يدقق عشرات من العراقيين أسبوعيا في غرفة شبه مظلمة في مبنى الطب العدلي في بغداد، في صور ضحايا لم يبق من بعضها سوى الرؤوس أو الأشلاء، وذلك في محاولة للعثور على شقيق أو قريب خرج ولم يعد بسبب أعمال العنف، قتلت بحسب مصادر مستقلة 24 ألف عراقي خلال العام 2007 فقط. ومن خلال نظرات يملؤها الخوف إلى صور يبثها جهاز كمبيوتر، يبحث جميع الذين جاؤوا من مختلف مناطق العراق، بقومياته وطوائفه، عن علامة فارقة في الوجوه والأجساد لعلها تساعد في العثور على جثة مفقود من الأهل أو الأقارب. تقول فضيلة (48 عاما) التي تبحث عن ولدها بعد خروجها من الغرفة «لم أجد صورته بين الضحايا»، وفقد نجلها مصطفى بستان (27 عاما)، وهو أب لطفلين، بينما كان في طريقه إلى عمله في ديسمبر الماضي. وتواظب فضيلة التي تتحمل نفقات زوجة ابنها مصطفى وطفليه، على المجيء إلى الطب العدلي كل أسبوع آملة بالعثور على جثة ابنها أو ما تبقى منها. وتتابع «من المؤلم حقا اختفاء ابني خلال مرحلة شهدت انخفاضا في أعمال العنف في بغداد». وتضيف فضيلة «خلال تصاعد أعمال العنف، انتقلنا إلى مكان آخر في بغداد أكثر أمنا لكننا عدنا مع انخفاض وتيرة العنف (...) وبعد يوم من عودتنا اختفى ابني وأنا متأكدة من خطفه وقتله وما أريده الآن هو الجثة». وتشير احصائيات إلى مقتل أكثر من خمسمئة عراقي خلال شهر ديسمبر2007، فيما قتل خلال يناير من العام نفسه نحو ألفي شخص قضى معظمهم في أعمال عنف طائفية. وأعلنت مجموعة «ايراك بودي كاونت» المستقلة في تقرير نشرته في يناير الماضي، ان 24 ألف عراقي قضوا خلال العام 2007 بسبب أعمال العنف. وتوضح المجموعة أن أعداد القتلى المدنيين في العراق بين مارس 2003 والأول من يناير 2008 يتراوح بين 81 ألفا و88 ألفا. ورغم كل التقديرات المتفاوتة بشأن القتلى، لا تزال الأعداد الدقيقة للمفقودين موضع تساؤلات، إذ يقول بعض الباحثين ان عشرات الآلاف فقدوا منذ عام 2003. من جهته، يقول الطبيب منجد رضا علي مدير الطب العدلي في بغداد، ان «أكثر من ألفي جثة مجهولة الهوية تم دفنها في مقبرتي النجف وكربلاء». ويوضح «خلال تصاعد أعمال العنف كنا نحتفظ بالجثث لخمسة أيام فقط، بسبب وصول جثث أخرى وبشكل يومي». وأشار إلى أن «بعض الجثث كانت عبارة عن أشلاء مقطعة». وتستقبل مشرحة الطب العدلي مواطنين جاؤوا من مختلف مناطق البلاد للبحث عن جثث أقرباء لهم. وتقول رونق علي وهي في الثلاثينات من محافظة ديالى المضطربة (شمال شرق بغداد) «قطعت أكثر من سبعين كيلومترا للوصول إلى المشرحة للبحث عن شقيقي رانزي». وخطف رانزي (36 عاما) في أكتوبر 2007 على يد مسلحين نصبوا كمينا لحافلة على طريق بلدة الخالص (80 كيلومترا شمال شرق بغداد). ويؤكد مدير الطب العدلي «تلقي جثث ضحايا يسقطون جراء أعمال عنف أو يعثر عليهم ضمن مقابر جماعية من فترة النظام السابق». ويوضح أن دائرته «توثق صور الجثث أو الاشلاء للاحتفاظ بالصور بغية عرضها على الذين يبحثون عن ذويهم».