توصلت كلا من حماس وفتح مرة أخرى إلى اتفاق للتغلب على انفصالهما، و كان ابرز بنود الاتفاق هو تشكيل حكومة وحدة في غضون خمسة أسابيع واجراء انتخابات عامة بحلول ديسمبر المقبل. وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن اتفاق الوحدة الذي تم التوصل إليه هذه المرة في غزة سيكون الأكثر مصداقية، أو انه يحمل فى طيه فرصة أفضل للتنفيذ، من اتفاقيات الوحدة السابقة التى فشلت بين الطرفين و تم صياغتها في القاهرة والدوحة على مدار السنوات السابقة . اللافت للنظر ان القضايا الأساسية التي فرقت بين الفصيليين الفلسطينين ما تزال قائمة: فحماس مهتمة بأجندة إسلامية في حين تعارضها فتح ، وتعارض حماس حل السلام القائم على دولتين لانهاء الصراع مع إسرائيل بينما تدعمه فتح بقوة . علاوة على ذلك، حماس غير مستعدة للتخلي عن السيطرة على قطاع غزة، وحركة فتح ليس لديها مصلحة في تقاسم الضفة الغربية مع خصمها السياسي . لماذا المصالحة الوطنية الفلسطينية الان ؟ ان كلا من فتح وحماس لها مصلحة الآن في إظهار الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة، حتى لو لم يتمكنوا من تنفيذ هذا الاتفاق ابدا. ففكرة الوحدة ذات شعبية واسعة جدا بين الجمهور الفلسطيني فى الداخل بالضقة و غزة و فى الخارج بين فلسطينى ما يطلق عليهم " الشتات " فقد ادت الكوارث التى تلت اخر انتخابات فلسطينة اجريت فى عام 2006 الى تآكل كبير فى شعبية و شرعية كلا من المنظمتين . فالانفصال و الانقسام الذى حدث عزز صورة شعبية عن فتح وحماس بأنهما أكثر اهتماما بالسلطة وفوائدها من اهتمامهم بمصير و حياة و مستقبل الفلسطينيون كشعب تخدمهم مثل هذه الحكومة . مصالح حماس حماس مهتمة بهذا الاتفاق و هذه المصالحة الان اكثر من اى وقت مضى ، والتى تاتى فى وقت عصيب من اوقات الحصار المستمر منذ سنوات طويلة و الذى انهك حماس و سكان غزة ، و لكن منذ يوليو الماضى و الحصار قد اخذ منحى مختلف و شديد الوعورة حيث شهدت العلاقات المصرية مع حماس فتور شديد بعد اسقاط نظام الاخوان المسلمين الحاكم فى مصر ، فوصل الحصار والضغط الشديد من جانب مصر على قطاع غزة لدرجة لم يسبق له مثيل من قبل . مصالح فتح و السؤال هو لماذا قد يرغب محمود عباس ( ابو مازن ) على تقاسم السلطة مع منافسه السياسى فى مثل هذا الوقت الذى تعد فيه الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط في موقف دفاعي؟!! . لماذا سيوافق "عباس" على التعرض لمخاطر تنفير حلفائه العرب فى المنطقه و الذين يريد و يسعى بعضهم لتدمير جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها مثل حماس؟ لعباس مصلحة كبرى فى التحدث إلى حماس عن الوحدة الان على الرغم من كونها خطوة تكتيكية غير جذابة بالنسبة للكثيرين و بما فى ذلك اسرائيل و الولاياتالمتحدةالامريكية ، لكن كون هذه القضية شعبية و كونها تمثل تركيز على السياسة الداخلية في الوقت الراهن يجعلها وسيلة تشتيت للانتباه عن نتائج مفاوضات السلام الفاشلة مع اسرائيل التي من المحتمل أن تنهار في نهاية هذا الشهر. ويعلم عباس أن التحرك إلى الأمام عبر نية التماس مزيد من الاعتراف الدولي لفلسطين في حال فشل جهود السلام يمكن أن يكون مؤلما له وللشعب الفلسطيني . فمن المرجح أن تتخذ إسرائيل إجراءات عقابية على أرض الواقع، والعديد من الجهات الدولية المانحة ربما تحجب المساعدة المالية وكذلك الدعم السياسي للسلطة الفلسطينية. وبمتابعة محادثات الوحدة مع حماس يمكنه الإرتكاز على السياسة الفلسطينية الداخلية و تطبيق جدول أعمال محلي بعيدا عن العنصر الدولي. اما اذا فشلت حماس في وقت لاحق على تنفيذ شروط عباس للوحدة أو رفضت السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية باستعادة السيطرة على قطاع غزة، هنا سيمكن للرئيس الفلسطيني ان يلوم حماس لإحباط جهود المصالحة الوطنية واجراء الانتخابات الفلسطينية. كذلك هناك من يرى ان ابو مازن يستغل في الوقت نفسه، ورقة حماس ، لتحقيق مزيد من الضغدط على اسرائيل لتقديم تنازلات في مسالة المفاوضات حتى يمكن لعباس القبول بتمديدها بعد الموعد النهائي المحدد سلفا بتاريخ 29 ابريل اى بعد عدة ايام قلائل فقط . وعباس يعتقد أن نتنياهو سوف يسعى لابقاء ي الفلسطينيين بالمفاوضات و منعهم من التحرك إلى موقف الرفض في ظل غياب محادثات السلام. لكن إذا كان هذا هو قصد "عباس"، فمن المرجح أن يأتي بنتائج عكسية. فبدلا من دفع الإسرائيليين لتقديم تنازلات بالمرحلة النهائية للتوصل الى اتفاق في الوقت الراهن، سيؤدى التقارب بين فتح وحماس لاستفزاز نتنياهو و توجيه أصابع الاتهام إلى عباس والاعلان " ان الفلسطينيين هم المسؤولين عن إفشال جهود وزير الخارجية الامريكى جون كيري، وأن عباس لا يعد حقا شريك حقيقي للسلام ". . و قد يختار نتنياهو تجاهل مسالة محادثات الوحدة ويقلل من أهميتها حيث قد يراهن على فشلها المحتمل. ولكن هذا من شأنه أن يوفر المزيد من الذخيرة لمنتقدي اسلوبه السياسي من الجناح اليمينى. وعلاوة على ذلك، فإن جهود الوحدة الفلسطينية و نجاحها تجعل من الصعب على عباس ان يتزحزح عن موقفه الرافض بشأن قضية واحدة ذات أولوية لدى المفاوضين الاسرائيلين و الخاصة بمسالة "اعتراف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي". و يرى البعض نظريا ان المصالحة الوطنية غير مستبعدة هذه المرة و ان كانت تضم فى طيها اباب شتى لاحتمال فشلها و نجاح الاتفاق يعتمد على مدى الفائدة الممكنة التى تراها كلا من فتح و حماس من اتمام المصالحة و تشكيل حكومة وطنية و اجراء انتخابات عامة قريبة