حسنا فعل الرئيس عدلي منصور عندما أبلغ وفد حكماء الإتحاد الإفريقي، خلال لقائه بهم، يوم الأحد الماضي، أن إنهاء تعليق عضوية مصر، في الإتحاد، مسألة وقت، وستتم عاجلا أو آجلا. بهذه المناسبة، سيطر على تفكيري الموقف المعادي، الذي تقفه حكومة جنوب إفريقيا، ضد ثورة 30 يونيو. وخطر على بالي أن أتوجه، بهذا السؤال، إلى قادة بريتوريا، الذين يريدون أن يعطوا مصر دروسا في الديمقراطية: لو كان الزعيم العظيم نيلسون مانديلا في السلطة: هل كان الرجل سيسمح بأن تصبح بلده الشقيقة مأوى لقيادات الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا، وأن تتحول بريتوريا إلى معبر لغسيل الأموال المشبوهة، التي تضخ من الدوحة وأوروبا وأمريكا، في طريقها إلى التنظيم الدولي للإرهاب باسم الدين؟! ماذا لو علم الزعيم مانديلا أن غسيل الأموال وعبوره لا يقتصر على الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا، بل تردد أن أموالا تخص جماعات من "التاميل" السريلانكية، تتوقف أيضا هناك "ترانزيت"، ما بين كندا وغيرها؟! أبدا لن أفقد الأمل في إمكانية تغير أداء حكومة جنوب إفريقيا المعادي لإرادة المصريين. وبمناسبة احتفالهم قريبا بالعيد العشرين للاستقلال: لعلها تكون مناسبة لكي يعيدوا تقييم أداء دولتهم الناشئة على الساحة الأفريقية والدولية، وأن يبحثوا عن إجابات عن الأسئلة الصعبة التي يطرحها أصدقاؤهم. فمصر كانت في طليعة الدول التي وقفت ضد نظام "الابارتهايد" العنصري وحاربته بشراسة منذ طرده من الكومنولث البريطاني في 31 مايو 1961، وقدمت كل ما لديها من دعم عسكري ومادي لقيادات التحرر حتى تحقق الانتصار التاريخي للحق على الظلم عام 1994. إلا أننا فوجئنا عند قيام ثورة 30 يونيو بمواقف غريبة، وصلت إلى حد استدعاء سفيرنا في بريتوريا، بهدف إعطائنا دروسا في المصالحة وفي كيفية إدارة عملية التحول. لعلنا نذكر من يريدون أن يعطونا دروسا في الديموقراطية، والجوقة المصرية، التي تردد كالببغاوات، أن جنوب أفريقيا لديها ما تقدمه لنا، لعلنا نذكرهم جميعا، بمذبحة الشرطة ضد عمال مناجم "ماريكانا"، لمجرد انهم طالبوا بحقوقهم، لندرك مدى تعثر التجربة التي يطلقون عليها "قوس القزح" اي الذي يجمع كل الأطياف، ويبدو أنه فقد بريقه! لقد طرح العديد من المتخصصين في الشئون الإفريقية أسئلة حول إمكانية استمرار جنوب إفريقيا في لعب دور في حفظ السلام في إفريقيا خاصة بعد ان تراجعت القدرات القتالية لجيشها بشكل كبير وفقاً لأحدث تقارير معهد أبحاث السلام الدولي "سيبري" ومعهد جنوب إفريقيا للدراسات الأمنية ذاته، والتي حذرت من تراجع القدرات القتالية إلى حد الاعتذار عن المشاركة في جهود البحث في المحيط الهندي عن الطائرة الماليزية المفقودة رغم الضجة المثارة حول المعجزة الجنوب إفريقية. من هنا نطرح سؤالاً: لماذا تسعى جنوب إفريقيا لكسر الموقف الإفريقي الموحد المعروف بتوافق "اوزولويني" والقائم منذ عشر سنوات في مفاوضات توسيع عضوية مجلس الأمن؟ إن معظم الدلائل تؤكد أن الدول الخمس الكبار لن توافق أبداً على توسيع مجلس الأمن، فلماذا تسعى بريتوريا لكسر التوافق الإفريقي دون ان يكون مطروحا أي شيء على افريقيا؟ الإجابة سهلة وهي: أنها تنسق مع قوى من خارج القارة مثل ألمانيا واليابان والهند والبرازيل أملاً في إرضاء هذه الدول، رغم أن الجميع يعلم أن الظروف الدولية لا تسمح بتوسيع مجلس الأمن خاصة بعد أزمة أوكرانيا، وبعد استخدام الفيتو الروسي والصيني لعرقلة إصدار قرارات ضد سوريا قبل ذلك. ألا يقودنا ذلك إلى أن السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ليست أفريقية المنبع والهدف، وإنما تتم بتنسيق مع الخارج وارضاء له؟ إذ كيف تؤيد وتأوي التنظيم الإرهابي وتنظم لقياداته الهاربة من العدالة الندوات والمؤتمرات، وتقف ضد مصر بهذا الشكل، ثم تقف أيضا ضد ميليشيات "بوكو حرام" في نيجيريا التي تستمد فكرها الشاذ وتطرفها المسيء للإسلام من التنظيم نفسه الذي تأويه وتدافع عنه بريتوريا. لقد ذكر لي أحد المتخصصين في شئون جنوب إفريقيا منذ عدة سنوات أن السياسة الخارجية لجنوب إفريقيا قبل وبعد "الابارتهايد" لم يتغير فيها سوى الواجهة فقط، وإنها تظل سياسة قائمة على تطويع الدول الإفريقية لحساب القوى الدولية. الحق إنني لم أصدق هذا الخبير في ذلك الحين واعتبرته مبالغاً في تحليلاته، إلا أن ما قامت به بريتوريا منذ 30 يونيو لعزل مصر عن نطاقها الإفريقي ودورها المتعجل والمحوري في تعليق عضويتنا في الاتحاد الإفريقي الذي تسيطر عليه بكل أسف، واستمرار عرقلتها لاستعادة مصر لمكانها ومكانتها في الإتحاد الإفريقي، كل هذا يصب في خانة واحدة هي استجابة لتوجيهات من خارج القارة. فهل تراجع بريتوريا موقفها من مصر، الدولة التي لم تسء إليها يوماً، بل ساندتها بالخبرات والأموال، حتى في أحلك الظروف بعد نكسة 1967؟ هل تستعيد بريتوريا بريق الزعيم العظيم نيلسون مانديلا، الذي أحبه المصريون، وتدافعوا لتحيته حين زار مقر الجمعية الإفريقية بعد الإفراج عنه؟ هل يستعيد "قوس القزح" بريقه الذي فقده، أم يستمر على مواقفه، فينطفئ ضياؤه؟! نقلا عن جريدة الأهرام