بمجموعة من التراتيل المقدسة، يبدأ المسيحيون احتفالهم بأحد الشعانين في جوٍ من الفرح والبهجة، مرتدين أجمل ماعندهم من لباس. يحمل السائر صبر الروح وبيده سعف النخيل، المشغول يدوياً بدقة وروعة لينتج (الشعنينة) المزينة بالورود، ومعها أغصان الزيتون والشموع، متجهين للمشاركة في القدّاس الاحتفالي الذي يقام في كنائس المملكة جميعها. يصادف أحد الشعانين أول أيام الأسبوع المقدس، من الزمن الأربعيني -زمن الصوم- وهو إحياء لذكرى آخر دخول للسيد المسيح عليه السلام ، إلى القدس في السنة 33م والذي كان بحد ذاته سبباً كافيّاً لدى تلاميذه ليحتفلوا به. ما يقام من احتفالات بأحد الشعانين كعيد يسبق عيد القيامة، هو أيضاً تخليد لمجموعة من الرموز الدينية السامية، فكلمة الشعانين هي كلمة آرامية الأصل من هوشعنا فََفَُّب وتعني: حمد وتمجيد لله..وهي صرخة فرح وابتهاج لتسبيح الله، ورمزية سعف النخل الابيض، دلالة على القلب الطاهر لدى المؤمنيين الأبرار في الارتفاع نحو العلاء والصفاء الروحي وفي العهد القديم ،منذ إنتصاراتِ ماكابيس- 143الى63 ق.م- وفروع النخلةَ ترمز للنصر والاستقلالِ. في الصباح الباكر يبارك رجال الدين، أغصان الزيتون رمز السلام والتي عادةً ماتحرق في نهاية القداس الاحتفالي ويحفظ رمادها ليستخدم في ''أربعاء الرماد'' لأول أربعينية عيد الفصح القادم اذ يقوم الكاهن، بمسح الرماد على رؤوس المصلين كعادة من الديانات القديمة ؛حين كان الناس يذرّون التراب على رؤوسهم عند الخطيئة بدافع التوبة إذلالاً للنفس وتقرباً لله. يطوف المصلون من نساءٍ ورجال وأطفال في ساحة الكنيسة أو في شوارع المدن، كما يحدث في العديد من المدن كالكرك ومأدبا والفحيص فهي بالإضافة إلى أنها أهم طقس تذكاري لدخول السيد المسيح إلى القدس و لها دلالة اجتماعية تعبر عن روح الإخاء والمحبة بين جميع الأديان والطوائف في الأردن وطن السلام، عندما يقوم المارة بإفساح المجال للكاهن والرعية بكل ارتياح وعن طيب خاطر ليطوفوا في الشوارع العامة محتفلين، في فلسطين يسير المصلون من بيت فاجي (بيت عينية) مروراً بجبل الزيتون الى وادي قدرون، دخولاً إلى كنيسة القديسة حنِّه في القدس القديمة وعلى الطريق ذاتها التي مشاها السيد المسيح قبل أكثر من ألفيتين ولكن تقوم كل طائفة بالاحتفال حسب تقويمها. تعود جذور الاحتفال بأحد الشعانين إلى القرون الميلادية الأولى حيث كان المسيحيون يجتمعون على جبل الزيتون وينزلون إلى مدينة القدس حاملين أغصان الزيتون وسعف النخيل مبشرين ببداية الأسبوع المقدس، وتذكر المراجع الدينية أن مريم العذراء أم يسوع المسيح ، أول من أطلقت هذه الطقوس بقدومها من آسيا الصغرى ومن أفسس تحديداً مع القديس يوحنا لزيارة الأماكن المقدسة حيث كان يطوف المسيح أرض فلسطين معلماً الجموع. وكان أن زارت القبر المقدس مخلدةً خطى دخول المسيح التاريخيه إلى القدس، والذي أصبح فيما بعد تقليداً يحتفل به المسيحيون بجميع أنحاء العالم. وعن أحد الشعانين في العصور الإسلامية القديمة يقول المؤرخ المسلم المقريزي عن الاحتفال بأحد الشعانين في العصر الفاطمي بمصر في كتابه الخطط: ''...كان القبط يخرجون من الكنيسة في مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد...''، صورة تعكس مدى متانة الرابط المسيحي الإسلامي على مر العصور. احتفلت الدول الغربية بأحد الشعانين في 16/3/2008 أي قبل خمسة أسابيع، ويعزى ذلك لاختلاف التقويم بين الكنيستين الشرقيةوالغربية، الكنيستان تتفقان على أن عيد الفصح يصادف يوم الأحد الواقع بعد اكتمال بدر أول الربيع أي بعد 21/3 من كل عام. الكنيسة الشرقية تتبع في تحديد أعيادها ''التقويم اليولي'' أما الغربية فتتبع'' التقويم الغريغوري'' أو ''اليولي المصحح'' ولأن في السنة الشمسية 13 يوم فرق بين التقويمين وفي القمرية فرق 4 أيام، يأتي الاختلاف بين مواعيد أعياد الكنيستين، عادةً أسبوع وأحياناً وكما حصل هذا العام خمسة أسابيع ومن الممكن أن يتصادفا معا. في الأردن ومنذ ستينيات القرن الماضي، كانت روح التسامح بين الطوائف أهم وأعمق من خلافات الأجندة، فحصل الاتفاق على أن يكون موعد عيد الفصح شرقيّاً وعيد الميلاد المجيد غربيّاً ولجميع الكنائس وهي ظاهرة تاريخية تُسجّل في الوفاق الطائفي حيث تخطت الطقوس إلى استلهام المعنى الديني والإنساني للعيد. من أين أتت فكرة التفنن في تنسيق الشعنينة؟ كان الأصل من مدينة ''ألكس'' في اسبانيا حيث تتواجد غابة كبيرة للنخيل وكان المصلون يحملون السعف في مسيرة احتفالية تعيد إحياء الرموز الدينية و المعاني الإنسانية لدخول المسيح إلى مدينة القدس، ولكي يتقوا حر الشمس كانوا يجدّلونها وينسقوها بأشكال جميلة هي المتعارف عليها في الوقت الحالي، ويبتهج الأطفال ويفرحون بأحد الشعانين متباهين فيما بينهم بجمال الشعنينة التي يحملون وبميزاتها وحجمها وورودها وتفردها. سرعان ما تخبوا فرحة الشعانين عند الدخول في أسبوع الآلام وما يرافقه من طقوس حزينة تجسد طريق الآلام الصعب التي سارها السيد المسيح . ..يأتي يوم العيد ، نحمل نخلة الحب ونسير إلى الحياة والجمال