تأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا التى بدأت اليوم ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين فى توقيت هام ومناسب , كما تكتسب أهمية خاصة , فى ظل الأحداث التى تمر بها المنطقة العربية حاليا , وفى ظل توقف تصدير أوروبا العديد من الحاصلات والسلع الزراعية لروسيا على إثر الأزمة الناشئة بينها وبين الاتحاد الاوروبى على خلفية الأزمة فى أوكرانيا , وقرار بوتين باستيراد هذه السلع من مصر المنطقة المتوسطة فيطرق التجارة العالمية, و مفتاح خريطة الأسواق العالمية في القارة الإفريقية والمنطقة العربية. علاقات التقارب الاستراتيجي مع روسيا من شأنها مساعدة مصر على فتح آفاق جديدة لتنويع علاقاتها الدولية , إذ تحمل تلك الزيارة دلالات إستراتيجية تؤكد مدى ثقل البلدين وقيادتهما ورغبتهما فى استعادة العلاقات التاريخية بينهما, تلك العلاقات الوطيدة ذات الجذور التاريخية , التى يمر عليها فى شهر أغسطس الحالى 66 عاما إلا أنها مرت بفترات شد وجذب على مدار الحقب التاريخية المختلفة , إلى أن وصلت لقمتها آواخر عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات, واليوم تجدد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا هذه العلاقات وتفتح صفحة جديدة للتعاون المثمر بين البلدين تستند على معطيات جديدة يفرضها المناخ الدولي الذى تغير تماما . تسعى روسيا الى إقامة علاقات إستراتيجية بعيدة المدى مع مصر بما يحقق لها عودة قوية لمنطقة الشرق الأوسط , حيث سبق أن عبر الرئيس بوتين عن ذلك قائلا "ان لدى روسيا ومصر آفاقا واعدة للتعاون في مشاريع ضخمة , معربا عن أمله فى أن يتمكن البلدان من التغلب على مرحلة الركود التي أثرت على حجم التبادل التجاري بينهما في العام الماضي, وأن يصل إلى مستويات جديدة عند 5 مليارات دولار سنويا, و ضرورة تفعيل كل آليات التعاون خاصة بعد الانتخابات الرئاسية في مصر وتشكيل حكومة جديدة". فيما يكمن الهدف الرئيسى من توثيق علاقات مصر بروسيا فى تحقيق توازن سياسى في علاقات مصر مع الدول الكبرى فى ظل الجمهورية الثالثة التى أعلن عن ميلادها مع ثورة 25 يناير 2011 الا إن العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو لن تكون بديلا عن العلاقات المصرية الأمريكية رغم التنافس الشديد غير المعلن القائم بين البيت الأبيض والكرملين للفوز بعلاقات استثنائية مع مصر ذات المكانة الاستراتيجية في منطقتها والعالم ولكن مصر تحاول تلافى تذبذب العلاقة بينها وبين امريكا صعودا وهبوطا رهن تطورات الأحداث وإصرار مصر على تنويع قاعدة علاقاتها الدولية وعدم وضع كل رصيدها الدولي في السهم الأمريكي . والعلاقات المصرية الروسية الاقتصادية يمكن ان تمثل علاقات هامة ومحورية في المستقبل كما كانت خلال فترات زمنية طويلة مضت , حيث أضحت روسيا دولة مهمة وعضوا فعالا في مجموعة البريكس "الصين, الهند, روسيا, و جنوب إفريقيا", وهي المجموعة التي تتحكم في أكثر من ثلث اقتصاد العالم. كما يمكن أن تساهم روسيا مساهمة ايجابية في المساعدة في حل الخلاف المقلق لمصر مع أثيوبيا حول سد النهضة نظرا لتأثير روسيا العالمي المتنامى ونفوذها في تلك المنطقة , وقد ايد الروس الرؤية المصرية بأهمية التنسيق المشترك بين كافة دول حوض النيل بهدف تنفيذ مسائل التنمية في ضوء احترام القانون الدولي الضابط لاستخدام الموارد النهرية. ويتوقع أن تؤمن العلاقات المصرية الروسية الجديدة احتياجات مصر من الطاقة والقمح حيث تعد روسيا أكبر دولة منتجة للغاز والبترول والقمح , بالإضافة إلى أنها تمتلك ثروة كبيرة للاستثمارات الخارجية; مما قد يساهم في زيادة الاستثمارات الروسية فى مصر خلال الفترة القادمة. والخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي كانت في أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي , . وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان من أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات - الستينات من القرن العشرين حيث كانت علاقة تبادل مصالح متميزة, إذ كانت مصر هي موطئ القدم لدخول الاتحاد السوفيتي للقارة الإفريقية وتواجده في منطقة الشرق الأوسط, وعندما خذل البنك الدولي مصر, ووقفت التوجهات الأمريكية حيال بناء السد العالي, ساندت روسيا مصر في بنائه, وكان لها تأثير ما زال واقفا صامدا رمزا للصداقة في منطقة السد العالي بأسوان . كما كان للاتحاد السوفيتي دور في إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية بعد نكسة 1967 حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان - الإسكندرية وتم إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية.