عندما فجر معتقلان إسلاميان سابقان نفسيهما في العاصمة الجزائر خلال الأسبوع الماضي، مما أدى إلى مقتل 34 شخصاً على الأقل بمكاتب الأممالمتحدة في العاصمة، ومبنى حكومي، فإنهما على الأرجح نجحا في تحقيق جانب واحد من مهمتهما، تمثل في لفت الأنظار وجذب الانتباه. فقد شكل حادث تفجير الشاحنتين آخر ضربة نفذتها جماعة مقاتلة قديمة تحالفت مؤخراً مع شبكة ''أسامة بن لادن'' وغيرت اسمها إلى تنظيم ''القاعدة في المغرب الإسلامي''. وجاء الهجوم أيضاً بعدما بدا وكأن الحكومة الجزائرية شرعت في القضاء على عناصر التنظيم إثر قتلها واعتقالها لعدد من رموزه على مدار الأشهر السابقة، لكن في الوقت الذي كشفت فيه العمليتان التفجيريتان أن تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي''، والمعروف سابقاً ''بالجماعة السلفية للدعوة والقتال''، مازال يشكل تهديداً حقيقياً في الجزائر، يرى المراقبون من ناحيتهم أن فرع القاعدة في شمال أفريقيا لم يتمكن بعدُ من تحقيق أهدافه المسطرة والمتمثلة في تشكيل قوة ضاربة في المنطقة تتمكن في مرحلة لاحقة من استهداف أوروبا. في هذا السياق يقول ''هيو روبرتس'' -محلل مستقل ومتخصص في الشؤون السياسية لشمال أفريقيا-: إنه ''رغم ادعاءات التنظيم بأنه يغطي منطقة شمال أفريقيا بكاملها، إلا أنه لا يقوم بعملياته في سوى الجزائر، أما الخطر على أوروبا فهو مبالغ فيه''. ويعتبر الهجوم الذي نفذ على مكاتب الأممالمتحدة في الجزائر الأكثر دموية منذ الهجوم الذي تعرض له مقرها في بغداد عام 2003 والذي دفع بالمنظمة إلى مغادرة العراق. لكن المحلل ''هيو روبرتس'' يقول: إنه خلافاً للدور الذي كانت الأممالمتحدة تتهيأ للعبه في العراق، لا تملك في الجزائر أي دور في سياستها الداخلية. وقد استهدف الانفجاران المفوضية العليا للاجئين، بالإضافة إلى مكتب برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ويضيف ''روبرتس'' قائلاً: ''لقد نفذ الهجوم ضد أهداف رخوة، الهدف الأساسي من ورائه هو لفت الانتباه الدولي''. أما التفجير الذي استهدف المبنى الحكومي في العاصمة، فيقول ''روبرتس'': إنه جاء ''ليعلن أن الهدف هو زعزعة استقرار النظام الجزائري''. وبالرغم من أن هجمات انتحارية مماثلة سبق أن نفذها تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' بالعاصمة الجزائر خلال شهر أبريل الماضي، فضلاً عن سلسلة من عمليات إطلاق النار والتفجيرات الأخرى، إلا أنه لم يستطع بعدُ تكريس نفسه كخطر حقيقي يهدد الحكومة الجزائرية، أو أنه قادر على إشعال تمرد آخر عنيف على غرار ما شهدته البلاد في التسعينات. وبالنسبة للمحلل المتخصص في محاربة الإرهاب ''إيفان كوهلمان'' والمتابع للجماعات الإسلامية في الجزائر، فإنه يرى أن العملية الأخيرة تدل على مدى ''الإحباط'' الذي وصل إليه التنظيم بعدما فشل في إطلاق حرب عصابات شاملة ضد الحكومة. ويتساءل الخبير في شؤون الإرهاب قائلاً: ''هل نحن بصدد استيقاظ جديد للإرهاب في الجزائر؟ أشك في ذلك، إن ما نحن بصدد رؤيته هو محاولة التنظيم الجهادي التلويح للعالم من خلال عملياته عله يستنسخ النجاح النسبي الذي أحرزه ''أبو مصعب الزرقاوي'' في العراق''. ويتابع ''هيو روبرتس'' أن الهجمات الكبرى التي استهدفت الأجانب في الجزائر كانت جزءاً من الاستراتيجية التي اعتمدها التنظيم السابق المسمى ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' والمسؤول عن أسوأ العمليات الإرهابية التي شهدتها الجزائر خلال ''العقد الأسود'' من خلال الحرب الطاحنة بين الحكومة والمقاتلين الإسلاميين في التسعينات. فقد عمدت ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' خلال تلك المرحلة المريرة من التاريخ الجزائري، إلى استهداف الأجانب وإجبارهم على الهرب لإضعاف الحكومة الجزائرية وعزلها دولياً، ومازال بعض أفراد الجماعة ناشطين تحت لواء ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي''. ويقول ''روبرتس'' في هذا الصدد: ''لا أعتقد أن ما جرى هو جزء من الجهاد العالمي، إنه مرتبط بالرغبة في زعزعة استقرار النظام في الجزائر''. لكن باستهدافها المدنيين يجازف التنظيم بتنفير باقي المقاتلين الإسلاميين ومواجهة نفس مصير ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' التي سبق ''لأسامة بن لادن'' أن انتقدها لارتكابها مجازر فظيعة ضد المدنيين، كما انتقد ''القاعدة'' في العراق لأسلوبها العنيف الذي أدى إلى انقلاب القبائل العراقية ضدها. ويؤكد هذا الطرح ''إيفان كوهلمان'' بقوله: ''إن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يخاطر بفقدان جزء كبير من مؤيديه في أوساط المعارضين الإسلاميين الذين قد يعارضون النظام الجزائري وقواته المسلحة، لكنهم منزعجون من فكرة قتل موظفين أبرياء يعملون مع الأممالمتحدة دون سبب واضح''. ويشار إلى أن الحكومة الجزائرية عرضت في أكثر من مناسبة العفو على المقاتلين الإسلاميين السابقين الذين شاركوا في أحداث التسعينات، وهو ما أدى إلى تسليم الآلاف من المقاتلين أنفسهم للسلطات الأمنية وسط انتقادات شديدة من عائلات الضحايا.