ستبقى احتياطيات الغاز الإيرانية الضخمة دون استغلال إلى حد كبير مادامت التوترات السياسية تبعد الشركات الغربية بينما تمنع العقوبات الأمريكيةإيران من الحصول على التكنولوجيا التي تحتاجها لتطويرها منفردة. وتهافتت شركات النفط الاوروبية والاسيوية على الاستثمار في صناعة الغاز في ايران وكان اغراء ثاني أكبر احتياطيات في العالم يقلل من تأثير الضغط الامريكي لابعاد الاستثمارات الخارجية. واستثمرت شركات مثل "توتال" و"رويال داتش شل" و"ريبسول الاسبانية" و"شتات اويل" النرويجية مليارات في قطاع الغاز والنفط في ايران متحدية تهديد الولاياتالمتحدة بفرض عقوبات. ولكن تصاعد حدة التوتر بشأن برنامج ايران النووي دفع الشركات الاوروبية لتنحية خطط مشروعات تصدير غاز طبيعي مسال بمليارات الدولارات جانبا رغم أنها مازالت تتوق لثروة ايران من الغاز. فعقب اجراء ايران اختبار اطلاق صواريخ طويلة المدى الاسبوع الثاني من يوليو 2008 أضحت "توتال" أحدث شركة أوروبية كبرى تؤجل خططها. وأكدت "توتال" الفرنسية أنها لن تنفق المزيد على مشروعات الغاز الايرانية في الوقت الحالي. ويقول صامويل كيزوك محلل الطاقة في الشرق الاوسط في جلوبل انسايت "لا يسع ايران الحصول على تكنولوجيا من الشركات الكبرى لاي من مشروعاتها للغاز الطبيعي المسال وستكتشف استحالة استيراد معدات وتطوير الخبرة بمفردها في ظل العقوبات الحالية." واضاف ان صغر عدد الشركات التي تمتلك خبرة في ادارة بناء مصانع تسييل يجعل مضي ايران قدما بمفردها أقرب الى المستحيل. ولم تصدر ايران بعد أي غاز طبيعي مسال ولكنها تقول انه سيكون بوسعها انتاج 77 مليون طن سنويا بحلول عام 2014 ، وهو أكثر من مثلي الكمية التي تنتجها قطر أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال بعد نحو عقدين من الاستثمارات الثابتة. ويقول محللون ان تأجيل الاستثمارات يعني أن ايران ستحقق انجازا اذا صدرت أي غاز طبيعي في غضون سبعة أعوام سواء بمساعدة أجنبية أو بدونها. ويزيد تصاعد المواجهة بشأن برنامج ايران النووي من مخاطر الاستثمار هناك، وتصر ايران على أن برنامجها النووي من أجل الطاقة بينما تقول الحكومات الغربية انه يهدف لانتاج أسلحة. وبدون مصانع لانتاج غاز طبيعي مسال يشحن في ناقلات للاسواق الخارجية لمن يعرض أعلى سعر يمكن لايران أن تضخ جزءا من الغاز لجيرانها من خلال خطوط انابيب ولكنها اسواق صغيرة مقارنة بالطلب العالمي الضخم على الغاز الطبيعي المسال. ويقول محللون ان مشروع خط الانابيب الضخم الوحيد الذي ينقل الغاز لباكستان والهند تعرقله مخاوف أمنية وخلافات حلول التسعير. وثمة شك في موافقة الاتحاد الاوروبي على اقتراح ايران بربطها بخط انابيب نابوكو الذي ينقل الغاز من اسيا الوسطى الى اوروبا. وبذلك يصبح طريق التصدير الضخم الوحيد الباقي لايران هو الغاز الطبيعي المسال ولكن من المستبعد ان تحصل على التكنولوجيا اللازمة لتبريد الغاز وتسييله ومعظمها امريكية حتى ترفع واشنطن العقوبات التي تحظر على الشركات الامريكية التعامل مع الجمهورية الاسلامية. وفي الاسبوع الثاني من يوليو 2008 صرح وزير النفط الايراني غلام حسين نوذري بان بلاده مستعدة لتطوير حقل غاز بارس الجنوبي الضخم دون "توتال" ولكن المحللين يشكون ان بوسع ايران ان تفعل اي شيء مادامت العقوبات الامريكية مستمرة. وقال نيال تريمبل المتخصص في شؤون الغاز في شركة انرجي كونتراكت في لندن "من الصعب ان تفعل ذلك ليس فقط لان معظم التكنولوجيا امريكية ولكن هناك ايضا المقاطعة." وتابع "يتوقف الى حد كبير على المقاطعة الامريكية. اذا ما قرر الايرانيون ان يتخذوا موقفا أكثر مهادنة تجاه الولاياتالمتحدة قد تقرر الولاياتالمتحدة رفع العقوبات. وتستمر اللعبة." وستعود شركات النفط الاوروبية العملاقة بمشروعات جديدة حين تهدأ التوترات. ويري تريمبل انها انتكاسة مؤقتة، وان الشركات ستعود بكل تأكيد اذا تغيرت الاوضاع في غضون عام أو اثنين، مشيرا الي انه لا يسعك أن تتجاهل احتياطيات بهذا الحجم. ويقول روس ميلان محلل الطاقة في الشرق الاوسط وافريقيا لدى وود ماكينزي "يشترون وقتا بالتحول الى مشروع اخر. مازالوا يريدون أن يكون لهم وجود هناك من أجل الغنيمة الكبرى." وفي الوقت ذاته ستحاول شركات متعطشة للطاقة التدخل ولكن الشكوك مازالت قائمة بشأن قدرتها على أداء المهمة فضلا عن مشكلة الحصول على المعدات الضرورية ومعظمها يصنع في الولاياتالمتحدة أو أوروبا. وتهتم شركة البترول البحري الوطنية الصينية التي تقود صناعة الغاز الطبيعي المسال الناشئة في الصين بتطوير مشروعات الغاز الطبيعي في حقل بارس الشمالي ولكنها لا تبدو راغبة أو قادرة على فعل ذلك دون شريك غربي. واكدت بتروناس ما اعلنته منذ فترة بشأن استمرار اهتمامها بالغاز الايراني ولكنها احجمت عن المضي قدما في الاستثمار. ولكنها ذكرت ان التصاعد الحاد في التكلفة يجعل من المستحيل اخذ قرار فوري ولم تربط قرارها بالتوترات السياسية كما فعلت توتال في الاسبوع الماضي. وقال حسن ماريكان الرئيس التنفيذي لبتروناس "مازلنا مهتمين بالعمل في ايران. قرأت اعلان توتال لكن بصفتنا بتروناس مازلنا مهتمين بايران." وأضاف "لكن فيما يتعلق بمشروع الغاز المسال ذاته حيث نتشارك مع توتال في كونسورتيوم فقد قلت من قبل انه لا يمكننا اتخاذ قرار نهائي فيما يتعلق بذلك المشروع بسبب ارتفاع التكاليف ولاننا لم نستكمل مناقشاتنا مع الايرانيين." (رويترز)