عبر من السيرة النبوية تحقيق: إيمان التوني إحياء ليالي رمضان بالاحتفال يختلف عن غيره من الليالي، فالابتهالات والمدائح النبوية هي ما تميز مظاهر الاحتفال عند الصوفية خلال شهر الصيام، حيث تحيي كل طريقة على حده ليلة من ليالي رمضان، في احتفالية كبيرة مفتوحة ليس فقط لمريدي الطريقة وإنما للناس كافة، وذلك بجوار مسجد الإمام الحسين - رضي الله عنه - ولا يقتصر الاحتفال على الابتهال بل يشمل أيضا تلاوة القرآن والذكر والتسبيح بشكل جماعي، إضافة إلى الخطب والوعظ الديني، مع استضافة كريمة من أبناء الطريقة لضيوفها بأطيب المشروبات المقدمة خالصة لوجه الله تعالى. كل شيخ وله طريقة وأوضح وكيل عموم الطرق الصوفية الشيخ مرتضى – وهو إمام وخطيب تابع لوزارة الأوقاف – أن أبناء الطريقة يحيون الاحتفال بأنفسهم حيث ينشدون ويتلون القرآن الكريم، مشيرا إلى أن لكل طريقة منهج في التربية وتوصيل المعلومة، وكذلك في الإنشاد، ضاربا المثل بالطريقة السعدية التي يغلب على أسلوب إنشادها وابتهالها الطابع الصعيدي لأن معظم أبنائها من صعيد مصر، بينما يتسم الجازولية في إنشادهم وابتهالهم بالطابع الحديث إلى حد ما، وكما يقول المثل الشهير "كل شيخ وله طريقة". الشيخ مرتضى وكيل عموم الطرق الصوفية وأكد الشيخ مرتضى أن الإقبال شديد على احتفالات الطرق الصوفية ولياليها الرمضانية التي تجذب الناس كبارا وصغارا، كما تتضاعف الأعداد وتزداد في ليلة السابع والعشرين من رمضان احتفالا بليلة القدر. من جانبه قال الدكتور أشرف الرزيقي وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية ونائب الطريقة السعدية إن المشيخة العامة للطرق الصوفية تنظم ليالي شهر رمضان بحيث تخصص ليلة محددة لكل طريقة من الطرق الشهيرة والمرتبة ومن بينها "الطريقة السعدية"، ويوم 14 رمضان من كل عام هو يوم محدد لاحتفال الطريقة السعدية الشيبانية - نسبة إلى سيدي سعد الدين الجباوي – وبهذا يظل الزمان ثابت وكذلك المكان عند الباب الأخضر لمسجد الإمام الحسين – رضي الله عنه - وأضاف أن عدد الطرق الصوفية كبير، ولكل طريقة منهجها لكنها جميعا تتفق في الجوهر وهو الدين الإسلامي، بينما يكون الاختلاف في الفروع، فهناك من يذكر الله بالبسملة ومن يذكره تعالى بقول لا إله إلا الله ومن يكثر في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الكل يصب في منهج واحد وهو "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وأوضح الرزيقي أن هناك احتفالات أخرى تقدمها المشيخة العامة للطرق الصوفية باشتراك جميع الطرق في 29 شعبان احتفالا برمضان، ويبدأ الاحتفال بموكب ينطلق من "سيدي صالح الجعفري" وينتهي عند "سيدنا الحسين". وهناك احتفال آخر في 12 ربيع الأول احتفاء بالمولد النبوي تشارك فيه الطرق الصوفية كافة ويبدأ بالموكب نفسه. د. أشرف الرزيقي وأكد أن احتفال الطرق الصوفية خلال شهر رمضان يكون دائما في هذا المكان – بجوار مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه - حيث تقدم كل طريقة ما عندها في الليلة المحددة لها من قبل المشيخة العامة. و يشمل الاحتفال الإنشاد، والابتهال، والوعظ الديني، والخطب، وقراءة القرآن الكريم، وتقدم بعض الطرق أيضا المدائح النبوية في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحابة، والأئمة الصالحين، مشيرا إلى أن لكل طريقة قصائدها التي ألفتها في حب الرسول والصحابة. عبر من السيرة النبوية ومع علو الهمة في العبادة والذكر، تشتد النفحات الإيمانية ويزيد التضرع والاجتهاد والإخلاص لله في الدعاء ما قد يصل عند البعض إلى حد الابتهال. وما أحلى الابتهال إلى الله عز وجل من صوت عذب يهز القلوب ويجذب للدعاء معه من لا يجيد ترتيب الدعاء. ومن بين من وهبهم الله القبول لدى مستمعيهم المبتهل الشيخ "محمود الحديوي"، الذي التف الناس حوله مصفقين له بحرارة ومشاركين معه في ابتهاله. الشيخ "محمود الحديوي" من محافظة سوهاج، وهو مبتهل الطرق الصوفية منذ 15 عاما، ويحيي ليالي رمضان وغيرها، ولا تقتصر ابتهالاته على طريقة بعينها، حيث يرى أن "كل من رسول الله ملتمسون" – على حد قوله، مضيفا أن الابتهال يختلف من طريقة إلى أخرى لكنه يشترك في كونه ابتهالا لله سبحانه وتعالى، ثم مديحا لسيدنا رسول الله، ثم ذكرا لآل البيت ومحاسنهم ومزاياهم. المبتهل الشيخ محمود الحديوي وعن مصدر كلمات الابتهالات التي يقدمها، أوضح الشيخ "محمود الحديوي" أن منها ما هو ارتجال في بعض الأحيان، ولكن معظم الابتهالات تنتمي إلى أشعار مأثورة - منها ما كتبها أولاد "الحسن الشاذلي" - وهي تواشيح وأشعار تتضمن العبر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أن بعض الابتهالات هي من أشعار شاعر الرسول حسان بن ثابت أو من أشعار الصحابي عبد الله بن رواحه. كما أوضح الحديوي الفرق بين الإنشاد والابتهال، فقال إن الأخير يكون بدون آلات موسيقية بينما تصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية، وأيضا الإنشاد يكون بقصيدة شعرية كاملة أما الابتهال فقد يكون عبارة عن مقطوعات قصيرة، مثل ما يبرع في تقديمه الشيخ "محمود الحديوي" من ذكر معجزة الصخرة المعلقة والانتقال منها إلى أوصاف النبي ومنها إلى الهجرة وهكذا، مؤكدا أن الابتهال يعتمد على التنوع في مخاطبة الناس من خلال أجزاء قصيرة، واصفا الشعر الصوفي بأنه السهل الممتنع، ولا يترك فراغا بين المبتهل والمستمع. وعن احترافه فن الابتهال، أكد "الحديوي" أن الابتهال عنده هواية أكثر منها مهنة. وقال إنه يمارس الابتهال منذ أن كان في العاشرة من عمره، مضيفا أن خاله كان منشدا في الستينيات، تعلم منه أخوه الأكبر واتجه للابتهال لكنه كان يهاب الوقوف أمام الناس، وهو ما دفع الشيخ "محمود الحديوي" للبحث والسعي عما يكسر حاجز الرهبة بينه وبين الجمهور، وهو ما وجده في شعر الصوفية فضلا عن القبول الذي حباه به الله، إلى أن أصبح مبتهلا له ما يميزه، حيث لا يقتصر على إحياء ليالي شهر رمضان فقط، وإنما أصبح "الحديوي" مطلوب على مدى العام، سواء لإحياء الليالي الموسمية مثل المولد النبوي ورأس السنة الهجرية، وأيضا لإحياء الأعراس والأفراح بابتهالاته العذبة.