الأهرام: 12/03/08 الرأي العام الإسرائيلي- حسب تشخيص عدد من الكتاب اليهود- هو تعبير عن حالة مزاجية نفسية أكثر منه تعبيرا عن اتجاه رأي عام, سواء كان موافقا علي التحرك في عملية السلام أيام حكم رابين أو منقلبا, عليها مدفوعا بنزعة العنف والتدمير للفلسطينيين, منذ بن جوريون, وحتي نيتانياهو وشارون, وما يحدث في عهد أولمرت اليوم, ولما كانت عملية السلام تقف أمامها علامة استفهام كبيرة من حيث تعامل العقل الإسرائيلي معها, فكان من المهم التوقف أمام مفهوم لمفكرين يهود يقول إن عملية السلام قد ماتت, وهو المفهوم الذي ينسب إلي نيل كوزوروي رئيس تحرير مجلةCommentary التي تعتبر من أهم الصحف المعبرة عن الرأي اليهودي المعاصر في أمريكا. وكوزوروي طرح للمناقشة الحالة الراهنة لعملية السلام في كتابه تشريح عملية السلام. 'themideastpeaceprocess:AmAutopsy' جمع فيه دراسات لثلاثة عشر مفكرا وسياسيا من الإسرائيليين واليهود الأمريكيين منهم: ديفيد بار إيلان, ودوجلاس فايث, ودور جولد, وهيليل هالكين ودانييل بايبس وغيرهم. وإذا كان الرأي العام الإسرائيلي هو في المقام الأول حالة مزاجية, فإنه أولا وأخيرا جزء من دولة, وبالتالي فالدولة ذاتها هي الوعاء الأوسع لشعبها, فهي أمام المجتمع الدولي ملتزمة بعملية سلام, لكنها تبدو كثيرا ما تتصرف سياسيا من واقع هذه الازدواجية. والسؤال: هل إسرائيل في وضعها المعاصر دولة أم ثكنة عسكرية؟ من هنا يأتي التفسير الممكن لنظرة العقل الإسرائيلي لعملية السلام. وتعبير الثكنة العسكرية سبق أن وصف به دولة إسرائيل, البروفيسور ج. هورفيتز الخبير الأمريكي في شئون الشرق الأوسط علي أساس أن كل السكان جنود في ثكنة تحمل اسم دولة. المجندون والاحتياط وسكان القري والكيبوتزات والجيش نفسه ممتد إلي الحياة المدنية, والمهاجرون يتحولون فور وصولهم إلي جنود جدد, والمؤسسة العسكرية هي مركز الإلهام للسياسة وتطبيقاتها, والجيش هو المرجعية الأولي للشعب فيما يتعلق بمسألة الأمن التي تعد ضاربة في عمق السياسة والاستراتيجية. في هذا الإطار فإن الجيش الإسرائيلي ومنذ قيام الدولة كان دائما متأهبا لحالة من اثنتين: الحرب أو التجهيز لحرب. والحروب عند إسرائيل كانت أيضا نوعا من التجارة ودعم الاقتصاد, فعقب كل حرب دخلتها إسرائيل كان ذلك بمثابة دعاية للترويج لنوعيات الأسلحة التي تنتجها صناعتها العسكرية, فيزيد الاقبال علي شرائها, ولإبرام عقود مع دول في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لاستئجار جهود كبار ضباطها في التدريب, أو قيادة حروب متمردين ضد حكوماتهم. إذن- فإن الفكر العسكري والحياة وفق مفهوم الحرب, كان يحكمها حركة الحياة في الدولة وفي السياسة علي مستوي المؤسسة الحاكمة. وحين قبلت إسرائيل عملية السلام فإن قبولها جاء من منطلق المضطر وليس الذي اختار, وهو ما عبر عنه هيليل هالكين في الجزء الذي شارك به في كتاب تشريح عملية السلام بما وصفه بتخلي حكومة رابين عن المواقف التي التزمت بها علنا, وبممارستها تحولا جذريا عن سياسات إسرائيل التقليدية. ولما قبلت حكومة إسرائيل عملية السلام, وسارت خطوات فيها حكومة رابين, كانت إسرائيل مدفوعة إلي ذلك بأسباب بداياتها حرب73 وما استخلصته من نتيجة بأن إسرائيل يمكن أن تهزم, ثم بالانتفاضة الأولي في1987, وتفسير إسرائيل لها بأنها أنهت مبدأ نقل الحرب إلي أرض العدو, والذي كانت إسرائيل قادرة في حروبها علي تطبيقه, وانتقال الحرب إلي داخل حدودها وذلك من وجهة نظرها بأن الأرض المحتلة دخلت إلي حدودها ثم انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وخوف المؤسسة الإسرائيلية من أن يؤدي ذلك إلي نهاية وظيفة إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية كقاعدة عسكرية متقدمة أمام النفوذ السوفيتي. وأبدي قادة إسرائيليون ومنهم شيمون بيريز خشيتهم من الرهان الأبدي علي تحيز أمريكا لإسرائيل ولذلك خرجت منهم مقولات بأن إسرائيل جزء من الشرق الأوسط, بعكس المفهوم السائد لديهم بأنهم جزء من الغرب, إلي أن جاء نيتانياهو رئيسا للحكومة عام1996 وأعلن رفضه لفكرة أنهم جزء من الشرق الأوسط. وكان ذلك نابعا من إعادة تنشيط المشروع الصهيوني بأن الأرض أهم من السلام ومن عدم حدوث التحول في نظرة أمريكا لوظيفة إسرائيل في استراتيجيتها, ومن عدم وقوع تطور في العالم العربي يعدل من ميزان القوي بينهم, وكان ذلك وفق حساباتهم يأتي من عملية تنمية شاملة واصلاح سياسي ديمقراطي في العالم العربي. عندئذ حدث رجوع للعقل الإسرائيلي بتركيبته المزاجية إلي فكر الثكنة العسكرية, وإلي جوهر المشروع الصهيوني فكنا أمام دولة تتحدث عن عملية السلام, وعقلها يراها عملية قد ماتت. معني ذلك أننا كنا كعالم عربي نتعامل مع إسرائيل الدولة وهو ما يحتاج ممارسة سياسات بينما نحتاج في نفس الوقت أن نمسك بأيدينا أدوات التعامل مع الحالة المزاجية المتقلبة, أي اعادة صياغة إدارة الصراع مع إسرائيل من زاوية النظر إلي ما هي عليه, وليس ما كنا نتمني أو نتصور أن تكون عليه.