الإجراءات الاستباقية لاندلاع أي صراع في المنطقة تمضي على قدم وساق، ويكشف حجم العبء، لتجنيب المنطقة حربا جديدة، الواقع على عاتق التحكيم الدولي الذي سينطلق اليوم من مدينة لاهاي الهولندية، ويقول مسؤول في حكومة الخرطوم فضل حجب اسمه “ليس هناك منطقة وسطى للقرار، إما ابيي شمالية او جنوبية، الأمر أشبه بمباراة نهائية لابد من رابح وخاسر، لكنني لا اعرف ما هي ردة فعل الخاسر”. وأبيي تستمد أهميتها من النفط، والقرار يعد التحدي الأكبر لاتفاقية السلم بين الشماليين والجنوبيين، فقد أعلنت الأممالمتحدة أنها لن تتوانى في استخدام الفصل السابع الذي يتيح لها استخدام القوة في حال تعرض المدنيين للخطر. ويكشف قوة التصريح أن التطمينات بأن المنطقة افرغت من المسلحين قبيل صدور القرار، لا يدفع بالاطمئنان، فضلاً عن أن طبيعة المنطقة لن تتيح مراقبة دقيقة حول ما إذا غادرت تلك القوات بالفعل، أو تقبع في مكان مجاور انتظارا للقرار. في حين يتخوف قياديون في حزب المؤتمر الوطني، من رواسب غربية تجاه حكومة البشير، وتأثيرها في قرار اليوم “سيفضح نوايا الغرب”، لكنهم مع ذلك يؤكدون على مضض أن أي قرار ستقبل به الخرطوم ولن تنازع حكومة الجنوب في المنطقة، غير أن التصريحات الدبلوماسية قبل القرار لن تكون هي نفسها بعد القرار، وفقا لمصادر ترى أن الأزمة ستأتي بعد القرار وليس قبله. ويرى محللون أن لجوء الطرفين إلى لاهاي كان قرارا حكيما، لكنه احتمل مجازفة كبيرة، فالصراعات المحلية في المنطقة لن تنتهي باتفاق الطرفين أبداً، لكن المجازفة تبقى في القبول والثقة بالمحكمة نفسها. ويعطي التحكيم لنفسه الحق في إعادة رسم حدود ابيي. ويبقى الرهان على أن القرار لن يؤثر في حقوق المواطنين في المنطقة، حسب مسؤول في حكومة الولاية، لكن ليس هناك من يؤكد تأثر العقل الجمعي والقبلي بنتيجة القرار، فقبيلة المسيرية ترى أنها الأحق بالأراضي الواقعة إلى الشمال من “بحر العرب” وقد سمحوا لأفراد قبيلة دينكا نكوك القادمين إلى المنطقة بالسكن في المنطقة الجنوبية لبحر العرب، فيما ترى دينكا نكوك أن المنطقة الممتدة من حدود كردفان حتى بحر الغزال، ملك لهم قبل وصول المسيرية. ومن مصادر في لاهاي لصحيفة الشرق الأوسط السعودية: المحكمة قسمت أبيي بين الشمال والجنوب «توافقيا» كتب إسماعيل آدم: كشفت مصادر مطلعة في لاهاي ل«الشرق الأوسط» أن قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاي اليوم حول النزاع السوداني السوداني بشأن منطقة أبيي الغنية بالنفط سيكون قرارا توافقيا، يتم من خلاله تقسيم أبيي بين الشمال والجنوب. وقالت المصادر إن القرار مكون من شقين؛ الأول: تقرير أصدره خبراء ترسيم حدود منطقة أبيي الذين جرى تكليفهم بتحديد موقع 9 عموديات تدعي الحركة الشعبية ومعها دينكا نقوك أنها كانت تتبع لإقليم بحر الغزال الجنوبي، جرى تحويلها إلى إقليم كردفان، الشمالي عام 1905، اعتبرت المحكمة أن التقرير فيه تجاوز لاختصاص اللجنة، وهو الادعاء الذي رفعه حزب المؤتمر الوطني وبمساندة قبيلة المسيرية العربية، ضد تقرير الخبراء، حيث يرون أنهم تجاوزوا اختصاصهم. والشق الثاني: قررت بأن حدود منطقة أبيي شمال مدينة أبيي عاصمة المنطقة بنحو 60 كيلومترا، أي تبعد بنحو 80 كيلومترا شمال نهر بحر العرب. ووصفت المصادر القرار بأنه «توافقي»، لإرضاء الطرفين، وقالت إن رفض تقرير الخبراء من قبل المحكمة فيه إرضاء لقبيلة المسيرية وحزب المؤتمر الوطني، ، الذي تقوم مرافعته على بطلان التقرير، وأنه سبب الأزمة، فيما تستند الحركة الشعبية، ودينكا نقوك، في مرافعتهما على أن التقرير صحيح وملزم للطرفين حسب اتفاق السلام. وأضافت المصادر أن الحدود التي أقرتها المحكمة لأبيي تمثل إرضاء للحركة الشعبية ودينكا نقوك وليس من صالح المؤتمر الوطني والمسيرية. وكشفت مصادر في الخرطوم أن الشريكين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قد أبلغا بفحوى قرار المحكمة، كما كشفت أن الرئيس البشير عقد ليل أول من أمس اجتماعا مع قبيلة المسيرية، وأبلغهم بأن القرار المرتقب «هو أقصى ما يمكن التوصل إليه في النزاع حول المنطقة وناشدهم بقبوله والعمل على جعل المنطقة منطقة تعايش». وتتمسك قبيلة المسيرية بضرورة ألا تكون حدود أبيي شمال نهر بحر العرب الذي يمثل مكان المصيف (فصل الجفاف) لهم في حركتهم السنوية ولمواشيهم، فيما ترى دينكا نقوك أن حدود العموديات التسع تقع شمال منطقة الرقبة، التي تقع شمال أبيي المدينة. وفيما يحبس السودانيون أنفاسهم بانتظار القرار، كشف الرئيس عمر البشير قبيل صدور القرار بأن «حكومة الوحدة الوطنية» المؤتمر الوطني والحركة الشعبية «وفي أعلى مستوياتها وبكافة أطرافها أقرت مبدأ القبول بنتائج التحكيم أولا»، وقال في تشدد: «توجيهاتي واضحة للكافة بأن يكون الأربعاء (اليوم) يوما للسلام والتعايش والتصالح والتصافي في أبيي». ودعا البشير مواطني أبيي بأن يجعلوا من يوم الأربعاء حيث يصدر القرار يوما للسلام والتعايش والتصافي، وأكد ثقته في مواطني منطقة أبيي وفي أن تظل المنطقة مسرحا للتعايش السلمي وبوتقة للانصهار والوحدة. وشدد البشير على أنه مهما كانت نتيجة التحكيم المرتقب بشأن المنطقة فإن «السودان لن يؤتى من جهة أبيي». وقال البشير: «إن أبيي ستظل جسرا للتواصل بين الشمال والجنوب وأرضا للتساكن والتصاهر والانسجام». وقال الرئيس السوداني «إن منطقة أبيي يحفظ لها التاريخ ولمواطنيها من الدينكا والمسيرية وغيرهم من الأقوام أنها لم تكن يوما دار حرب بل ظلت دارا للتعايش ورمزا للمصاهرات بين الشمال والجنوب».