بما أن سلوك الناس، قويماً كان أم منحرفاً عنيفاً كان أم لطيفاً صالحاً كان أم طالحاً، ينشأ أولا في العقل قبل أن يتحول إلى فعل، فإن ضربة البداية لمكافحة السلوك الإرهابي الوحشي باسم الدين لابد أن تكون في ساحة العقل. إن أصحاب الأهداف السياسية المتخفية تحت شعارات الإصلاح الديني قد ينجحون عندما نترك لهم ساحة عقل المسلمين مباحة ومستباحة فيبثون أفكارهم السامة في العقول استناداً إلى مفاهيم منحرفة عن صحيح الدين. وإذا أصبح الشخص المستهدف مستقبلا للأفكار المغلوطة متصوراً أنها ستقوده إلى الجنة فإنه يكون مستعداً للانتحار تحت اسم الاستشهاد ويكون مهيئاً لتكفير أهله وأشقائه وبني دينه ووطنه واستباحة دمائهم تحت وهْم أنه المؤمن الساعي لنصرة الدين وأنهم الكفار الفاسقون! لقد شاع أمر الإرهاب وتفشى واقتحم عقولا في أقطار مسلمة عديدة بعضها ينتمي أصحابها إلى الطبقة الوسطى وأكثرها ينتمي أصحابها إلى الطبقات الفقيرة المعدمة المحرومة من مشاعر الكرامة الإنسانية ومن حاجاتها الأساسية. وأرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قامت مؤخراً بتوجيه الضربة الأولى لمنابع الإرهاب في الساحتين اللتين يرتع فيهما، الأولى ساحة العقل والثانية ساحة الحرمان الاقتصادي. لقد أطلقت الإمارات المنتدى العالمي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وحشدت له أكثر من 250 مفكراً وعالماً إسلامياً بارزاً من مختلف بلاد المسلمين. لم يكن الأمر مجرد اجتماع أو احتفال عابر بل كانت هناك استراتيجية عمل تهدف إلى تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة التي تخالف القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة. هكذا تكون ضربة البداية في ساحة العقل، خلق جبهة متماسكة ذات رؤية صحيحة للدين وذات آليات وعمل منظم ومتصل ينطلق من الإيمان بسماحة الإسلام والانتصار لجوهره. إن الإرهاب ينبثق من تنظيمات تحت الأرض تبدأ بغزو العقول ولا سبيل لدحره في ساحة العقل إلا بتنظيم راسخ على هيئة جبهة مسلمة عالمية. علينا أن نأخذ هنا رؤية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي قالها لعلماء المسلمين، وأن نحولها إلى خطة عمل مفصلة. قال سموه إن أمام علماء المسلمين الكبار تحديات كبيرة واستثنائية في مواجهة دعاة الفتن وإن المسؤولية كبيرة وعظيمة نتشارك فيها جميعاً من أجل سيادة روح الإخاء والمحبة في كثير من بؤر التوتر قبل أن تنتشر وتستفحل لغة الكراهية والعنف. إن الأفكار التي طرحت في المنتدى حول تصحيح الانحرافات التي تغذي التطرف، يجب أن تصل إلى الدعاة والخطباء في جميع منابر المسلمين لتصل إلى أسماع المسلم البسيط الذي يستهدفه الفكر المتطرف لتتحول الضربة الافتتاحية الأولى القادمة من الإمارات إلى برنامج عمل متصل لا يهن ولا ينقطع في ساحة العقل، لقد وجهت الإمارات ممثلة في قيادتها العليا ضربة أخرى ساحقة للإرهاب في ساحة الحرمان الاقتصادي عندما أعلنت هذا الأسبوع عن بناء مليون مسكن لمحدودي الدخل في مصر وهي الطبقة التي ينشط فيها المتطرفون لبث سمومهم. بالعمل في الساحتين معاً يمكننا تجفيف منابع التطرف والإرهاب. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية