دلالات حالة من الصمت المطبق والضبابية السياسية والإعلامية أصبحت تلف المشهد الجزائري هذه الأيام بقوة, تساؤلات عديدة بلا إجابات وحيرة وقلق وغموض علي مدي الساعة جميعها تتمحور حول قضية الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية وهل تجري في موعدها بداية العام المقبل من عدمه؟ فضلا عن قضية أخري متشابكة باتت تلح علي الجزائريين بقوة أيضا وتتعلق بقضية ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه لفترة رئاسية ثالثة بسبب حالة الغموض البين الذي يتعلق بهذا الأمر حتي الآن وإمكان حدوث مفاجآت اللحظة الأخيرة بإعلان الرئيس تراجعه عن خطوة تعديل الدستور أو الترشح لفترة ثالثة. بالمطلق بات لا أحد في الجزائر قط يعلم علم اليقين الجميع في حالة ترقب وانتظار لما ستسفر عنه مفاجأة بوتفليقة القادمة, هو وحده الذي يعلم ويقرر اختيار التوقيت للإعلان عن العديد من المفاجآت التي يترقبها الشارع الجزائري منذ أكثر من شهرين بشغف واهتمام بالغين, وبات يستعصي حتي علي أقرب المقربين لشخصه بمن فيهم عبدالعزيز بلخادم رئيس الحكومة السابق والأمين العام الحالي لحزب جبهة التحرير الحاكم الذي يترأسه بوتفليقة والذي قال عنه دوما أنه الأقرب إلي نفسه. وفي المقابل هناك تسريبات سياسية وإعلامية شبه يومية تخرج وتزج بها دوائر صنع القرار وتروج لها الصحافة الجزائرية في طاحونة الشائعات وإن كان بعضها يلامس الحقيقة وتصب جميعها في خانة أن الرئيس معتكف وغاضب ويعيد حساباته الشخصية والسياسية بشغف, وتسريبات أخري لا تجد من يتصدي لها ويعترض عليها أو حتي يوقف سريانها, وربما تنقلها قيادات حزبية مؤثرة ولها من الحضور والقوة في الشارع السياسي, فضلا عن بعض صحافة عرف عنها الجدية ونقل المعلومات الصحيحة الموثقة وتجاهر علانية هذه الأيام بات بوتفليقة لا ينوي الترشح من جديد وقرار تعديل الدستور ربما تم تأجيله إلي أجل غير مسمي, وربما يكون قد غذي كل ذلك ابتعاد الرئيس بوتفليقة بعض الوقت وعدم الظهور في وسائل الإعلام والتعاطي مع بعض الأنشطة السياسية قليلا في الفترة الماضية. فضلا عن جملة أخري من الأسباب وعدم البت صراحة في العديد من الانشغالات التي كانت تتعلق أصلا بشكل أساسي بجوهر حملة الانتخابات والترشيح من جديد لمنصب الرئيس كالتي دشن لها حزبه جبهة التحرير منذ بداية هذا العام والذي كان قد أعد سيناريو مفصلا لبدئها بالفعل في بعض الولايات ومناطق عديدة مؤثرة بالجزائر وبدأت حملة توقيعات مليونية لدفع ومطالبة بوتفليقة بالإعلان مبكرا عن خطوة الترشح وترسيم جولات ميدانية في عديد من مناطق الجزائر مثلما فعل في انتخابات الرئاسة التي خاضها في فترتي99 و2004. ولكن في المقابل بوتفليقة لم يتعاطي مع هذه الحملة ولم يعرها أدني اهتمام وبعد أن قطعت شوطا لا بأس به من الحركية والجماهيرية توقفت في الماضي القريب بعد المواقف السلبية منها وعدم الاكتراث من قبل الرئيس تجاهها الأمر الذي ألقي بكثير من ظلال الغموض والشكوك حتي هذه الساعة. ربما ربطها البعض بالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة وأنه مازالت هناك عوارض صحية مازالت تواجهه بالرغم من الجراحة وفترة النقاهة الطويلة التي قضاها في المستشفي العسكري بباريس, وبالتالي ربما تلقي تلك التداعيات الصحية خلالها علي قراره, ولكن بوتفليقة خرج علي الجزائريين وفي عديد المرات وحتي في حضور الصحافة الفرنسية التي كانت ترافق الرئيس ساركوزي في إحدي زياراته الأخيرة للجزائر وفاجأته بالسؤال عن حالته الصحية وخطورة الموقف وسط ذهول الجميع, ولكنه رد عليهم بقوة وحيوية صحية أنه لم يعد مريضا وأنه تجاوز أزمته الصحية بالكامل ولم تعد هناك مضاعفات ومخاوف صحية الآن وفي المستقبل بشأن أزمته الأخيرة. وبالفعل خرج بوتفليقة أكثر حيوية ونشاطا في جولات ميدانية لعديد الولايات المترامية الأطراف في جنوب وغرب وشرق الجزائر لم يجدن منها إلا محاولة اغتياله الفاشلة في مثل هذ التوقيت من العام الماضي. ناهيك عن حالة ثانية من الصمت والغموض وهي الأبرز حتي الآن وتتعلق برفض بوتفليقة البت بشكل صريح ومعلن سواء بالرفض أو القبول مع قرار تعديل الدستور منذ عامين وحتي الآن بعد مشروع الدستور الجديد الذي قدمه إليه حزب جبهة التحرير وبعد دراسات ومناقشات عديدة من قبل الرئيس ومستشاريه لأكثر من عام كامل وتمت بلورته في شكله النهائي وخرج رئيس الحكومة ومن بعده رئيس البرلمان عبدالعزيز زياري يزف البشري للجميع في الجزائر بأن قرار تعديل الدستور قريب جدا وخطوة ترشيح الرئيس خلال أيام وكان ذلك في بداية العام الحالي وانتظر العامة والفعاليات السياسية والحزبية أسابيع وشهورا طويلة دون أي إشارات سياسية أو رئاسية بحقيقة صدور قرار تعديل الدستور بالرغم من أنه في ضوء العديد من تأكيدات رئيس الحكومة في ذلك الوقت بلخادم يلبي كل الطموحات الرئاسية ويضمن فترة رئاسية مفتوحة لبوتفليقة بدلا من فترتين فقط كما ينص الدستور الحالي, فضلا عن تركيز القرارات والصلاحيات الرئاسية والسياسية بيده فقط دون مشاركة سياسية من رئيس الحكومة ومشاركة برلمانية كما في الدستور الحالي وإجراء تعديلات هيكلية في جسم النظام التنفيذي للدولة عبر إلغاءمنصب رئيس الحكومة واستحداث منصب وزير أول بدلا من رئيس الوزراء الذي سيكون بحكم وصلاحيات الدستور المرتقب بيد ورئاسة رئيس الجمهورية أيضا لضمان الجدية وتفعيل سياسات المحاسبة والمراقبة في الجزائر, وحتي الآن مازال مشروع الدستور وقرار التصديق الرئاسي عليه طي الكتمان والغموض اللامتناهي. اعترافات الرئيس : ولكن تبرز في نفس التوقيت في الأيام الماضية أيضا بعض الدلالات التي تصب في خانة إمكان رفض بوتفليقة الترشح وربما التراجع أو إعادة النظر في القبول بفترة رئاسية ثالثة والمثير أن بعض هذه الدلائل خرجت من بوتفليقة نفسه وصدرت علي لسانه بشكل غير مباشر في صورة اعتراضات صريحة ونادرة وربما حملت في طياتها رسالة سياسية للجزائريين أن خطوة وقرار ترشيحه لفترة جديدة ربما يكون فيها إعادة نظر وأن الأمر مازال بالفعل قيد البحث والدراسة الجدية من قبل شخصه في المقام الأول وتجلي ذلك في غضبه واعترافه بشكل علني في آخر خطاب سياسي له بالجزائر في الشهر قبل الماضي بفشل السياسة الاقتصادية التي اتبعها منذ وصوله إلي الحكم, وأن النظام الاقتصادي الذي كانت ولاتزال تسير فيه الجزائر حتي هذه اللحظة مازال يتعثر ويتخبط ولم يحقق أهدافه وأنه إذا كان يحمل الحكومات والوزراء وكبار المسئولين مسئولية ما حدث إلا أنه يتحمل المسئولية وهاجم مثل هذه السياسات بشدة وغضب لافت وفي حضور الجميع بل إنه حتي نال من بعض وزراء المجموعة الاقتصادية في سخط وغضب نادر, وبالتالي أثر كل ذلك علي مسيرة الجزائر وعطلها ولاشك قلل من فرص وتوقيتات الخروج من تداعيات الأزمة الأمنية التي تعيشها البلاد منذ18 عاما وجعل الوضع مازال يراوح مكانه حتي الآن رغم الجهود والأموال والإمكانات التي رصدت وانفقت وبلغت قرابة150 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة طبقا لبرنامجه التنموي الأخير في الجزائر والذي صاغه وأعلنه في حملة ترشيحه للرئاسيات عام2004. واعتبر البعض يومها اعتراف وغضب بوتفليقة وانتقاداته اللاذعة مؤشرا عمليا علي حسابات وخطوة غير معلنة ربما يكون اتخذها بوتفليقة بعدم الترشح وإمكان التراجع عن قرار تعديل الدستور أو البقاء مجددا في منصب الرئيس وسدة الحكم. دلالات إلا أن أبرز الدلالات التي تجاوزت كل الأسباب السابقة في إمكان بروز قرار بوتفليقه من عدمه بإعادة التفكير في الترشح لفترة ثالثة هي حالة الغضب والحزن الشديد التي انتابته خلال سلسلة التفجيرات الدموية الأخيرة التي وقعت في الجزائر وإعادة الجزائريين إلي سيرتهم الأولي عن فترة إرهاب التسعينيات ونقلت بعض وسائل الإعلام في الجزائر بعض تفاصيل وتسريبات حالة الغضب تلك من قبل الرئيس ورغبته في الاعتكاف لبعض الوقت ورفض تعليقه هذه المرة عليها. ويبقي القرار بيد الرئيس بوتفليقة وحده هذه الأيام فهل يقبل الاستمرار لتحقيق العنوان الأبرز لبرنامجه وهدفه الرئاسي منذ اللحظة الأولي المتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار في الجزائر خاصة أن الجميع مازالوا يراهنون أنه الأقدر وحده علي تحقيق هذا الهدف.