تهمة المؤامرة الخارجية جاهزة، سواء تعلق الامر بربيعة قدير والايجور الصينيين او بمير حسين موسوي ومهدي كروبي والاصلاحيين الايرانيين. فالنظام، في دول كهذه، هو دائماً على حق، واي نشاط معارض، سلمياً كان او غير ذلك، لا بد ان يكون نشاطاً مدعوماً من الخارج! ليس ما يجمع في الظاهر بين طبيعة النظامين في بكين وطهران. الاول شيوعي لا يعترف من حيث المبدأ بالاثنيات وبحقوقها، المهضومة قانوناً تحت قبضة المؤسسة الحزبية، سواء في تشنج يانج او في التيبت. والثاني اسلامي يفترض من حيث المبدأ أن حقه على مواطنيه هو الولاء الكامل والامتناع عن الانتقاد، حتى اذا كان المنتقدون من اهل البيت، وحتى اذا باتوا يرون أن سلبيات سلوك النظام اصبحت تهدد الاسس نفسها التي يقوم عليها. ربيعة قدير لم تولد معارضة للحكم الشيوعي في الصين. فهي كانت عضواً في الحزب الشيوعي، وبهذه الصفة مثلت بلدها في مؤتمر المرأة العالمي الذي نظمته الاممالمتحدة سنة 1995 كما كانت عضواً في المجلس السياسي الاستشاري في بكين، وهو اقرب ما يمكن الى البرلمان. لكن افتراقها عن النظام والمضايقات التي اخذت تتعرض لها بدأت مع هروب زوجها الى الولاياتالمتحدة بعد اتهامه بتحريض مزعوم لما تعتبره بكين تحركاً انفصالياً في مقاطعة تشنج يانج، لمجرد أن اهلها يطالبون بالمساواة في الحقوق. القيت ربيعة في السجن لمدة ست سنوات واطلقت سنة 2005 واستطاعت الهرب الى الولاياتالمتحدة حيث تعيش الآن. كذلك الامر بالنسبة الى قادة الحركة الاصلاحية في ايران، فهؤلاء ايضاً لم يولدوا متآمرين او معادين للثورة. على العكس، كانوا الى أمس قريب من الرموز البارزة في المؤسسة الحاكمة، وتوزعت مناصبهم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس الشورى... لكن سلوك النظام تجاههم هو الذي يضعهم في موقع العداء. من «الانجازات» التي تُحسب للانظمة التوتاليتارية ان قدرتها على القمع وشكوكها في أقرب الناس اليها، هي التي تدفع هؤلاء الى مواقف كان يمكن للنظام، لو احسن التقدير، أن يبقيهم بمنأى عنها. لم يطالب أحد من قادة الايغور في اقليم تشنغ يانغ (ولا الدالاي لاما في التيبت) بالانفصال عن السلطة المركزية. ولا يدعمهم أحد في هذا المطلب على كل حال. كما يرفض الايجور الاتهامات بأنهم يتلقون الدعم من «حركة تركستان الاسلامية» التي تتهمها الولاياتالمتحدة بأنها تنظيم ارهابي، لأفراده علاقات بتنظيم «القاعدة». كل ما يريده هؤلاء، وما أكدت عليه ربيعة قدير في تصريحاتها الاخيرة، هو اعادة الاعتبار لهم في مناطقهم، التي تراجع نفوذهم فيها نتيجة قيام الحكومة الصينية باستقدام اعداد من «الهان» من اصول صينية الى الاقليم، بحيث ارتفعت نسبتهم من 6 بالمئة سنة 1949 الى 40 بالمئة اليوم، كما يسعى الايجور الى تحسين ظروفهم المعيشية ويطالبون بحل سلمي للنزاع الذي انفجر اخيراً، نتيجة عوامل تجمع بين التفاوت الاقتصادي والاختلاف العرقي والانتماء الديني. كذلك في ايران، لم يرفع الاصلاحيون أي شعار معاد للثورة الاسلامية وأهدافها. مطالبهم الى الآن اقتصرت على اجراء انتخابات شفافة ونزيهة، لا ينجح فيها من ينجح لأن المرشد يريد له أن ينجح، بل لأن الايرانيين اختاروه لهذا المنصب. طبعاً ليس موسوي وكروبي ولا محمد خاتمي من عرق او دين مختلفين عن شيوخ النظام الحاكم. حتى الخلاف العرقي، وهو موجود، لم يبرز كعنصر طاغ في النزاع الاخير بين قيادة الثورة الاسلامية ومعارضيها. ومع ذلك لم تجد السلطة الحاكمة أية فسحة لاستيعاب مطالب هؤلاء المعارضين. وكما في الحالة الصينية، كان القمع هو اللغة الوحيدة التي نطق بها النظام. يجمع بين الصورتين الايرانية والصينية ذلك الكره العميق لوسائل الاتصال الحديثة، سواء كانت هواتف نقالة أو مواقع الكترونية. صارت التكنولوجيا العدو الجديد لآلة القمع، مثلما كانت الكلمة ذات يوم تلقي اصحابها في «الغولاغات». يجمع بين الصورتين ايضاً سوء تقدير لمسار التاريخ ولحتميته. فعلى رغم الانهيارات التي شهدها العقدان الماضيان على جبهة الدكتاتوريات، لا تزال هناك انظمة تتسلح بالقمع كوسيلة وحيدة لبقائها، مستبعدة كل وسائل التحاور الاخرى... لكن الى متى؟ * الحياة