ثمة هواجس عميقة لدى الفلسطينيين في لبنان تزداد جديّة هذه الفترة بأن قضيتهم تقف على مفترق طرق بالغ الاهمية مع تحذير فصائل اساسية من داخل «منظمة التحرير الفلسطينية» ومن خارجها من مغبة تصفية القضية الفلسطينية بالكامل ولمرة واحدة في ظل وجود احدى اكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفاً اليوم كما اوردت جريدة السفير اللبنانية . كما اوردت جريدة السفير اللبنانية ومن الملاحظ ان قراءة كهذه يربطها أصحابها بشكل وثيق مع وصول الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما الى سدة المسؤولية من دون التعويل كثيراً على رؤية القادم الجديد، الاكثر تفهماً وموضوعية وعقلانية تجاه الفلسطينيين من ناحية والاكثر تشدداً تجاه الاسرائيليين مقارنة مع سلفه جورج بوش. ذلك التحليل هو لفصائل فلسطينية تحتفظ بحذر شديد مما قد يحمله المستقبل. وتقول على هذا الصعيد أن وصول اوباما بغض النظر عن حسن نواياه من عدمها من شأنه ان يتقاطع مع خطة الحكومة الاسرائيلية بالغة التطرف تجاه فلسطينيي 1948 و1967 ومؤداها بالغ البساطة بالنسبة الى حكومة العدو مثلما هو شديد الكارثية على الفلسطينيين والعرب: ترانسفير جديد ومن ثم تكريس التوطين عبر اشهار سلاح «يهودية» الدولة في موازاة وعود بدولة فلسطينية هشّة. تحذير فلسطيني للبنان : تنظر القيادات الفلسطينية ومعها قوى وقيادات لبنانية عديدة الى البعيد، محذرة من تأثر لبنان بالجو الاقليمي الحالي. يطرح الفلسطينيون هواجسهم على الشكل التالي، وهي للمناسبة هواجس أبلغت الى الجهات اللبنانية المعنية منذ ايام في الموالاة قبل المعارضة، منطلقة من سؤال جوهري: كيف سيواجه لبنان المخطط الاسرائيلي الذي يستهدفه بالدرجة الاولى في حال المضي فيه (وهو الامر الذي دونه مصاعب عديدة) هل ثمة خطة يتوحد حولها اللبنانيون لمجابهة مخطط التوطين اولاً ناهيك عن التهجير نحو اراضيهم، بعيداً عن التهجم المستمر المستتر حيناً والمفضوح التوجيه احياناً اخرى ضد سلاح المقاومة الذي يمثل ربما القوة الوحيدة القادرة اليوم على التأثير على مجريات الاحداث باتجاه منع هذا المخطط الخطير على البلد؟ ثم، قبل ذلك، هل ثمة اطراف لبنانية تؤيد مثل هذا الطرح، او اقله لا تشهر سلاح الرفض له لمصلحة ما؟ حملت فصائل فلسطينية هذه الاسئلة الى مراجع كبرى، وكانت اجابات المسؤولين اللبنانيين، من معارضة وموالاة، تجمع على رفض التوطين والتشبث بحق العودة واعتبار ذلك خطاً احمر لا يمكن تجاوزه. لكن اجابات المسؤولين لم تشف الغليل واذا كان حديث الفلسطينيين عن التوطين قد خفت الى حد ما قبل الانتخابات النيابية، لكي لا يستغل في الصراعات اللبنانية فإن الفلسطينيين في لبنان قد رفعوا الصوت امام من التقوهم من مسؤولين شارحين مخاوفهم بالتفاصيل لكن في اطار عناوين كبرى يرى الفلسطينيون ضرورة الاتفاق مع اللبنانيين عليها اليوم: أولا: الانطلاق نحو مرحلة جديدة في العلاقة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني برعاية القيادات مع ابراز اهمية تأمين اجواء سياسية ملائمة بين الطرفين من دون مواقف «متطرفة» من قبل الجانبين في سبيل التلاقي في منتصف الطريق. ثانيا: الاتفاق على عنوان كبير يمهد لعلاقة متطورة لمعالجة مجموعة من الاخطاء تم ارتكابها في الماضي. وهنا تبرز دعوة فلسطينية الى السلطات اللبنانية لإعادة النظر في آلية التعامل مع الملف الفلسطيني في لبنان من زاوية امنية فقط أي موضوع السلاح بالرغم من اهميته وعدم تجاهل المسألة المعيشية والحياتية عبر تأمين الحد الادنى من العيش اللائق في ظل تعاون يراعي معطيات الظروف المعيشية للفلسطينيين. ثالثا: رفض ان تنحصر مهمة الطرفين ب«إطفاء الحرائق»، كما حدث في ازمات عديدة سابقة كان اهمها موضوع نهر البارد ومن ثم ازمات اخرى «متقطعة» في عين الحلوة، فتضافرت الجهود بين الجميع لتجاوز تلك القطوعات الامنية. يرى الفلسطينيون بان الحاجة ملحة الى ذلك النقاش الموضوعي بين الجانبين حتى ولو اتخذ الامر وقتا اذ من دون الشروع بإجراءات عملية تعزز الثقة فإن القضايا العالقة سوف تتراكم مع الوقت وتكبر يشكل الحوار الشامل مع لبنان بالنسبة الى الفصائل على اختلافها الحصانة الاهم. والحال ان القيادات الفلسطينية قد كثفت خلال الايام الاخيرة زياراتها الى مسؤولين لبنانيين وهي تركز في لقاءاتها التي ستستمر في الفترة المقبلة على ابراز المخاوف في سبيل توعية اكبر الى مخاطر المرحلة من ناحية والشروع في علاقة تعاون عملية مع الحكومة الجديدة التي ستنبثق في اكثريتها عن الموالاة من ناحية اخرى. أولا: لقد اعلن ناتانياهو جهارا عن نيته تطهير دولته اليهودية من الفلسطينيين الذين سيحتفظون بما يقال بأنه دولة خاصة بهم من دون الالتفات الى الآثار السياسية والاجتماعية عليهم! ثانيا: ثمة سؤال جوهري ما هي آثار رؤية ناتانياهو على فلسطينيي الدول العربية وخاصة لبنان؟ سوف يكون التوطين النتيجة الطبيعة لتنفيذ تلك الرؤية، لا بل اكثر من ذلك، سوف يعاني لبنان ايضا من ترحيل نحو مليوني فلسطيني من اراضي ال48 وهو الامر الذي لن يقتصر على الجانب الديموجرافي، بل انه قد يؤدي الى نتائج كارثية على المنطقة، إذا حصل. فإن اسرائيل لن تكتفي بإعلان دولة يهودية خالصة بل انها سوف تطلب من الاميركيين تأمين اجراءات امنية مواكبة لإعلان الدولة موجهة الى الفلسطينيين بشكل اساسي الامر الذي قد يفجر الاوضاع في الاراضي المحتلة. الحوار وانقسام الفصائل : تقول المصادر انه في كل مرة تقدمت فيها عملية التسوية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني حدثت لخبطة مؤداها توتير في الخريطة الامنية للفلسطينيين في لبنان، في سبيل توجيه رسائل معينة. تبدو الدعوة هامة الى وحدة الموقف الفلسطيني على صعيد الوضع في لبنان وخاصة في قرار رفض التوطين والتمسك بحق العودة للجميع. لكن هل من امكانية للتفاهم مع لبنان في ظل الانقسام الفلسطيني؟ لا يبدو الفلسطينيون على استعداد لتجاوز خلافاتهم اليوم. وللتذكير فقط، فإن الدعوات الى توحيد الوفد المفاوض مع الحكومة اللبنانية قد تعالت منذ انشاء مكتب ممثلية منظمة التحرير في لبنان قبل نيف وسنوات ثلاث. في ذلك الحين، تفاءل الجميع بإمكان تشكيل وفد موحد للقاء المسؤولين اللبنانيين لعرض مطالب يجمع عليها اللاجئون، لكن الامر اصطدم بعقبتين: اولاهما تمسك حركة «فتح» بمرجعية منظمة التحرير، أي بمعنى آخر استبعاد حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» خاصة من قيادة وفد المفاوضات مع السلطات اللبنانية. ثانيها، اتخاذ رفض «حماس» شرعية اكبر مع فوزها في الانتخابات التشريعية في الاراضي المحتلة، وكانت فكرتها للمفاوضات مع لبنان تستند الى مناصفة وفد المنظمة مع قيادة التحالف الفلسطيني المشكل من قبل الفصائل غير المنضوية في المنظمة. استمر التجاذب القائم بين الجانبين بينما هُمشت القضية الاساس حقوق الفلسطينيين في لبنان بينما اتخذت كل من «فتح» و«حماس» موقفا الى جانب طرف في المعادلة اللبنانية الداخلية. ومع انتهاء ازمة نهر البارد عام 2007 حصل اتفاق بين المنظمة والتحالف على تشكيل وفد موحد الى المفاوضات قوامه اعضاء اربعة من المنظمة وثلاثة من التحالف على ان تتخذ القرارات بالاجماع لكن قيادة «فتح» في الخارج عادت وتراجعت عنه فجأة ليستمر الحال على ما هو عليه منذ ذلك الحين بينما اتخذ موقف كل من الجانبين سمة التشدد في المرحلة التي تلتها. ومن الملاحظ ان حماس التي لم تكن تحتفظ بحضور كبير ظاهر في السنوات الماضية لبنانيا شرعت منذ فترة بتفعيل هذا الحضور الشعبي في المخيمات محذرة من انها لن تسكت عن أي اعتداء يطاول كوادرها بينما لا زالت فتح تشكل الحضور الشعبي الاكبر ما قد يعني ان موقف كل من الحركتين من تشكيل وفد المفاوضات لن يلين وان كان الطرفان يحافظان في الوقت الحالي على نوع من «الهدنة» الاعلامية بعد ان بلغت التطورات الامنية بينهما حدا خطيرا قبل اشهر قليلة. لكن يبقى على الفلسطينيين الإجابة على السؤال الأهم: هل من الممكن تحصيل الحقوق في ظل الانقسام الحالي؟