يطالب الساسة اليمينيون في إسرائيل بضرب حماس وتدمير بناها، وتؤيد أغلبية الإسرائيليين القضاء على حماس. ولكن هل يمكن لذلك أن يحسن الوضع الأمني في إسرائيل ويضمن الأمان؟ هذا ما يشكك المراقبون في جدواه. كومة من الأنقاض.. هذا ما تبقى من منزل رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق اسماعيل هنية. فقد قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل هنية في مخيم الشاطئ بقطاع غزة يوم الثلاثاء (29 يوليو)، لكن لم يصب هنية أو أي من أفراد عائلته بأذى، فقد غادروا المنزل قبل أيام تحسبا لاستهدافه، وهو ما حصل فعلا. ومن المرجح أن يكون كل قادة ومسؤولي حماس قد أخذوا احتياطاتهم واختبأوا في أمكنة آمنة. وقد علق هنية على استهداف منزله وهدم الأنفاق بالقول: "لن يكسروا إدارتنا من خلال تدمير الحجارة". وبالنسبة للمتشددين في الحكومة الإسرائيلية فلا يكفي كسر إرادة حماس، وإنما يجب القضاء على سلطتها بالكامل في قطاع غزة. ومن أبرز الداعين إلى ذلك في الحكومة وزيرا الخارجية افيجدور ليبرمان والاقتصاد نافتالي بينيت. أقرب الأصدقاء يحذر ولكن هناك في حزب الليكود، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء بينامين نتانياهو، أصوات كثيرة مؤيدة لهما، وكذلك أغلبية من الإسرائيليين أيضا تؤيد موقف ليبرمان والمتشددين. ففي أحد استطلاعات الرأي أيد 69 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع، تدمير حماس أولا ثم إنهاء الحرب، وفقط 7 بالمائة أيدوا وقفا فوريا لإطلاق النار. لكن موقف الحكومة الإسرائيلية تعرض للنقد من حليف، لا يتوقع المرء نقدا منه، ألا وهو مايكل فلين، رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، الذي حذر من تدمير حماس وجناحها العسكري (كتائب القسام) بقوله: "إذا انتهت حماس فيمكن أن يأتي ما هو أسوأ". إذ يمكن أن يظهر ما يشبه تنظيم داعش. موقف المسؤول الأمريكي يؤيده جيدو شتاينبرج، الباحث في معهد الدراسات الأمنية والسياسة في برلين، الذي يقول إن الجماعات الجهادية قد زادت شعبيتها خلال السنوات العشر الأخيرة في غزة. ويضيف أن حماس مازالت تسيطر على تلك الجماعات مثل القاعدة وجبهة النصرة وداعش وقد تم استيعاب قسم من هؤلاء في حماس، وبالتأكيد فإن هذه المجموعات ستستفيد من إضعاف حماس. ويشير شتاينبرج إلى أنه في ظل يأس وإحباط الناس وتدفق الأموال اللازمة سيزداد نفوذ المتطرفين بسرعة. "يمكن ألا تكون حماس الشريك المثالي للتفاوض.. ولكن لا يوجد شريك أفضل في قطاع غزة" يقول شتاينبرج، الذي يحمّل إسرائيل أيضا جزءا من المسؤولية عن ذلك بالقول: إن "الحكومات الإسرائيلية كانت تأمل دائما في كسب شريك مسالم أكثر في الجانب الفلسطيني، في حين أنها أضعفت الشريك الحالي. وهذا هو الخطأ الأساسي للسياسة الإسرائيلية خلال العقدين الماضيين". فإسرائيل تغاضت ولمدة طويلة عن توسع حماس ونمو نفوذها في قطاع غزة، والتي كان ينظر إليها كخصم لحركة فتح "العلمانية". وحين بدأت إسرائيل بمحاربة حماس كان الوقت قد تأخر جدا، وكانت حماس قد تمكنت من بسط سيطرتها على القطاع بالاستيلاء على السلطة وطرد حركة فتح من غزة. وفي هذا السياق يقول الباحث الألماني شتاينبرج، إن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، هي أضعف من أن تضبط حماس وقواتها وتسيطر على قطاع غزة. ما بعد الحرب مثل ما قبلها ويشير شتايبنرج إلى أن من لا يريد حماس عليه تشجيع حركة فتح وأن يعطيها شيئا ملموسا يمكن أن تقدمه للشعب الفلسطيني، الذي يجب أن يعرف مقابل ماذا يؤيد ويدعم فتح. وهذا ما لم يحصل مطلقا خلال الأعوام الأخيرة. وهذه هي المشكلة، وهذا ما يجعل حماس والجماعات الأخرى قوية. ومقارنة بالمتشددين، من أمثال وزير الخارجية ليبرمان ووزير الاقتصاد بينيت، يُعتبر رئيس الوزراء بينامين نتانياهو أقل اندفاعا، فهو يعرف أن نزع سلطة حماس وتدميرها لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حرب طويلة وإعادة احتلال قطاع غزة. وحرب طويلة تعني زيادة عدد الضحايا في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل. وبالتالي فإنه لا يمكن القضاء على حماس بشكل تام، ولكن الواقع، برأي شتاينبرج، يشير إلى أن إضعاف حماس قد يحدث لفترة ويتم خفض ترسانتها من الصواريخ، ولكن بعد عام أو عامين يمكن أن تندلع حرب أخرى في غزة.