أقر المؤتمر العام لحزب الوفد المعارض في مصر وثيقة المنطلقات والتوجهات السياسية للحزب التي عرضها رئيس الحزب محمود أباظة في مؤتمر سياسي أول أمس في مقر الحزب في القاهرة. وقال أباظة إن الوثيقة تهدف إلى تقديم نموذج للأداء السياسي الذي تنشده الأمة ومنهج متميز في معالجة الأزمة السياسية التي وصفها بأنها “خانقة” وتزداد استفحالا نتيجة فشل النظام السياسي في تطوير نفسه بما يتوافق مع التغيير العميق السريع الذي لحق بالمجتمع المصري في الثلاثين عاما الأخيرة. وتهدف الوثيقة حسب أباظة إلى إيجاد آليات جديدة للحركة تعتمد على رؤية إصلاحية واضحة، ليكون المجتمع قادرا على أداء دوره وتحويل إمكاناته الكامنة إلى قدرة سياسية فعلية ولفت إلى أن المصريين ينتظرون دورا من “الوفد” لا يقل أهمية عن دوره التاريخي في قيادته للنضال الوطني الديمقراطي من أجل الاستقلال والدستور الذي يفتح أمام المصريين طريقا للتغيير بعيدا عما وصفه بالخيارين اللذين يغلق كل منهما باب الأمل في المستقبل وهما استمرار التسلط والجمود أو المخاطرة بتغيير يصعد في ظله ممن قد تكون الديمقراطية لديهم وسيلة إلى حكم تسلطي، يعرض الوحدة الوطنية للخطر ويفتح الطريق إلى المقامرة بالمستقبل. وقال أباظة إنه لا سبيل لإنقاذ مصر إلا في طرح خيار ثالث ينجزه حزب الوفد من خلال ميراثه السياسي المؤمن بالحرية والعدالة والاستقلال كمنطلقات وتوجهات أساسية في عمله وبرنامجه السياسي. وجاء في الوثيقة إن الديمقراطية ليست شعارا، وإنما بناء متكامل له أسسه ومقوماته، وحزب الوفد يؤمن بأنها “وسيلة وهدف” في آن معا، فهي وسيلة لتحقيق أهداف الأمة في حياة أفضل في مختلف المجالات عبر مشاركتها الحرة في اختيار حكامها، ومساءلتهم ومحاسبتهم وتغييرهم، وفي تصحيح أخطائهم قبل أن تتراكم مع الزمن وتوجد مشكلات هيكلية تدفع عدة أجيال متوالية أثمانا فادحة لها، وهي هدف من حيث إنها تضمن مشاركة الأمة بشكل متواصل في إدارة شؤونها، وتحفظ لكل فرد من أفرادها حقوقه وتتيح له ممارسة حريته من دون قيود إلا ما يتوجب عليه من واجبات يحددها دستور تضعه الأمة ولا يفرض عليها ويمثل مرجعيتها الوحيدة، وقوانين تصدر عن مجلس تشريعي منتخب انتخاباً حراً نزيهاً، ومعبراً عن إرادة الأمة وسيادتها، باعتبارها المصدر الوحيد والأعلى للشرعية، ولفتت إلى أن حركة حزب الوفد وغيره من القوى الوطنية والديمقراطية في مصر هي الطريق الوحيد إلى النظام الديمقراطي من دون تدخل خارجي في هذا الشأن. وطالبت الوثيقة بإعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي ومن خلال مشاركة حرة، وإعمال مبدأ سيادة الأمة بوصفها المصدر الوحيد والأعلى للشرعية، وجعل التفويض الانتخابي الذي يحصل عليه الفائز أو الفائزون في الانتخابات العامة نسبيا وجزئياً، وليس مطلقا ولا شاملا، آخذا في الاعتبار التوافق الوطني العام. وشددت على أهمية ترسيخ مفهوم حقوق الأفراد في الواقع المصري، ليشمل ضمان الحق في التعبير عن الرأي وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في القضايا المتعلقة به، وكذلك الحق في الإبداع الفكري والأدبي والفني والبحث العلمي بمختلف ألوانه، ولفتت أيضا إلى أن ترسيخ مفهوم حقوق الفرد يقتضي استقلالا قضائيا حقيقيا بوصفه الحامي لحقوق الأفراد من الناحية القانونية، وبالتالي فإن استقلاله وحمايته من أي تدخل في شؤونه من السلطة التنفيذية أو غيرها أمر ضروري لضمان هذه الحقوق. وأكدت الوثيقة في محور الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية أن الإنسان لا يمكن أن يكون حرا في إبداء رأيه، وهو فاقد الحرية في نشاطه الاقتصادي والمهني، وانتقدت سياسة الخصخصة “العشوائية” التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة وتحويل القطاع العام إلى قطاع خاص، وشددت على ضرورة ضمان “الشفافية” في برنامج الخصخصة وأهمية مشاركة رؤوس الأموال الوطنية، فضلاً عن تحديد كيفية استخدام حصيلة الخصخصة في تطوير هيكل الاقتصاد وأدائه لدفع معدلات النمو، فضلاً عن حماية الفئات التي يمكن أن يضرها التحول الذي يقترن بالخصخصة وبلورة سياسة اجتماعية ملائمة. وأضافت الوثيقة في هذا الشأن أن حزب الوفد يؤكد الخصخصة التي ترتبط بإصلاح اقتصادي قابل للنجاح وسياسة اجتماعية وتطور ديمقراطي، غير أنه يقف ضد ما سمته “ابتذال الخصخصة” بهذه الطريقة وضد بيع مشروعات قائمة للأجانب. وفي محور محاربة الفقر شددت الوثيقة على أهمية إحداث سياسة اجتماعية جادة وعملية لأن الزيادة المستمرة في إعداد المهمشين يجعل انتشالهم من الفقر مستحيلا، ولفتت إلى تبني الحزب مشروعا قوميا لممارسة الفقر من خلال الاهتمام بالمناطق الريفية، لإعادة توزيع الثروة من جديد وإنقاذ الزراعة المصرية ورعاية العاملين بها. وأكدت في محور الاستقلال الوطني أهمية ضمان وصيانة الاستقلال الوطني من خلال سيادة الأمة واستقلال إرادتها داخلياً وخارجياً، والسعي إلى إحداث دولة قوية قادرة على مواجهة الضغوط الخارجية التي تنتقص من بناء الدولة وحماية مصالحها الوطنية والقومية من جهة، وتأكيد دولة الديمقراطية والحرية والمشاركة الشعبية من جهة أخرى، وإقامة سياسة خارجية متوازنة ومستقلة ونشطة تستعيد لمصر دورها الذي يحمي مصالحها ويساند الحقوق العربية.