يقيناً ان تمتع الانسان بصحة جيدة من شأنه ان يطيل من سنوات عمره. وتحاول النصائح الطبية الكثيرة، التي تروج لها مراكز الصحة المختلفة، التركيز على وسائل عديدة من شأنها ان توفر العوامل المطلوبة للحفاظ على صحة الانسان ومن ثم اطالة عمره، ومن هذه الوسائل العناية الفائقة بالتغذية وممارسة التمارين الرياضية والحركة والتمتع بالهواء النقي والخروج الى الطبيعة. لكن الدراسات والبحوث العلمية الحديثة التي تجرى تباعا حول الموضوع تضيف العديد من الوسائل الاخرى لتلك الباقة من النصائح، اثبت العلم موضوعيتها في ضمان تقدم الانسان في العمر، منها معالجة الاجهاد والضغط النفسي والحياتي، الزواج الذي يوفر الراحة النفسية، توافر المتعة بانواعها، وكذلك ممارسة انواع من الهوايات المنشطة للعقل مثل تعلم اللغات او اختيار وسائل تمرين العقل او الدماغ كحل التقاطعات والفوازير التي تنشرها الصحف والمجلات، وغيرها من وسائل سنأتي على ذكرها. تجنّب الإجهاد والضغط النفسي ماذا تفعلون اذا قال لكم الطبيب على سبيل المثال: اذهبوا للتشمس قليلا، ومن ثم خذوا حماما بخاريا في «السونا» للاغتسال. يبدو هذا الامر غريبا بعض الشيء، وكذلك فان الكثير من المقالات والنصائح، التي تكتب او تقدم حول نماذج الصحة الحياتية المختلفة، تبدو من الوهلة الاولى وكأنها في بعض الاحيان عبارة عن نصائح غريبة الاطوار، ولا يوجد فيها ما يشجع الشخص المعني على الاعتقاد بصوابها. ان الكثير من العلماء اصبحوا متأكدين أن قليلا من الاجهاد او الضغوط وكذلك الاشعاعات او الحرارة او السموم الكيماوية ربما تكون في احيان معينة مفيدة، ويمكن ان تكون مفيدة لصحة الانسان اذا اخذت بكميات قليلة جدا، حيث تساعد الجسم على تجديد خلاياه والعودة بها الى الوراء. ويقول العلماء ان مثل هذه الفعالية التي تسمى عند المختصين ب Hormese تطيل حياة الانسان. وقد اكتشفت في الخمائر والذبابة المصفحة Oktomilek وبعض العناكب ودودة الارض، بل وفي بعض القوارض. وعملية ال Hormese هي عملية تحفيز الخلايا عند الكائنات المختلفة، فاذا كان لها مثل هذا المفعول عند الحيوانات، فلا بد من ان تكون مؤثرة ايضا في جسم الانسان. تنشيط الHormese ولكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن أن تجري هذه العملية؟ يبدو، حسب رأي العلماء، ان الحاوية المخصصة للعناصر المطلوبة في تجديد وتحفيز الخلايا والنشاط في جسم الانسان تبدأ عملها منذ البداية لتصحيح ومعالجة اي ضرر بنيوي يلحق بالجسم، وفي مقدمة المواد او العناصر التي تحويها هذه الحاوية او المحفظة هي البروتينات التي تعادل او تنظم تأثيرات الضربة الحرارية التي تحدثها اشعة الشمس، وكذلك انزيمات الحامض النووي DNA، حيث تقوم هذه المركبات بمعالجة الاضرار التي تلحق بالجسم جراء ذلك. ولدى العلماء اثبات غير مباشر بان الHormese في الواقع، لديه تأثير ايجابي على عمر الانسان، وقد تم اثبات ذلك من خلال الاختبارات التي اجريت بين الاعوام 1980 و1988 من قبل علماء جامعة يوهان هوبكنز في بالتيمور الاميركية. فقد تابع العلماء فحص 28 الف عامل، يعملون في المفاعلات النووية، وكانت اعمارهم محددة، ليتأكدوا من تأثيرات كمية الاشعاع القليلة على اصحتهم. وكانت النتيجة مذهلة بالنسبة للعلماء فقد وجدوا ان معدلات الموت بين هؤلاء العمال قد انخفضت الى 42 % قياسا الى معدلات الموت بين مجموعة اخرى تضم 32 الف عامل من عمال السفن في اعمار متشابهة. المتزوجون أكثر أمانا ان الطاقة الاكبر لاطالة العمر تتوافر من خلال «الرابطة الزوجية» او علاقات المحبة او العشق الوجداني، او العلاقات الاجتماعية الجيدة بشكل عام. في عام 1858 لاحظ مؤسس علم السكان البريطاني وليام فار، ان معدلات الموت بين الارامل من الرجال والنساء هي اكبر من معدلاتها بين الاشخاص المتزوجين، او المخطوبين او اصحاب العلاقات العاطفية الانسانية الناجحة. وهذه النتيجة قد تم التحقق منها ايضا بعد مرور وقت ما من خلال المزيد من الاختبارات الاحصائية التي اجريت على السكان، واثبتت ان الزواج يمكنه ان يضيف الى العمر سبع سنوات اخرى بالنسبة للرجال. وسنتين بالنسبة للنساء. وهذه الظاهرة الايجابية قد رافقت ايضا جميع اسباب الموت الاخرى التي خصعت للاختبار، مثل الموت الطبيعي في الكبد او الامراض الخطيرة او الانتحار او الحوادث الطارئة المميتة. فضلا عن ان الزواج والعلاقة الصلدة الحميمة بامكانها ان تعالج ايضا حالات التوعك والنفور، فعلى سبيل المثال توصلت ليندا ويت الباحثة في جامعة شيكاغو، الى ان الرجل الذي يعاني من خلل او مرض في القلب لديه فرصة اكبر للعيش لفترة اربع سنوات اضافية اذا كان متزوجا قياسا الى حالته هذه لو كان اعزب. وبالمقابل،. فان الرجل المتزوج الذي يدخن يوميا علبة كاملة من السجائر لديه فرصة الوصول الى عمر متقدم، قياسا الى الرجل الاعزب الذي يدخن القدر نفسه. تسلحوا بعلاقات قوية وتؤكد دراسة استغرقت ثلاثين عاماً، قام بها نيكولاس كريستاكيس، من المدرسة الطبية «هارفارد»، ان العلاقات الاجتماعية بصيغة «الارتباط» لها المفعول نفسه الذي لدى العلاقة الزوجية. فقد اختبر 10 آلاف شخص، وتوصل الى ان جميع انواع الارتباطات الاجتماعية الاخرى تمتلك الفعالية نفسها التي يمتلكها عنصر «الحياة الزوجية». وتشير الدراسة الى ان هذه العلاقات لا تتضمن فقط «الحياة الزوجية الجيدة» وانما ايضاً علاقات الصداقة والعائلة والجيرة والعمل والدراسة، وبصورة عامة مع كل من ترتاح اليهم وتحبهم، فكل انواع هذه العلاقات تعطي المزيد من مستلزمات اطالة العمر. كيف يحدث ذلك؟ تبدو مؤثرات العلاقة من مختلف الاصناف التي اشرنا اليها، مؤثرات مركبة لمجموعة العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وهي تؤدي الى توفير الامان الصحي عند الانسان، اضافة الى ما توفره من معلومات الاتصال الاجتماعي. فعلى سبيل المثال: يمكن لهذا الاتصال ان ينبه الدماغ لتطوير بنيته وتعزيز نظام مناعته ومناعة الجسم عموماً، الذي يقود الى تقوية عناصر الصحة الجسمانية وتقليل امكانية الاصابة بالعطل والخلل الجسماني، وبالتالي ينعكس على عمر الانسان اللاحق! ان الاشخاص الذين يتمتعون بعلاقات قوية وراسخة يتعاملون مع المحيط بايجابية وهدوء وبذلك يقللون من تأثيرات الضغط عليهم. ويقول نيكولاس كريستاكيس «اذا كان الناس مرتبطين باتصالات فيما بينهم بصورة جيدة، فان صحتهم هي الاخرى ستكون بصورة جيدة بسبب هذه الاتصالات». العادات والوراثة في الوقت الذي تكون فيه كمية الجرعة القليلة من الاشعاع او المواد السامة، عاملا ايجابيا بالنسبة لاطالة عمر الانسان في بعض الحالات، فان هنالك الكثير من البلدان في مختلف انحاء العالم يوجد فيها نحو 10 اشخاص من المعمرين او كبار السن الذين تبلغ اعمارهم نحو 100 او ما يزيد مقابل 100 ألف من السكان، ولكن الى الآن لم يستطع العلماء اكتشاف اسباب هذه الظاهرة بصورة متكاملة. ولكن حسب هؤلاء العلماء، فان التأثير الاكبر لهذه الظاهرة، هو البيئة الحياتية. فقد توصل القائمون على البحث الى ان الناس الذين يعيشون في محيط الاطراف او الاجزاء التابعة لمقاطعة كلاسكو، لديهم امكانية العيش لمدة 54 عاما فقط، وهي نسبة تساوي ثلاثة في العشرة من نسبة السكان الآخرين الذين يعيشون في مناطق المدن الغنية. وقد وجد العلماء ان هذه القضية تنقسم الى قسمين الاول يشير الى ان طول فترة الحياة يرتبط بشكل اساسي بتأثير العوامل الوراثية، اما الثاني، فيشير الى ان البيئة هي الوسيلة الاكبر في اطالة عمر الانسان. وقد قاد احد ممثلي الرأي الاول وهو توم بيرلس اختبارات اجراها حول كبار السن عبر جامعة بوستن، وتوصل بشكل اكيد الى ان العوامل الوراثية في العائلة تلعب دورا اساسيا في اطالة عمر الانسان. ويقول بهذ الصدد، ان اعضاء العائلة الواحدة لا يرثون «الجينات» فقط، وانما ايضا يرثون «العادات الحياتية والبيئة»، وحسب رأيه، فان هذه العوامل تشكل نحو 70% من عوامل اطالة العمر. والعوامل البيئية كما تنبغي الاشارة الى ان هؤلاء يعيشون في بيئة خاصة، هي البيئة المناسبة لتوفير العوامل الصحية التي يحتاجها الانسان في اطالة عمره، وبكلمة أخرى، يمكننا تأكيد ذلك في مكان آخر من العالم، فباستطاعتك الانتقال الى جزيرة اوكيناوا في اليابان، حيث ستشاهد هناك الكثير من الناس المعمرين الذين يعيشون في بيئة صحية مناسبة. ولكن اكثر العوامل التي تلعب دورا مهما في ذلك هي: «الأكل او الطعام والنشاط الجسماني والمؤثرات النفسيه والروحية واخيرا العلاقات الاجتماعية». لا تعيشوا من أجل الأكل في الفترة الراهنة تجري محاولات كثيرة لترويج دعايات استراتيجية لإطالة العمر من خلال الدعوة الى تحديد وتقليص فترات «الكلوري» او الطاقة، اي تحديد وتقليص كميات ومراحل تناول الاطعمة التي يحتاجها الجسم بصورة فعلية. وهذا التكتيك، قد اثبت جدواه من خلال البحوث التي اجريت على فئران المختبرات، حيث ساعد على اطالة اعمار 30% من هذه الفئران. واذا حاولنا تطبيق هذا الاختبار على الانسان، فإن الافتراضات تشير الى ان عمر الانسان لا بد ان يتعدى بعد ذلك المائة عام. لقد اثبتت التجارب ان الناس الذين يأكلون حوالي 25% اقل من الكمية التي يأكلها البعض الآخر، خلال شهر واحد، تكون في دمائهم كميات اقل من «الانسولين»، كما وتقل ايضا نسبة حرارة اجسامهم ومستويات الضرر في الحامض النووي DNA، وكل هذه المؤشرات تعتبر مقاييس عامة مرتبطة بطول عمر الانسان. ان النقطة الاساسية لتقييد الكالوري، من شأنها ان تخفض سرعة الايض او انتاج الامراض الخطيرة. الفاكهة.. ثم الفاكهة وارتباطا بذلك، فان وزارة الصحة البريطانية، دعت منذ عدة سنوات مواطنيها الى تناول خمس وجبات صغيرة من الفواكه يوميا. ففي هذه الوجبات، تؤجد كميات كافية من المواد المضادة للاكسدة مثل فيتامين (C) و (E) و«بيتاكاروتين» الذي يهاجم امراض السرطان. وحسب الاخبارات الاخيرة، يمكن لهذه المواد ان تطيل عمر الانسان الى نحو ثلاثة اعوام. وما عدا ذلك، فان الفواكه الطازجة والخضراوات الطرية تساعد في ابقاء الدماغ بكامل حيوته. واذا كان كل ذلك، لا يكفي لكي تقوموا بتغيير قائمة طعامكم فان الاختبارات التي اجريت على المعمرين اثبتت وبشكل قاطع ان طريقة الاكل تعتبر عاملا في غاية الاهمية بالنسبة لاطالة العمر. وفي الوقت نفسه، فان هذه الاختبارات اثبتت ايضا ان تناول كميات كبيرة من «الكالوري» والمأكولات الدهنية المختلفة هي من اكثر الاسباب التي تعجل في حدوث الموت. اضحك أرجوك على مر القرون، لم تغب النكتة أو المزاح عن أمزجة الناس عموماً، فقد كانت الابتسامة طوال عمر الإنسان تطرز محياه دون انقطاع. وكما يقول توم برلس، رئيس مركز البحوث في الأعمار المتقدمة في جامعة بوسطن: «إن هؤلاء الناس يثيرون العجب من قوة اندفاعهم في الحياة الاجتماعية واللهو والتسلية». ان القضية هنا ترتبط بطريقة رائعة في التخلص من قيود الضغط أو الاجهاد الحياتي، فحالما يهاجمك إجهاد بسيط حتى وان كان قليل التأثير، فإن غباره لابد أن يغمرك ويقلل بصورة أكيدة من فترة حياتك. ان أي طريقة إيجابية لتقليل الضغط ستؤدي إلى تقليل كمية هورمون «الكورتيزول» الذي يسبب هذا الجهد أو الضغط، ويوقف عمل نظام المناعة. ان فعالية ال «كورتيزول» تنتج في الحقيقة بفضل هورمون آخر يدعى ب DHEA، لكن مفعول هذا الهورمون يبدأ بالتصاعد في عمر الثلاثينات، ولكن في السبعينات، فإن نسبته لا تتعدى ال 20 % مما كان عليه في السابق. نشط دماغك النصيحة بخصوص إطالة العمر تبدو اكثر غرابة. ان كفاءة العقل في اعلى طاقاته تبدأ في سن ال 25 من خط الحياة، وتصل هذه الكفاءة الى قمتها بصورة متدرجة وتمر منذ ذلك العمر بثلاثة مفاصل هي: التفكير وكمية الخيال وحجم الذاكرة. وبعد استكمال هذه المفاصل يبدأ العد التنازلي مع مرور العمر، ولكن اولى ارهاصاتها تبدأ بتحسس «القدرة الجنسية» فكل اختبار حول هذا الموضوع يعزز مجالات أخري كتراكم الثقافة وتوطيد التعلم الجيد والبحث عن العمل اللائق مع التطلع الى مكانة اجتماعية متميزة، كل هذه الامور تحمي الناس من اثار الزمن وتوفر لهم ادوات الصيانة المؤكدة ضد الشيخوخة القادمة. يتحدث المتخصصون حول ما يعرف ب «الطاقة المتجددة»، ويعتقدون ان ارتفاع القدرة الذهنية يمكنها أن توفر إمكانية الاختيار بين الكثير من الاحتمالات أو الآفاق أو «الخطط المطروحة»، لكل مشكلة تحتاج إلى حل. وهذا يعني ان الحاجة تتطلب القيام بتمارين للعقل أو الدماغ بصورة أوتوماتيكية، ومنحها المزيد من الروح أو الحيوية، وهذه التمارين لا تقف عند عمر محدد، وربما تكون أكثر فائدة للمتقدمين في السن. لذلك فإن هذه التمارين الخاصة بتنشيط الدماغ، تتطلب قبل كل شيء تركيز الاهتمام للبحث عن الوسائل التي يستطيع المرء أن يشغل دماغه بها، مثل حل الكلمات المتقاطعة والأحاجي أو الانشغال بالقراءة أو تعلم لغة أجنبية أو عقد المزيد من العلاقات الاجتماعية أو مشاهدة الألعاب السحرية وألعاب التسلية التلفزيونية وغيرها. الاسترخاء والتأمل يمكنك ان تعمل الكثير من اجل تقليل نسبة الكورتيزول في الجسم من خلال ممارسة الرياضة او تعلم طريقة التنفس العميق او الاسترخاء الذهني والجسماني. ان قضية الاسترخاء تتعلق بطريقة بسيطة للغاية، حيث يجب عليك الجلوس في مكان مريح، ثم تغلق عينيك وتسترخي الى الدرجة التي تسمع فيها نبضات قلبك وتنفسك، واثناء كل ذلك حاول ان تتنفس بعمق مع ترديد كلمات مهدئة او ان تتصور سيناريو معينا، يؤثر في مشاعرك الحسية ويضفي عليك نوعا من الهدوء. هذه الطريقة تستخدم كتقنية تخصصية لمعالجة اشكال التوتر او الضغوط او ارتفاع مستويات الدم العالي او الارق وقلة النوم، ولكي يكون لهذا النشاط ثمة معنى، عليك ان تمارسه كل يوم في الفترة التي تناسبك. اضافة الى هذه التقنية، توجد تقنيات اخرى للاسترخاء افضلها على الاطلاق الضحك او الابتسام التي تنفع كبار السن بشكل خاص.