اعتدنا فى بداية شهر ربيع أول من كل عام أن تبدأ احتفالات المصريون بالمولد النبوي الشريف حيث تُقام السرادقات حول المساجد الكبرى والميادين في جميع مدن مصر ويقصدها رواد المولد من مختلف قرى مصر والباعة الجائلين بجميع فئاتهم وألعاب التصويب وبائعي الحلوة والأطعمة وسيركا بدائيا يضم بعض الألعاب البهلوانية وركنا للمنشدين والمداحين، يمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم . وتعد "حلوى المولد" من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر عن غيره من كل البلدان العربية والتي تعود الى العصر الفاطمي في مصر؛ حيث تنتشر في جميع محال الحلوى السرادق التى تعرض فيها العديد من حلوى المولد على رأسها السمسمية والحمصية والجوزية والبسيمة والفولية والملبن المحشو بالمكسرات ويفرح الاولاد بالحصان والبنات بالعروسة. ولكن "المولد" هذا العام له طعم مختلف شعر به كل المصريين كبارا وصغارا . إذ يأتي المولد النبوى الشريف والشعب المصري يعاني من ارتفاع كبير في الاسعار بصورة لم يسبق لها مثيل إذ وصل سعر السكر الى اربعة جنيهات للكيلو الواحد والزيت الى عشرة جنيهات للتر. ومع هذه الزيادة الكبيرة في اسعار السلع الغذائية بكافة انواعها هذا العام كان لابد ان تتأثر اسواق بيع حلوى المولد لجميع شرائح المجتمع المصري على مختلف مستوياتها سواء كان فى محال باهظة الاسعار بالاحياء الراقية أو حتى في الشوادر البسيطة فى الحارات الشعبية. حلوى بالالاف لكن مع هذا الغلاء نجد بعضا من الناس تشتري حلوى المولد باسعار مرتفعة ليس بسبب شراء كميات كبيرة لكن لان العبوات والاسبتة التي تعبأ بها تستورد خصيصا من الخارج مما يعمل على رفع التكلفة مرة اخرى ففي بعض المحال في الاماكن الراقية مثل المهندسين ومدينة نصر ومصر الجديدة وفروع المحال الشهيرة يصل سعر سبت حلوى المولد الى ثلاثة الاف جنية واقل سعر للعلبة في مثل تلك المحال لا يقل عن مائتين جنيها وهي العلبة التي قال عنها مدير احد المحال "عبوة الفئة المتوسطة "! وعلى الرغم من ذلك يشتكي اصحاب تلك المحال والعاملون بها من غلاء الاسعار وقلة اقبال المواطنين على الشراء مقارنة بالعام الماضي في الوقت الذي يعتبرون ان ارتفاع اسعار حلواهم مبرر بالنسبة الى مستوى عملائهم. فقال محمد الطوخى مدير احد المحال فى المهندسين لموقع اخبار مصر egynews.net ان ثمن علبة المولد وصل الى اكثر من 1500 جنيه وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في الاسعار لكنه في الوقت نفسه يحاول الحفاظ على العميل لذلك لا يقوم برفع الاسعار بنفس نسبة الزيادة . واكد الطوخي ان سبب ارتفاع اسعار الحلوى يعود الى ارتفاع اسعار الموردين الذين رفعوها بدورهم بسبب زيادة اسعار مواد التصنيع. وقال "تبدأ الاسعار هذا العام من 200 او 250 جنيه العام الماضي كانت تبدأ من 150 وهذه هى العلب الفاخرة وكان يوجد علب بخمسين جنيها لمستويات اقل لكنها لا يوجد مثلها الان " وقال الطوخي ان العملاء كانوا يقومون بعمل طلبيات بشهر قبل موعد المولد النبوي لكن هذا العام لم يحدث ذلك . وتسآءل " الا يعرف الناس ميعاد المولد". خسارة كبيرة وقال علاء من احد المحال الكبرى الباهظة الاسعار ان الناس كانت تتوقع ان تزداد الاسعار قبيل رمضان الماضى لكن لم تحدث الزيادة آن ذاك. واكد على انخفاض نسبة الشراء عن مثيلتها في مثل هذا الوقت من العام الماضى حيث قلت المبيعات بنسبة 75 بالمائة عن العام الماضى. مما يدفعه الى إعادة معظم الحلوى التي الموردين واغلبها صناديق لم تفتح. وذكر ان في العام الماضي كان قد انتهى من بيع كل الحلوى التي لديه قبل اربعة ايام من المولد . والطبقة المتوسطة من الموظفين تعانى ايضا من الغلاء فى اسعار الحلوى اذ قالت مدام عزة صاحبة محل شهير بالدقى ان الاسعار زادت بصورة جنونية بما اثر على حركة البيع والشراء "بعنا العام الماضى 5 طن العام الحالى لم نبع حتى 3 طن". وقالت "إن اغلب عملائنا من الشركات والمؤسسات والمصانع التى تشتري عبوات ذات احجام مختلفة لتوزيعها على موظفيها والعاملين بها لكنها هذا العام الغت بعض هذة المؤسسات بند شراء حلوى المولد واكتفت بعضها بشراء الانواع الزهيدة الثمن فقط" . وذكر السيد محمد حسين صاحب احد المخابز والذى يقوم بتصنيع وبيع حلوى المولد ان نسبة الخسارة التي مني بها ليست بالكبيرة لانه لم يسعى الى رفع الاسعار عن العام الماضى فكونه هو المصنع والتاجر فى آن واحد اتاح له فرصة التحكم في اسعاره بشكل افضل لكنه مع ذلك اشتكى من ضعف حركة البيع وقلة الانتاج حيث كان يستهلك العام الماضى حوالي 10 طن سكر فى صنع حلوى المولد ولكنه هذا العام لم يستخدم سوى خمس اطنان من السكر فقط ولم يستطيع بيع حتى ربعها مع ان سعر الكيلو يبدأ من 16 جنيها فقط وليس لديه امل كبير ان ينجح فى بيع الباقى بحلول المولد لانها بعد ذلك سيتم التبرع بها لدور الايتام او اعدامها لذا في بعض الاحيان يحاول ان يبيعها باسعار العام الماضي مع اقتراب موعد المولد . ربع كيلو فقط حتى المحال في الاحياء الشعبية عانت من هذا الغلاء احمد على مدير احد المحال المنخفضة الاسعار في ميت عقبة ذكر ان اسعار الدقيق زادت بنسبة 100 % عن العام الماضي مما أثر على نسبة المبيعات والكمية كان الكيلو بتسعة جنيهات اصبح الان باثنى عشر جنيها واغلى علبة التي تحتوي على الانواع الفاخرة كانت تباع في العام الماضي بثمانين جنيها اما الان اصبحت بمائة جنيها. وقال ان الفولية والسمسمية والحمصية من اكثر الانواع التي يقبل عليها المواطنون واقل الانواع اللبندقية واللوزية. البائع سامي يفترش سرادق بسيط داخل حارة في احد الاحياء الشعبية ذكر انه كان يبيع العام الماضي افضل بكثير . حيث قل حجم المبيعات اكثر من 50% وبالتالي قل هامش الربح كثيرا. ارخص علبة كانت بثمانية جنيهات واغلى علبة فاخرة كانت ب ثمانين الان اصبحت ارخص علبة تبدأ من عشر جنيهات واغلى علبة فاخرة تصل الى مائة وعشرون جنيها. وقال "فى هذا الوقت من العام الماضي وصل عدد العمال الى 10 وكنا لا نلاحق على اعداد الناس لكن الان نحن اربعة فقط منهم اثنان اصحاب الشادر. بعنا العام الماضي اكثر من 4 طن من الحلوى هذا العام لم يتعد حجم المبيعات 2 طن ولم استطيع بيعهم حتى الان." واشتكت احدى المواطنات فى الحى الشعبى من زيادة الاسعار عموما واسعار حلوى المولد على التحديد وقالت "كنا ننتظر المولد حتى يفرح الاطفال بالحلوى لكن مع زيادة الاسعار لم استطع سوى شراء ربع كيلو بعد ان كنت اشترى كل عام اكثر من كيلو" الدومية الجديدة وقال الحاج مصطفى على مصطفى من اصحاب مصانع الحلويات الكبرى ان الصانع هو المضار الاكبر حيث انه لا يستطيع رفع اسعاره بنفس نسبة ارتفاع اسعار المواد الخام هذا العام حتى لا يفقد العميل واكد ان السوق يعاني من الركود الشديد إذ قل حجم مبيعاته بنسبة 40% عن العام الماضى والسبب يعود الى ارتفاع اسعار الخامات المكونة للحلوى والمنافسة الشديدة بين المصانع اذ تعمل بعض المصانع على خفض اسعارها على حساب جودة المنتج لكنه فى الوقت نفسه قال ان الحالة الاقتصادية لم تمنع الصانع المصري من استحداث نوع جديد من الحلوى كعادته كل عام حيث ابدع هذا العام "دومية بالسمسم" واخيرا المولد هذا العام ليس كعهد الناس به كل عام . الغلاء يحرم الاطفال من الاستمتاع به ويؤثر سلبا على حركة البيع مما يؤثر على دخل التجار والمصنعين على حد سواء. قرار محافظ الجيزة بمنع اقامة السرادقات والشوادر في الميادين العامة لم يؤثر كثيرا ولم يلقى اعتراضات متوقعة بسبب الغلاء الذي اوقف حركة البيع . ومع ان عروسة المولد التقليدية قد تعرضت لتحديات عديدة في السنوات الأخيرة؛ بسبب تحذيرات الأطباء من تأثيرها الضار على أسنان الأطفال وخطورة الأصباغ والألوان الصناعية المستخدمة في صنعها، وهو ما أدى إلى عزوف الآباء عن شرائها للأطفال، لكنها ظهرت في صورة عروسة بلاستيكية مزينة بالأقمشة الشفافة الملونة والمراوح الخلفية بأشكال وأحجام متعددة الا ان امتناع الاطفال عن شراءها هذا العام اصبح واضحا. فكثيرهم يطلبون "العروسة الحلاوة" التي قل صنعها . فهل تعود الى ارضها ؟ وهل يعود المواطن المصري للاحتفال بالمولد كعادته ليبعث فيه البهجة والفرح مثل كل عام.