الأهرام: 18/8/2008 منذ قرابة ستة عشر عاما كتبت في نفس هذا المكان مقالا عن ذلك الفيروس الصغير المميت الذي أطل بوجهه القبيح علي عالمنا مع نهاية السبعينيات من القرن الماضي وقد حذرت فيه من أنه بنهاية القرن لن تكون هناك بقعة في هذه الأرض إلا ويوجد فيها مرض الايدز. وها نحن الآن في مطلع القرن الحادي والعشرين يصدمنا تقرير منظمة الصحة العالمية والذي صدر نهاية عام2006 والذي يقول أن هناك39,5 مليون من البشر مرضي بهذا الوباء الخطير. أما في مصر فإن عدد الحالات يزيد علي ثلاثة آلاف مريض مات قرابة نصفهم حتي الآن. ومن هذا نري أن هذا الفيروس اللعين مازال يحيط بالكرة الأرضية وأنه لم تعد هناك منطقة واحدة في مأمن من مخاطره. وفي العقد الأخير سلطت الأضواء علي الايدز الوليدي وهو الذي يصيب الأطفال حديثي الولادة, حيث ازدادت الإصابة به في شتي أنحاء العالم وأصبح ايدز الطفولة بوجه عام من أهم ما يشغل مراكز البحث العلمي. وفي90% من حالات ايدز الطفولة فإن الفيروس يصل إلي الطفل من الأم. ولعل أخطر ما في الموضوع هو أن الأم الحاملة للفيروس قد لا تعاني من أي أعراض تلفت النظر إلي احتمال اصابتها بالمرض وهنا يصل الفيروس إلي الجنين عبر المشيمة أو أثناء الولادة أو بعد الولادة أثناء رضاعة حديث الولادة لبن ثدي الأم المصابة, وهذه الحقيقة الأخيرة أصبحت تشكل إحدي الصعوبات البالغة في طريق تشجيع الرضاعة الطبيعية والتي ندعو إليها دوما. اننا نتطلع إلي امكانية إدراج التحليل لاكتشاف فيروس الإيدز في أي من الزوجين قبل حدوث الحمل إذا تبين اصابة أحدهما بالفيروس فإنه ينصح بتجنب حدوث الحمل حماية لصحة الأم من التدهور ووقاية لأطفال لم يخلقوا بعد من الإصابة بهذا المرض المميت. أما إذا كان الحمل قد حدث فعلا قبل أن يكتشف اصابة الأم بالفيروس فهناك نقاط عديدة لابد وأن تؤخذ في الاعتبار منها: الإناث المولودات أكثر استعدادا للإصابة من الذكور الذين غالبا ما يموتون قبل الولادة نتيجة عوامل معينة في كروموزوم الذكورة. تتم الولادة بعملية قيصرية لتفادي زيادة كمية الفيروس التي قد يتعرض لها الطفل أثناء الولادة الطبيعية. اعطاء الأم الحامل العلاج المضاد للفيروس قبل الولادة بشهرين وللطفل أثناء وبعد الولادة. و تفادي الرضاعة الطبيعية من أم مصابة بالفيروس لزيادة تركيز الفيروس في لبن الثدي وقلة العناصر المناعية المقاومة له في هذا اللبن. الطفل حديث الولادة من أم حاملة للفيروس يجب أن يخضع للتحاليل المعملية التي تكشف عن وجود أجسام مضادة في دمه من عدمه, فإذا وجدت هذه الأجسام فقد تكون منقولة له من أمه عبر المشيمة ولا تؤكد اصابته بالمرض إلا إذا استمرت في دم الطفل لمدة تزيد علي18 شهرا بعد الولادة. ونظم العلاج المتاحة حاليا وهي متعددة ومكلفة للغاية إلا أنها مع الأسف الشديد لا تقضي علي المرض. وغاية ما يحققه أي من هذه النظم أن يعوق تكاثر الفيروس ويعوق وصوله إلي الخلايا المناعية لتدميرها فيطيل عمر المريض لفترة متباينة في قصرها أو طولها ولكن النهاية المحتومة لا فكاك منها لأسباب كثيرة منها الدرن الرئوي والميكروبات الانتهازية والأمراض السرطانية والآثار الجانبية لنظم العلاج وقد تكون في منتهي الخطورة في بعض الأحيان. ومن هنا نتبين أن الوقاية من المرض هي السبيل الوحيد للنجاة. وأود أن أركز في هذا المجال علي عدة نقاط: (1) الرقابة المحكمة علي بنوك الدم لعمل التحاليل اللازمة للدم وكل مشتقاته للتأكد من نظافتها من الفيروس. (2) استعمال الحقن البلاستيك محكمة التغليف في تنفيذ جميع أنواع العلاج الحقني والتخلص الفوري من الحقن المستعملة بطريقة آمنة. (3) التركيز علي شبابنا من الجنسين وتوعيتهم بخطورة الممارسات الخاطئة والمحرمة والتي لا تتفق مع أخلاقنا ودياناتنا وتهدد في الوقت ذاته حياتنا. إن القيام بحملات توعية مستمرة تشارك فيها جميع أجهزة الإعلام ودور العبادة في المسجد والكنيسة والأحزاب السياسية والهيئات العلمية المختلفة تتضمن كل ما يحيط بهذا المرض من خطورة وطرق العدوي بكل صراحة ووضوح والتركيز علي المجتمعات المغلقة( مثل السجون وبعض الواحات المنعزلة) وكذلك المواطنون العاملون بالخارج أو الذين يتكرر سفرهم للخارج. إن رجال الدين يمكنهم بما يملكون من تأثير كبير علي المواطنين خاصة في أحيائنا الشعبية والعشوائيات أن يرفعوا مستوي الوعي والخوف من هذا المرض إلي حد كبير إن الحديث المباشر والصريح لا غني عنه ونحن نحارب مرضا لا شفاء منه وليس له إلا نهاية واحدة مؤكدة.