يبدو أن ملف حقوق الانسان قد يشكل تحديا محتملا أمام المجتمع الدولى، حيث تنتهى جميع الجهات المعنية منتصف مارس من كتابة تقريرها لإرساله إلى المجلس الدولى بحقوق الانسان فى جنيف، ضمن آلية المراجعة الدورية الشاملة المقررة فى نوفمبر من العام الجارى ليكتب تقريره النهائى. ولايستمع المجلس الدولى إلى تقرير الحكومة المصرية أو المجلس القومى لحقوق الانسان فقط بل يفتح الباب أيضا إلى المنظمات غير الحكومية، ويخضع التقارير لدراسة المجلس فى جنيف ويسمح لأعضاء تلك المنظمات بالحضور، حيث تكون الجلسات علنية ويسمح خلالها للدول بالإدلاء برأيها فى التقارير المقدمة. وقد سبق أن تمت مراجعة حالة حقوق الإنسان في مصر للمرة الأولى عام 2010، وأسفرت عن قبول الحكومة المصرية لتنفيذ 140 توصية لحماية وتعزيز أوضاع حقوق الانسان فى القاهرة، لكن الأمر هذه المرة قد يسبب توترا بعد تحذيرات من قيام منظمات فى الخارج تابعة لجماعة الاخوان الإرهابية بإعداد تقارير مضادة، فضلا عن سعيها لضم دول اخرى لمسانداتها فى نقد وضع حقوق الانسان الآن فى مصر. ويأتى ذلك استعدادا للمشاركة فى نوفمبر من العام الجارى بجلسة المراجعة الدورية الشاملة، التى تعقد مرة كل 4 سنوات ونصف للدول الأعضاء للنظر فى مدى التزامها بتنفيذ ما تعهدت به من مطالب أو ما أوصاها به المجلس . وعن كيفية التصدى لهذه المخاوف وآليات الرد حال التعرض لأى هجوم أو تدخل دولى بحجة حماية حقوق الانسان، استطلع موقع أخبارمصر آراء ومواقف عدد من المسئولين والمتخصصين : إنتقادات محتملة الدكتور نبيل حلمى، أستاذ القانون الدولى بحقوق الزقازيق، حذر فى تصريح خاص للموقع من وجود مؤشرات تؤكد أن جماعة "الإخوان " الإرهابية ستكون من المنظمات التى تهاجم مصر خلال جلسة جنيف، لافتا إلى أنها قد تستخدم دولتى تركيا وقطر لكى تظهر القاهرة بالدولة التى تنتهك حالة حقوق الانسان. وقال د.حلمى " قد تستخدم الإخوان تركيا وقطر ضد مصر أمام العالم لتبين أنها دولة تنتهك حقوق الانسان، ومن ثم تعتبر دولة غير متحضرة، وقد تصل للعقوبات الدولية أو المقاطعة، وما شابه". وأوضح أستاذ القانون الدولى أن المجلس الدولى لحقوق الانسان لا يصدر أى قرارات أو عقوبات لكن قد يذكر أن مصر تنتهك حقوق الانسان، ومثل هذا التصريح قد يستخدم فى الأممالمتحدة لمواجهة انتهاكات مصر لحقوق الانسان بشهادة المجتمع الدولى والمجلس الدولى". آليات الرد ونبه هنا حلمى أنه على مصر أن تبرهن أنها ليس لديها منهجية لانتهاك حقوق الانسان، ومستعدة للرد وتوضيح دوافع فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، مشددا على أنه لابد من التحدث عن الاغتيالات والاعتداء على الكنائس والأرواح الذى تمارسه الجماعة ضد مصر منذ 30 يونيو. وبصفته عضوا سابقا فى أول تشكيل للمجلس القومى لحقوق الانسان؛ والذى حضر الجلسة الاولى لآلية الدورية الشاملة، أوضح حلمى أن بعض التوصيات التى طالب بها المجلس الدولى مصر لم تنفذ، مرجعا ذلك إلى الفترة التى تولى فيها "الإخوان" حكم مصر، والتى شهدت تدهورا فى وضع العمال، ومعاناة للاقليات والنساء حسب قوله . ورشة عمل وقال عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الانسان، إن المجلس شكل لجنة برئاسة المحامية منى ذو الفقار عضو المجلس لإعداد التقرير، موضحا أنه سيضم ما أنجزته مصر فى ملف حقوق الانسان خلال السنوات الماضية. ومن أبرز توصيات المجلس القومى لحقوق الانسان بالتقرير الذى أعدته المحامية منى ذو الفقار، عضو اللجنة، والذى سيقدم إلى المجلس بجنيف، بمجال الحقوق المدنية والسياسية التعجيل بإصدار حزمة من التشريعات، بما يتفق مع ما جاء فى دستور 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، خاصة التعديلات المتعلقة بجريمة التعذيب وحماية الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة وحق الدفاع في قانونى العقوبات والاجراءات الجنائية، والتعديلات المتعلقة بتعزيز حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والاعلام، وقانون حرية تداول المعلومات، وقوانين بناء وترميم الكنائس، والعدالة الانتقالية، والحريات النقابية، والجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتعديل قانون الأحزاب السياسية . وأشار التقرير إلى ضرورة تعديل قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية الصادر فى نوفمبر 2013، وفقا لمقترحات المجلس والإفراج الفورى عن المتظاهرين المحتجزين ممن لا يثبت تورطه فى جريمة يعاقب عليها القانون، ولا سيما بعد 25 يناير 2014، وقد أفرجت النيابة العامة عن عدد من الطلبة المحتجزين فى إستجابة للشكاوى الواردة للمجلس إضافة إلى تعديل قانون السجون رقم 396 ليتفق مع دستور 2014 وفقا للمعايير الدولية. وأشار شكر إلى أن المجلس لم يكتف فقط بأن يتواصل مع مؤسسات الدولة لوضع التقرير، بل دعا عددا من المنظمات الحقوقية المحلية إلى ورشة عمل منذ أيام للتعرف على رؤيتهم حول مدى تطور الملف، وذلك انطلاقا من أهداف المجلس القومى لحقوق الانسان. وصرح د.محمد زارع، باحث بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أحد المنظمات التى ستشارك فى الجلسة بجنيف، بأن مركز القاهرة يعمل ضمن ملتقى المنظمات الذى يضم 19 منظمة حقوقية تقوم بمراجعة التقرير النهائى قبل إرساله، مشيرا إلى أنه لا يستطيع الافصاح عن ما جاء بالتقرير قبل إرساله إلي المجلس الدولى لحقوق الانسان، مكتفيا بالقول إنه سيرصد مدى استمرار انتهاكات حقوق الانسان "إن وجدت" وكذلك التزام مصر بالتوصيات. وأضاف "زارع "أن مركز القاهرة بشكل منفرد أعد تقريرا عن حالة حرية التنظيم فى مصر، حيث سيتم تقديمه باسم المركز ضمن جلسة المراجعة الدورية الشاملة فى جنيف. وأوضح زارع أن المجلس له الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادى والاجتماعى، مما يمكنه من السفر والذهاب لحضور فعاليات الجلسة فى جنيف. شهادات ومبررات من جانبه، قال أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت، للموقع إن المركز عمل ضمن تحالف يضم 50 منظمة حقوقية محلية أخرى للانتهاء من التقرير، موضحا أن التحالف انتهى من جمع الشهادات لوضع الصيغة النهائية. وأضاف " التقرير مبنى على التعاهدات التى ذكرت مصر أنها ستلتزم بها، وما تم تنفيذه من تعهدات، وهل ما حدث منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن تسبب فى تراجع أوضاع حقوق الإنسان أم لا؟ ". وأشار عقيل إلى أن التقرير لم يتجاهل الظروف السياسية والاقتصادية التى تمر بها مصر عند تطرقه لحالة التراجع التى شهدتها حالة حقوق الانسان، قائلا " لا يوجد عاقل لا يقول إن هناك تراجعا فى أوضاع حقوق الانسان...لكن نحن كمنظمات نرى أن حالة التراجع كانت لها أسباب العالم كله رأها". وأوضح أن المنظمة ستسافر بالتنسيق مع منظمة لها صفة إستشارية بالمجلس الاقتصادى والاجتماعى حيث إن المنظمة لا تمتلك تلك الصفة، مشيرا إلى أن تلك المنظمة هى التى تتولى عملية الحجز وتوفير بطاقات الحضور للجلسة . الإرهاب وتصحيح المسار من جانبه، طالب عبد الله خليل، الخبير الحقوقى، مصر بالتفهم الكامل للموقف، وألا تتخذ أى مواقف عدائية من أى انتقادات قد توجه إليها، مشيرا إلى أن قبول الملاحظات التى قد يبديها المجلس أو الدول الأعضاء ليس معناه خسارة للدولة، لكن يمكن استخدام تلك الملاحظات فى التأكيد على أن هناك إرادة سياسية للقاهرة نحو تصحيح المسار. وقال خليل "إن الحوارات فى أروقة الاتحاد الاوروبى تبنى على التعاون والتشاور والمرونة، وتستطيع مصر من خلال مراحل التشاور أن تطلب المعونة الفنية والتقنية من الدول الأعضاء، للتغلب على الصعوبات والمعوقات التى تقابلها فيما يخص ملف حقوق الإنسان" . وشدد على ضرورة أن تشرح مصر وجهة نظرها، وتوضح أنها لديها إرادة سياسية لإصلاح ما أفسده نظاما الرئيس الاسبق مبارك و" الإخوان "، وأن تبرز ما تقوم به من أجل القضاء على الإرهاب، الذى يعوق عمليات التنمية والإصلاح والتطور الديمقراطى والاقتصادى ويحصد أرواح الأبرياء من الشعب والشرطة والقوات المسلحة.