الاهرام 19/5/2009 قد نتفهم حالة الفزع التي سببتها بشاعة جرائم العنف الاجتماعي التي وقعت أخيرا وغيرت كثيرا من المفاهيم التي اعتدنا عليها في حماية أنفسنا وممتلكاتنا لكننا لا نفهم علي الإطلاق حالة الدهشة التي اندلعت من تفسيرات الخبراء وأساتذة علم النفس وعلماء الاجتماع فلا يوجد علي الإطلاق ما يدعو إلي الدهشة, فهي جرائم منتظرة في ظل الطريقة التي نعيش ونتصرف بها في حياتنا! نحن نعيش في مغارة علي بابا ومن يعيش في مغارة لا يجب أن تدهشه ما يخرج عليه من بين كهوفها المعتمة وشقوقها الملتوية نعم نحن نعيش في مغارة زحام وتكدس وعشوائيات داخل مساحة محدودة من أرض مصر نكاد نختنق فيها ولا يبقي أمامنا إلا الصراع العنيف من أجل الحصول علي فرصةأي فرصة للخروج من المغارة. وقد حدث أن اختار عالم اجتماع عشرة فئران عادية, وأفسح لها مكانا معقولا وأمده بالماء والغذاء وتركها ستة أشهر فماذا حدث؟! سمنت الفئران من فرط الراحة والبحبوحة, وظهرت علي إناثها أعراض الحمل وبعد فترة أخذ الفئران ونقلها إلي مكان يكاد يسعها بصعوبة ولا تتوافر فيه وسائل المعيشة إلا بالتيلة فلم تتحمل الفئران وضاقت بحياتها وانقلبت سلوكياتها إلي عدوانية وشراسة ودخلت في صراعات انتهت بمقتل أربعة منها! فما الذي نتوقعه من ناس حشروا أنفسهم في الوادي الضيق إلي درجة أن أحياء بالكامل يمشي البشر في شوارعها يتخبطون في بعضهم بعضا بل إن بعض المدن في المحافظات من كثرة الزحام يتصور المرء أننا في يوم الحشر! هذه جرائم منتظرة وسوف تزداد عنفا وقسوة وشذوذا.. لأننا باختصار لا نحل مشكلات حياتنا وإنما نطاردها فقط ونخفف نسبيا من حدتها! والجريمة هي ابن غير شرعي للعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع هي عوادم سوداء من حركة الناس وتصارعها في الحياة فإذا كانت هذه العلاقات مشوهة في بنيتها الأساسية وتكتنفها عيوب خطيرة وجانحة فالعوادم الناتجة عن عمليات الصراع علي لقمة العيش والنفوذ والمكانة والحفاظ علي الحياة تكون شرسة وعنيفة وقاتلة. وبالطبع حين كانت حياة المصريين أكثر بساطة وعددنا أقل كانت عوادمها بسيطة وأقل قسوة وحين تعقدت وتشابكت تعقدت عوادمها وتوحشت! والحل ليس في القانون والعقاب وإنما في العلاقات التي تحكم حركة الناس علي أرض مصر.. وكلما تأخرنا تزداد وحشية العوادم أقصد الجرائم!