يمكن لمتصفحي الإنترنت، هذه الأيام، أن يقعوا على الاعلان التالي منشوراً على الموقع الرسمي للقصور الفرنسية العائدة للدولة: «للبيع، عقار ومنزل للسكن يقع قريباً من قصر البابوات في مدينة أفينيون. كانا سجناً سابقاً ومسكناً لمدير السجن». ويلفت الاعلان النظر لعدة أسباب، أولها لأنه يتصدر قائمة العقارات الفخمة المعروضة للبيع، وثانيها لأن مواصفات العقار المذكور يندر أن تتكرر في سوق تداول المباني من هذا الحجم. فهو يقع في قلب مدينة أفينيون التي كانت مقراً لعدد من بابوات الكنيسة الكاثوليكية، ويمتد على مساحة 7 آلاف متر مربع من البناء المصنف صرحا تاريخيا والمشيد على ضفة نهر الرون. ومن المعروف أن هذه المباني المصنفة لا يجوز التلاعب بمعمارها أو إضافة أو تحوير أو تجديد أي جزء منها. ولا يجيز القانون سوى إجراء عمليات الصيانة لها، عند الحاجة، وهي أعمال تكلف الملايين وتعجز عنها الدولة، أحياناً، فتعمد الى بيعها للمستثمرين أو للمؤسسات الخاصة. صاحبة الاعلان، أي الجهة المالكة للعقار الذي كان سجناً، هي وزارة العدل الفرنسية. وهي لم تضع سوى شرط واحد لعملية البيع يلزم الشاري بأن يقوم بتحويل المبنى كله أو جزءا منه الى فندق فخم من صنف أربع نجوم لا يقل عدد حجراته عن 110 غرف. وتم تحديد الثالث والعشرين من ينايرالمقبل موعداً نهائياً لتلقي الطلبات. كان هذا السجن يعرف باسم «سانت آن»، وهو من أقدم مراكز الاحتجاز في فرنسا قبل أن يستبدل به سجن في منتهى الحداثة، نقل اليه المحتجزون. وتم تنظيف المبنى الحجري المهجور الذي كان في الأساس مستشفى للمجانين بدأ تشييده في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم أصابه البلى بحيث ما عاد يصلح لاستقبال السجناء. وكانت بلدية أفينيون، المدينة التي تشتهر بجسرها الحجري القديم ذي الأقواس الجميلة وبمهرجانها السنوي العالمي لمسرح الشارع، تضع عينها على المبنى، منذ إخلائه، لكي تشتريه وتجعل منه فندقاً من فنادق الدرجة الأُولى، يصلح لاستقبال كبار الفنانين والضيوف الذين يفدون الى المدينة أثناء مهرجانها الصيفي. لكن المبلغ الذي جرى تقديره لبيع المبنى كان يفوق قدرة البلدية على الدفع، حسبما صرح به لوكالة رويترز أحد المقربين من رئيسة بلدية أفينيون ماري جوزيه روا. وقد استقر التقدير على مبلغ 4 ملايين يورو (6 ملايين دولار). وهو رقم لا تقدر عليه سوى المجموعات الدولية المتخصصة في إدارة الفنادق الفخمة. ومقابل السعر الذي قد يبدو باهظاً لسجن حجري أكل عليه الدهر وشرب، سيحصل المشتري على مبنى تاريخي نادر يقع في بقعة فاتنة ويطل على منظر يسحر النزلاء ويجعل منه فندقاً لا يساويه أي فندق غيره. وللعلم، فإن عملية البيع هذه ليست سوى البداية. ففي خطة وزيرة العدل رشيدة داتي بيع عدد من السجون الأُخرى التي ما عادت تتناسب والشروط الانسانية لاحتجاز المحكومين. ومن المتوقع تنفيذ الخطة في غضون العامين المقبلين. ويكشف جان بيير فيس، مدير الوكالة العقارية المتعاونة مع وزارة العدل في أعمال الترميم، أن إدارة السجون الفرنسية في صدد التحضير لسلسلة من عمليات البيع، سواء لسجون مأهولة أو مهجورة. وحسب المعلومات المتسربة فإن 8 مراكز احتجاز كبرى في عموم فرنسا هي اليوم في طور التصفية، منها 3 سجون تقع في مدينة ليون وحدها. ومن شأن هذه العمليات أن تعود على خزينة الوزارة بعشرات الملايين من اليوروات.