تراجع الدولار امام اليورو وسلة من العملات منذ بداية العام 2008 بنسبة بلغت 6.2 %، وربما يؤدى الانخفاض المتواصل للدولار الامريكي الى زيادة المخاطر التي تواجه الاقتصاد الامريكي بما ينطوي على احتمال ان يتوقف المستثمرون العازفون عن المخاطر عن تمويل العجز في ميزان المعاملات الجارية الامريكي . ومع تباطؤ الاقتصاد وزيادة المخاوف بشأن استقرار النظام المالي الامريكي وتزايد الخسائر من جراء العجز عن سداد الالتزامات الائتمانية بدأت قيمة الاوراق المالية المقومة بالدولار تتراجع في عيون المستثمرين مما قلل الطلب على الدولار لتمويل مثل هذه الاستثمارات. فقد اتجهت بعض الدول بالعزوف عن استخدام الدولار فى معاملاتها مثل فنزويلا التى فتحت بعض العقود باليورو لحماية ايراداتها النفطية من تدهور العملة الامريكية. وصرح وزير النفط الفنزويلي رفاييل راميريز ان فنزويلا تتجه تدريجيا الى زيادة المدفوعات باليورو في بعض عقود النفط لحماية نفسها من ضعف الدولار. كما اتجه البعض الاخر الى فك ربط عملته بالدولار كالكويت التى الغت ربط عملتها بالدولار في مايو 2007 وربطت الدينار بسلة عملات معللة ذلك بان ضعف الدولار يزيد التضخم ويرفع تكاليف الواردات، ومنذ ذلك الحين ارتفعت قيمة عملتها بنسبة 8.54 %. ويقول محللون ان السبب المبدئي لهبوط الدولار في السنوات الاخيرة كان العجز الكبير في الانفاق والتجارة، ولم يكن القلق يساور سوى قلة قليلة مادامت التدفقات الاستثمارية على الاصول الامريكية المقومة بالدولار تغطي العجز. ويرى أومير ايزينر محلل الاسواق لدى رويش انترناشيونال في واشنطن انه من أسباب القلق الرئيسية هى الخوف من أن يصل هبوط الدولار الى نقطة يبدأ فيها المستثمرون الاجانب بيع معظم استثماراتهم وعندها سنواجه فعلا مشاكل تمويلية. ويقول خبراء أكاديميون في الاقتصاد ان العجز في الموازين الامريكية هو السبب الاساسي للمشاكل المتزايدة في الاقتصاد لانه يعكس ميل المستهلكين الامريكيين للانفاق بدلا من الادخار والاقتراض بلا أي قيود من الخارج لتمويل الانفاق. من جهتها صرحت وزارة التجارة الامريكية بان العجز في ميزان المعاملات الجارية انكمش الى 172.9 مليار دولار في الربع الاخير من العام الماضي من 117.4 مليار في الربع الثالث. وميزان المعاملات الجارية هو أوسع مقياس لتجارة الولاياتالمتحدة مع بقية العالم ويشمل التجارة السلعية والخدمات والتدفقات المالية. وانخفض مؤشر مجلس نيويورك للتجارة للدولار الامريكي والذي يقيس العملة الامريكية مقابل سلة من العملات بنسبة 8.4 % العام 2007 بعد تراجعه 8.2 % في العام 2006. وارتفع اجمالي الصادرات الامريكية بنسبة 15.6 % عام 2007 الى 636.55 مليار دولار وفقا لبيانات وزارة التجارة لكن اجمالي الواردات ارتفع أيضا بنسبة 8.8 % الى 781.44 مليار دولار. وصعد اليورو بنسبة 32 % مقابل الدولار منذ نهاية عام 2005 بينما انخفض الدولار بنسبة 15.4 % مقابل الين. وأظهر تقرير التجارة الدولية لشهر يناير كانون الثاني 2008 أن العجز بلغ 58.2 مليار دولار. لكن في علامة واضحة على ما قد يخبئه المستقبل أظهرت بيانات وزارة الخزانة الامريكية يوم الاثنين أن صافي التدفقات الرأسمالية الاجنبية الاجمالي الى الولاياتالمتحدة انخفض في يناير الى 37.4 مليار دولار ليسجل أدنى مستوى منذ أربعة أشهر مع تحاشي مستثمري القطاع الخاص للاصول الامريكية. ومما زاد من تعقيد المشاكل ان هبوط الدولار ساعد على رفع أسعار النفط الى مستوى قياسي أعلى من 111 دولارا للبرميل الامر الذي زاد الضغوط التضخمية في الوقت الذي عمد فيه مجلس الاحتياطي الى خفض الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي. وقال اندرو بيكوف كبير خبراء استراتيجيات الاستثمار لدى مايرز اسوشييتس "هي لعبة توازن خطرة. فحمل المستهلك على الخروج من حالة الكساد المزاجية أصعب كثيرا من الحيلولة دون وصوله لهذه الحالة، ومجلس الاحتياطي يعتقد أن ذلك يفوق خطر التضخم في الاجل القصير." لكن تقديم النمو على التضخم في الاجل القصير وخفض أسعار الفائدة يقلص أيضا جاذبية الاصول الامريكية ويزيد خطر أن يتوقف المستثمرون في مختلف أنحاء العالم عن تمويل العجز الامريكي، الا أن المستثمرين في سوق الصرف غير مستعدين حتى الان لاستبعاد الدولار تماما. وقال كيرت كارل كبير خبراء الاقتصاد الامريكي لدى شركة سويس ري لاعادة التأمين في نيويورك "يتعين أن نشهد قفزة هائلة في عوائد سندات الخزانة كمؤشر على أن هذا البلد قد يبدأ في مواجهة مشاكل تمويل والعوائد في الاساس تقول عكس ذلك." واضاف ان الاستثمارات الاجنبية الضخمة في الاصول الامريكية للاستثمارات طويلة الاجلة في أيدي مستثمرين لا يختفون بين عشية وضحاها. وبلغت عوائد سندات الخزانة قصيرة الاجل أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات في بادرة أخرى على أن الطلب على بعض الاصول الامريكية مازال مرتفعا.