الاهرام 30/11/2008 مازالت موجة التفاؤل التي اجتاحت العالم بفوز أوباما, تلهب خيال السياسيين وغير السياسيين في العالم العربي وتثير لديهم الأمل بأن الإدارة الجديدة سوف تصنع التغيير الذي طال انتظاره بعد ثماني سنوات عجاف من الحروب والسياسات الفاشلة التي سدت أفق الرؤية لدي كثير من الشعوب. ومازال الكثيرون في بلادنا ينظرون الي شخصية الرئيس الأمريكي الجديد, بجذوره المختلطة : وخلفيته الثقافية المتنوعة التي جمعت بين الأمريكية والإفريقية والآسيوية, بين المسيحية والإسلامية, بين الأبيض والأسود.. وكأنه يعكس نوعا من التكامل بين الثقافات والأجناس, علي نحو يعيد لشعوب العالم بعض آمالها في العدالة والحرية والرخاء! ولكن الواقع يقول إن الأماني شيء وتحقيقها شيءآخر ولايمكن أن نعلق مصير العالم والإنسانية علي حكمة شخص واحد أو رئيس واحد مهما جمع حوله من المستشارين, فالتمنيات لا تتحقق إلا ببذل الجهد والمثابرة. ولن يحدث ذلك الا بعد أن تهبط الخيالات والمبالغات الي أرض الواقع. فالذين يعولون علي حكمة أوباما وذكائه واعتداله, لابد أن يقدموا لأنفسهم ما يحمل الآخرين علي التعامل معهم بما يستحقونه!! وهذا ما سارعت أوروبا الي الإعداد له, لبناء قاعدة من العلاقات التي لاتنفرد فيها واشنطن بالقرار, وجاءت الأزمة المالية في الوقت المناسب لتعيد توزيع الأدوار والمسئوليات ولإسقاط المقولة القديمة التي روج لها رامسفيلد عن أوروبا القديمة حين سمحت أمريكا لنفسها بالحرب في العراق وبنشر قواعد الصواريخ في التشيك وبولندا دون التشاور مع أوروبا. وبالنسبة لنا في العالم العربي, فنحن نجلس في انتظار من يدعونا أو يطرق بابنا لحل مشاكلنا. وكما هي عادتنا فسوف تسعي كل دولة عربية علي حدة. ودون تنسيق الي اقتناص الفرصة لتدعيم علاقتها مع الإدارة الجديدة واكتشاف الطريق الي أوباما والدائرة المحيطة به من المستشارين الجدد أو القدامي الذين ورثهم عن كلينتون. وبعد ثماني سنوات من المراوغة والمداورة مع إدارة بوش, التي خسرت فيها القضايا العربية اكثر مما خسرت في ظل أي إدارة سابقة, قد يصبح من الضروري في ظل إدارة أوباما الجديدة أن يتفق العرب علي موقف واضح محدد يسمعه أوباما ومستشاروه من كل دولة عربية علي حدة كما يسمعه منهم مجتمعين. وأخطر شيء يهدد الموقف العربي الآن هو تلك الانقسامات الفلسطينية والصراعات المتصاعدة بين فتح وحماس والتي لا يمكن تبرئة الدول العربية من مسئوليتها في العجز عن حلها وأحيانا في تفاقمها! لقد نجحت إدارة بوش بالتعاون مع إسرائيل في أحداث هذا الصراع العميق في القضية الفلسطينية.. وحين يذهب الرؤساء العرب للقاء أوباما أو هيلاري كلينتون, فقد لا يجدون أمامهم غير بوش وكوندوليزا!!