المصري اليوم: 23/ 10/ 2008 بدأت السحابة السوداء معنا في أكتوبر 99، ولاتزال تفاجئنا في كل عام، في الموعد نفسه، وبالطريقة نفسها، ولاتزال الحكومة عاجزة عن التعامل معها، علي مدي عشر سنوات متوالية! والشيء المثير للدهشة، أن سبب السحابة معروف، ومعلن، وهو أن الفلاحين يحرقون قش الأرز، في هذا الوقت، من كل سنة، بما يؤدي إلي دفع كميات هائلة من الدخان الأسود، في سماء العاصمة. وقد مل الناس من الشكوي منها، ومن خطرها البالغ علي الصحة العامة.. ففي أكتوبر، من كل سنة يتكرر الكلام ذاته، من جانب الحكومة، ويتكرر إحراق القش، وتستمر المخالفات والملاحقات للفلاحين، ثم لا تتوقف السحابة.. بل تزيد، وتخنق سكان القاهرة، وتجعل كل واحد منهم يحيا بشق الأنفس! والسؤال هو: إذا كان القش هو السبب فعلاً، فلماذا لا نتعامل معه علي نحو مباشر، ولماذا لا نتعامل مع الموضوع كله بصورة عملية تنقذ البلد، خصوصاً المقيمين في القاهرة، من هذا العبث، ومن الموت اختناقا؟! لماذا لم تفكر الحكومة في شراء قش الأرز، من الفلاحين، واستغلاله في تصنيع الورق، من خلال شركة «راكتا» وغيرها، فنكون قد حققنا هدفين، في وقت واحد: التخلص من القش، وتحويله من نقمة، إلي نعمة، أو ثروة، ثم إنقاذ الملايين من معاناة سنوية عبثية، لا يريد أحد أن تكون لديه الشجاعة الكافية في التصدي لها! لماذا لا يكلف رئيس الوزراء، وزير البيئة، مع غيره من الوزراء المعنيين بالأمر، بشراء القش من خلال الجمعيات الزراعية، وتوريده للشركات التي تتولي تصنيعه، فإذا حقق ربحاً كان ذلك أدعي إلي أن ترفع الحكومة سعر شرائه من الفلاحين، وإذا حقق خسارة كان علي الحكومة أن تتحملها، ليكون المقابل هو إنقاذ السياحة، وإنقاذ صحة المواطن، وإنقاذ سمعة البلد نفسه! مادامت النية سليمة، والنتيجة صفراً، فالمسألة في حاجة إلي حلول مبتكرة، فلم تعد الحلول التقليدية تنفع معها، وبقاء السحابة معنا، في مثل هذا التوقيت، من كل عام عار علينا، وإذا كان السائح يفضل دبي علي القاهرة، في مثل هذه اللحظة، فليس لأن دبي أفضل، وإنما لأن سماءنا مغطاة بالهباب، الذي يدعو إلي الفزع، ويصيب كل سائح يطل من طائرته مساء وهو قادم إلينا، بالهلع! وليس خافياً علي أحد أن القاهرة نفسها تسهم بجزء، لا بأس به، في تصنيع السحابة السوداء، من خلال سيارات التاكسي والميكروباص، التي تجري في شوارعها بالبنزين والسولار.. فلماذا لا تتحمل الدولة تكلفة تحويل هذه السيارات إلي العمل بالغاز، كما فعلت إيران، التي زادت علي ذلك خطوة أخري، بإعطاء كل صاحب سيارة يتحول إلي الغاز 500 دولار! اشتروا السحابة السوداء!