بالرغم من أن مشاهد الإرهاب وعملياته لم تنقطع في الجزائر طيلة الفترات الماضية, إلا أنها كانت دوما تصب في خانة العمليات الخجولة, والتي لا تقارن بإرهاب التسعينيات بالقطع, إلا أن سلسلة العمليات الأخيرة كانت الأشد فظاعة وفتكا وأعادت ذاكرة الجزائريين الي مجازر ومذابح التسعينيات, بلا شك نظرا لبشاعتها وكثرة أعداد ضحاياها والتي نالت بقوة من المدنيين هذه المرة, وبأعداد كثيرة, حيث كان أكثر من85 في المائة من ضحاياها من المدنيين وليس رجال الأمن والجيش كما تدعي أكاذيب بيانات القاعدة.وبرز ذلك جليا في التفجير الانتحاري المزدوج لمدرسة الدرك الوطني في منطقة يسر بولاية بومرداس والتي كان يصطف أمام بوابتها عشرات المئات من طلاب الجامعات, جاءوا إليها فجرآ حيث كانوا ينتظرون بزوغ صباح الثلاثاء الأسود ليقدموا أوراق التحاقهم بفرق وقوات الأمن لتأتي سيارات الانتحاريين المملوءة بأطنان المتفجرات لتمزق أجسادهم إربا, وتتطاير الأشلاء في الهواء, فتقتل نحو45 طالبا وأصيب عشرات الجرحي بالعاهات والاصابات القاتلة. ووصف ساعتها مشهد التفجير الانتحاري المزدوج هذا, بأنه الأكثر بشاعة منذ15 عاما في خريطة إرهاب الموت المتنقل في الجزائر, حيث كانت الصورة بشعة والمشاهد مرعبة, ونفس الحال لا يختلف كثيرا عن تفجيري البويرة شرق العاصمة ضد رجال الأمن والمدنيين بسيارات انتحاريين جدد لا يفصلها بلغة الزمن سوي ساعات معدودة, حيث يتكرر نفس المشهد والسيناريو في الحال, وكأن مشاهد إرهاب القاعدة تعيد نفسها بنفس الوتيرة والأحداث الدراماتيكية وأعداد الضحايا الكثر, وقبلهما بساعات قليلة كانت عملية قتل واغتيال من طرف القاعدة لنحو12 من رجال الأمن لتتكرر بعدها الاغتيالات والتفجيرات لتعود مشاهد الجنازات الجماعية تلف مدن وقري الشرق والغرب الجزائري, فتتجدد أحزان الجزائريين علي مدي الساعة وتأبي ضربات الارهاب أن تبرحهم منذ أكثر من18 عاما حتي الآن. والمثير في بشاعة ودموية التفجيرات الأخيرة, أن أشلاء الضحايا وبسبب كثرتهم اختلطت ببعضهم البعض وتناثرت في أماكن عديدة, حتي بات يتعذر علي قوات الأمن والسلطات الصحية تجميع أعداد الضحايا أو التوصل الي هوية أصحابها ولذلك اضطرت السلطات للاحتفاظ بأجزاء من الجثث لبعض الوقت حتي يتسني التعرف علي أصحابها, فضلا عن شدة التفجيرات وبشاعتها قد أدت الي احتراق جثث بالكامل, وبالتالي بات يتعذر الوصول الي أسماء أصحابها, فتأخر تسليم أعداد كبيرة لأهاليهم بعض الوقت مع الأخذ في الاعتبار الأزمات والمشكلات العديدة التي خلفتها دموية تلك التفجيرات للسلطات والأسر في وقت واحد, حتي أن قيادة القاعدة لم تتورع عن تسمية تلك المجازر بغزوة الثأر ردا علي العمليات الأمنية التي نفذتها القوات الجزائرية ضد قادتها وقتلت منها12 إرهابيا من الصف الأول في هيكل التنظيم داخل سيارتهم الخاصة في منطقة تيزي أوزو في عملية استخباراتية من الطراز الرفيع بعد أن فخخت سيارتهم بواسطة عملاء تم زرعهم داخل التنظيم نفسه. استعارة تفجيرات العراق وأمام تزايد وزخم التفجيرات الإرهابية الأخيرة بدا للسلطات الأمنية في الجزائر والخبراء المعنيين أن القاعدة أدخلت تكتيكات جماعية شاملة علي أسلوب عملها في الجزائر, وأنها استعارت بشكل كامل نفس أسلوب وطريقة نظيرتها القاعدة في العراق, سواء في الرصد وتحديد الأهداف أو هجمات التنفيذ حتي أن البعض ربط جازما بتراجع عمليات القاعدة في العراق بعد تضييق الخناق عليها لتنقل عملياتها بالكامل في الجزائر بتكليفات من أسامة بن لادن نفسه زعيم التنظيم الأم, في ضوء تسريبات أمير التنظيم في الجزائر أبومصعب عبدالودود الأخيرة لإحدي الصحف الأمريكية في حوار طويل وممتد وهو الأول من نوعه, الأمر الذي يثير الشك والريبة لدي السلطات الجزائرية نفسها قبل مواطنيها عن كيفية وصول تلك الصحيفة اليه والالتقاء به في مكان اقامته بجبال الجزائر, وهو المكان الذي يتعذر علي السلطات تحديده حتي الآن أو التوصل إليه أو معرفة الوصول اليه, لتخرج تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة دون اجابات حتي الساعة في الأوساط الجزائرية المعنية, وحتي لدي رجل الشارع عن علاقة قاعدة بلاد المغرب وقيادتها بالولايات المتحدة ولماذا استهدفت طيلة العامين الماضيين رعايا ودبلوماسيين أجانب من فرنسا وروسيا وأوروبيين دون مصالح ورعايا أمريكيين حتي الآن؟!. وباتت الغالبية في الجزائر علي قناعة حاليا بأن قاعدة بلاد المغرب تسعي حثيثا لنقل وتطبيق تجربة العنف المرير طيلة السنوات الخمس الماضية الي الجزائر حاليا, بدليل لجوئها الي تطبيق نفس تجربة قاعدة العراق من خطف واغتيالات وتفجيرات حتي في نوعية العمليات واختيار الأهداف بالتمام والكمال. وربما تتضح صورة هذه التكتيكات الأخيرة للقاعدة في الجزائر بتوسيع الدائرة هذه المرة واختيار عناصر أجنبية لتنفيذ تفجيراتها الأخيرة, كما حدث في تجنيد أحد القيادات وهو موريتاني ويدعي عبدالرحمن أبوزينب لتنفيذ هجمات ولاية البويرة وسارعت قيادة القاعدة بنفسها للكشف عن اسمه ونشر صورته بعد العملية مباشرة. وكانت تهدف من وراء ذلك الي ارسال رسالة سياسية الي السلطات في الجزائر بأنها لم تعد في حاجة الي الاستعانة بجزائريين لتنفيذ الهجمات الانتحارية طالما أنهم أشخاص أصبحت وجوههم معروفة لدي السلطات الأمنية وبالتالي سيجري الاعتماد من الآن فصاعدا علي العناصر الأجنبية غير المعروفة للسلطات الأمنية لتنفيذ تلك العمليات, الأمر الذي سيصعب من مهمة أجهزة الأمن الجزائرية في رصد وتحديد شخصيات هذه العناصر الأجنبية الجديدة وهي التي كانت قد تمكنت في العامين الماضيين من تجهيز وإعداد قوائم كاملة بأسماء الإرهابيين الانتحاريين من الجزائريين حتي أنها كانت كل يوم تقوم بإعداد قوائم بالأسماء والصور الخاصة بهم وتقوم بتعليقها علي جدران الأماكن العمومية في المدن والولايات وتطالب الأهالي بالانتباه والوقفة أمام صورهم دوما للإمساك بهم واتخاذ الحيطة والحذر, والابلاغ عنهم قبل تنفيذهم أي عمليات انتحارية, حيث إنه من كثرة عرض صورهم تصبح بالتالي مطبوعة في أذهان وعقول المواطنين. .. ولكن هل ستقبل السلطات الجزائرية بخسارة هذه الجولة المهمة حاليا في معركة الإرهاب الطويلة والممتدة, وتسمح لقاعدة بلاد المغرب بنقل تجربة قاعدة بلاد العراق الي الجزائر..؟! بالطبع لا.. فغالبية التأكيدات الصادرة عن صانعي القرار الأمني في الجزائر تشير بقناعة تلامس اليقين, الي أن استراتيجية المواجهة وتغيير العدة والعتاد مع القاعدة قد تغيرت بالكامل بعد مجازر القاعدة الأخيرة, وأن معركة الخلاص النهائية ربما تكون قبل نهاية هذا العام, وقبل بدء حملة التدشين للانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر, حيث ان الرئيس بوتفليقة والسلطات الأمنية والعسكرية لن تسمح أو تقبل بتدشين انتخابات رئاسية تحت وابل القصف والهجمات الانتحارية للقاعدة وإلا خسرت الدولة قرارها وسيادتها ومرشحها الذي سيكون الرئيس بوتفليقة ما لم تظهر مفاجآت العيار الثقيل في الدقائق الأخيرة, وتراجع بوتفليقة حسب تسريبات الصحف الجزائرية من حين لآخر, مستندة الي تأخره حتي الساعة في إعلان قرار ترشيحه أو تغيير الدستور من عدمه, وهو السر الذي لا يعرف أحد غير الرئيس بوتفليقة وحده توقيته وساعة إعلانه سواء بالترشيح أو التراجع والغياب نهائيا. ويبدو أن الجميع في الجزائر علي قناعة بأن الدولة ستكسب معركة المواجهة المقبلة بفضل الآلة العسكرية الجديدة التي أنفقت أكثر من عشرة مليارات في استيرادها في الفترة الماضية, وتراكمات الخبرة المكتسبة لدي قوات الأمن والجيش في مواجهة الارهاب ودحره علي مدي18 عاما حتي الآن لكن ما يحز في النفس الجزائرية حاليا هو صدور تقارير أمنية وعسكرية أمريكية وأوروبية علي مدي الساعة حاليا تصنف الجزائر بأنها أصبحت ثالث بؤرة للإرهاب في العالم بعد العراق وأفغانستان, ومن أسف تجد من يروج لها في بعض الصحف ووسائل الإعلام الجزائرية حاليا, فهل يصنف كل ذلك في إطار تصفية الحسابات الخارجية مع الجزائر أو صراع الأجنحة التي تدور دورتها كل عشر سنوات بالجزائر..؟