لاشك في أن الكثير منكم قرأ أو سمع عن علامات قيام الساعة ودلائلها، وطبعا الكثير منكم تملكه الخوف والرهبة وهو يسمع أو يقرأ عن المؤشرات التي ستحدث، وبعدها يكون يوم القيامة، ويكون الحساب على كل زلة وكل عمل قام به الانسان. ويبدأ التفكير بالمصير المنتظر، ونجد هذا الشخص يجلس والوسواس الخناس صاحبه : هل سيدخل الجنة ويتمتع بنعيمها؟ أم سيلقى بالنار التي ستصلي جسده وكأنه خروف مشوي على المصائب التي ارتكبها في دنياه؟ للأمانة لم أقرأ، وبالأصح لا أحب أن أقرأ عن مثل هذه النوعية من الكتب، ليس خوفا من هذا اليوم فحسب، وكيف سأواجهه وماذا سيكون مصيري، لكن ليقيني بأن قيام الساعة ومسألة الثواب والعقاب في علم الغيب وحق مكتسب لله عز وجل وحده، ولا أحد يستطيع التنبؤ به سواء عن طريق علامات صغرى أو كبرى او دلائل تشير إلى ذلك، ولكن يبقى هذا اعتقادي الشخصي. ما جعلني أتطرق إلى هذا الموضوع اليوم ما سمعته من قصص يشيب لها الرأس أثناء تلبيتي لدعوة تلقيتها من احدى الأخوات الفاضلات التي تقوم بعمل دروس ومحاضرات دينية وتوعوية في منزلها بشكل أسبوعي. وطبعا أمام إصرارها على حضوري، وذلك لرغبة الكثير من الحاضرات في التعرف عليّ ومناقشتي فيما أكتب، لعل وعسى يهديني رب العالمين بعد حضوري مثل هذه الدروس، فأتحجب وأكف لساني عن مهاجمة المتحجبات والملتحين، قمت بتلبية الدعوة، وحضرت احدى هذه الجلسات التي كان محورها علامات الساعة الصغرى والكبرى. و حسب جريدة القبس الكويتية كان الجميع يستمع إلى كلام الأخت المحاضرة بكل حذر وخوف ورهبة، كأن حال لسان النسوة الحاضرات لا يردد إلا كلمة واحدة فقط هي «ويه يا حسرتنا»، وطبعا هذه الحسرة لم تأت من فراغ، بل من كثرة الحش في حفلات الأعراس والنميمة في مجالس العزاء، والغيبة في قعدات شاي الضحى، والحسد اذا رأين أو سمعن أن فلانة تزوجت أو اشترت بيتا أو ترقت، والكذب واللؤم الذي بدأ يملأ النفوس. لقد خرجت من هذه المحاضرة بنتيجة علمية مؤكدة أن العلامات الصغرى للساعة، التي ذكرتها الأخت المحاضرة، ومنها كثرة الكذب، وقطيعة الرحم، والنفاق، وارتفاع أسافل الناس وظهور الفتن وانتشار الربا، جميعها موجودة في الكويت وبكثرة، فهذا يعني أن لنا السبق في ظهور علامات يوم القيامة، ولا بد أن نسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. فلو أخذنا كل علامة على حدة نجدها موجوده فعلا، ولنبدأ بعلامة ارتفاع أسافل الناس، فسوف تتجلى هذه العلامة بالأسماء العجيبة الغريبة التي بدأت تظهر فجأة سواء على الساحة الاقتصادية أو الاجتماعية، وبدأت تناطح ويعلو صوتها، حالها حال «الأوادم»، ولو أخذنا علامة الفتن نجدها ظاهره للعيان في بعض «المرتزقة» الذين يسعون جاهدين بكل ما أتاهم الله من قوة لعمل فتنة طائفية بين السنة والشيعة، وذلك عن طريق ترويج اشاعات مغرضة أو فتح ملفات مغلقة. وإن جئنا إلى علامة قطيعة الرحم فهذه حدث ولا حرج، نجدها تحتل المركز الأول في الكويت. ولهذا ارتأيت أن نناقش هذه العلامة التي حازت المركز الأول عن قرب ونتطرق إليها بشكل موسع. أولا: من يسكن قصور الكويت؟ بكل أسف نجد أن التفكك الأسري دب في كثير من البيوت الكويتية، التي تحولت من بيوت تعيش فيها أسر ممتدة لعدة أجيال تحت سقف واحد، تربطها المحبة والألفة وتجمعها سفرة واحدة تتبادل حولها الأحاديث والسوالف الحلوة، إلى أسر مفككة لا تجمعها وجبة ولا ترى بعضها البعض إلا من حين إلى آخر. فالذي يرى هذه القصور من الخارج وجمال منظرها الخارجي، لا يتصور حالتها من الداخل. فهذه القصور الكبيرة والممتلئة عن بكرة أبيها بأفخم أطقم الأثاث والاكسسوارات المنزلية تتقاسم الأشباح سكنها مع أصحابها الذين هم أسرة مكونة من «واويين» بالإضافة إلى ميري وكومار اللذين يديران هذا القصر ويتحكمان بكافة شؤونه المالية والإدارية وتربية الأطفال. أما الأم فتجدها مشغولة بصالوناتها النسائية أو طلعاتها اليومية وسفراتها التجارية، والأب ماله خلق أحد يتكلم معه بسبب خسارته في البورصة أو انشغاله باجتماعاته الصباحية والمسائية أو خروجه مع الربع إلى الشاليه أو المزرعة. وبالتالي نجد الضحية في كل هذا هم الأطفال الذين سيشبون على تربية ميري وكومار اللذين لا يحللان ولا يحرمان. هذا بالاضافة إلى إمكان تحرش ميري وكومار جنسيا بهؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولاقوة، ولا ذنب لهم سوى أنهم أتوا إلى هذه الدنيا لآباء وأمهات ماتت قلوبهم وألهتهم الدنيا بمغرياتها. ثانيا: حلوة اللبن والأنواط الخضر في آخر كلماته المؤثرة شدد صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمة الله عليه، على ضرورة تماسك وتلاحم الأسرة الكويتية الواحدة في سبيل الحفاظ على الوطن قويا وموحدا ومنيعا، وأكد سموه على أن تماسك الأسرة الكويتية هو طوق النجاة، وبهذا التلاحم سيستمر وجودنا ويزدهر حاضرنا ومستقبلنا. رحمة الله عليك يا بومبارك واسكنك الله فسيح جناته آمين. أين أنت يا بومبارك حتى ترى الحال التي وصلت اليه الأسرة الكويتية هذه الأيام؟ أين أنت حتى ترى الولد وهو يرمي أمه في الشارع، والبنت وهي تتأفف من وجود ابيها عندها في البيت؟ أين أنت لترى أعداد سكان دار المسنين والأسماء التي تقطن فيها؟ أين أنت لترى مدى طغيان المادة على النفوس وعلى علاقاتنا الأسرية والإجتماعية؟ للأسف أصبحت لغة «الأنواط» هي التي تحدد علاقاتنا هذه الأيام، وخاصة العلاقات الأسرية. فآخر ما توصلت إليه النفس البشرية الكويتية من جشع وطمع هذه الأيام، هو انه بمجرد وفاة عمود البيت (وأقصد الأب)، وبمجرد انتهاء العزاء، تجد الأبناء بعد أسبوع من الوفاة يعقدون اجتماعا سريعا لمناقشة كيفية بيع البيت، وأخذ كل واحد حصته من الورث، غير مكترثين بوجود أمهم (حلوة اللبن) التي ضحت بعمرها كله من أجلهم، لكن عند «الأنواط» تعمى العيون والقلوب. هذا غير الموشح الذي يسمعه هذا الولد من زوجته النسرة التي تحرضه على بيع البيت حتى يأخذ نصيبه، ويشتريان به بيتا خاصا بهما، أو تغريه بأن يضع فلوسه في البورصة حتى يصبح من أصحاب الملايين الذين أصبحوا أكثر من الهم على القلب هذه الأيام. هذا غير البنت والكلام الذي تسمعه من زوجها الذي تتغير معاملته لها 180 درجة بمجرد أن يعلم ان هناك نية لبيع البيت، وأن هناك «خردة» ستتسلمها زوجته، فيبدأ باسطوانة الغرام والهيام والتحريض على بيع البيت حتى يتمكنا من تحسين دخلهما أو شراء بيت، وغيرها من الأعذار التي سيقدمها هذا النسيب المحترم، وكل هذا وأمهم غير موجودة في قاموس تفكيرهم ولا وضعوا لها أي اعتبار. وبعد اتخاذ القرار المصيري من قبل الأبناء تأتي مرحلة إبلاغ الأم التي تتفاجأ بكلام وتفكير أولادها الذين تعبت سنينا وسنينا وهي تربي فيهم حتى تراهم رجالا ونساء يضرب فيهم المثل. لكن، ونضع ستين خطا تحت كلمة لكن، تضيع أحلام هذه بمجرد دخول أبنائها عليها وإبلاغها برغبتهم في بيع البيت. والأقبح من هذا كله أن هذه الأم عندما تتقدم بسؤال بسيط جدا لهؤلاء الجاحدين حول مصيرها، وأين ستذهب؟ تأتي الاجابة بكل وقاحة وسهولة: «يما انتي كل شهر تقعدين عند أحد فينا، يعني تقعدين عندي انا شهر وعند اختي شهر واختي الثانية شهر وراح تمشي الأمور ان شاء الله». وعندما تهم هذه الأم المسكينة التي لم تبرأ جراحها بعد من مصابها بفقدان عضيدها ورفيق دربها بثني هؤلاء الجاحدين عن هذا القرار، تواجهها عاصفة هوجاء من الأعذار الواهية السخيفة (مثل ويوهم) فيقول الولد: «أنا محتاج فلوس، أبي اشتري بيت، مرتي ملت وهي قاعدة في بيت إيجار». وتقول البنت: «زوجي يبي يجرب حظه بالبورصة وأبي ادخل عيالي مدارس خاصة». ويقول الولد الثالث : «الصراحه زوجتي تبي سيارة جديدة وشقة في مصر وانا مابي اخلي بخاطرها شي». وهنا يعقد لسان الأم ولا تستطيع التفوه بأي كلمة لأنها مصدومة بأبنائها. فها هم بعد ان كبرتهم وأوصلتهم إلى أعلى المراكز وكل واحد «يمشي على زنده التيس»، يفاوضونها على بيت عمرها وتشردها في الشارع ويطلبون منها بكل وقاحة بأن تقعد عند «النسيب» الذي يعتبر غريبا عنها، وكل ذلك في سبيل إرضاء الزوجة ومظاهر الحياة التافهة (اللي مثل ويوههم)... ولحماية هذه الأم المسكينة، أدعو كل رب أسرة لأن يقوم بتسجيل البيت باسم الزوجة بيعا وشراء حتى يضمن أن رفيقة دربه لن تتشرد في الشارع، ولن تصبح حملا ثقيلا على «النسيب»، ويضمن معاملة الأبناء لها بكل ود واحترام، وذلك لأنهم سيكونون مدركين أن كل شيء بيد الأم، فتستمر مراسم الولاء والطاعة المقدمة لها. ولا أقول غير حسبي الله ونعم الوكيل بكل ولد وبنت عاقين بأمهاتهم وآبائهم..