يتعرض البحر المتوسط لكل أنواع التدمير وكأنه ليس موردا مهما لرزق الإنسان سواء بالصيد أو السياحة أو النقل أو التعدين. هذا البحر يمثل محورا لعدد كبير من الأنشطة التي توفر مئات الآلاف من فرص العمل ويشكل موردا مهما لغذاء الإنسان وبعض احتياجاته الصحية. أصبح البحر الآن بركة ملوثة بالزئبق والكاديوم والهالوجينات العضوية السامة بالإضافة لعدة ملايين من أطنان البترول التي تعرف طريقها إليه سنويا من خلال مصانع تكرير النفط وعمليات الاستكشاف والتنقيب وأنشطة النقل البحري. كل هذا إلي جانب نواتج مجاري الصرف الصحي وحرق نفايات آلاف المصانع المنتشرة في 120 مدينة ساحلية. أصبح الأمر يمثل خطورة بالغة علي حياة سكانه وعلي تنوع أحيائه. وأصبح تسمم كائناته التي يعتمد عليها الإنسان في غذائه أمرا مؤكدا.. هل يتغني البحر كما كان؟ هل يرددها ثانية.. أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءل الغواص عن صدفاتي؟ ربما لا.. لأنه لن يجرؤ أحد علي الغوص فيه عندما يقرأ هذا الملف. البحر المتوسط في سطور يقع البحر المتوسط إلي الغرب من آسيا وإلي الشمال من أفريقيا وإلي الجنوب من أوروبا، ويغطي مساحة تقدر بحوالي 2،5 مليون كيلو متر مربع، يتصل بالمحيط الأطلسي بمضيق جبل طارق ويتصل بالبحر الأسود بمضيق الدردنيل، وبالبحر الأحمر عن طريق قناة السويس. ويعد أكبر بحار العالم. أطلق عليه الرومان اسم ميرنوسترم أي بحرنا »بحر الروم« وسماه العبرانيون هايام هاتيشون أي البحر الأوسط. أما الأتراك فلقبوه أكيدنز التي تعني البحر الأبيض. تطل علي البحر المتوسط 21 دولة وفيه دولتينان كجزر، تطل عليه مصر، ليبيا، تونس، المغرب، الجزائر، فلسطين، إسرائيل، لبنان، سوريا، تركيا، اليونان، ألبانيا، الجبل الأسود، البوسنة والهرسك، كرواتيا، سلوفينيا، إيطاليا، موناكو، فرنسا، إسبانيا، أما الجزر: قبرص ومالطة. * يتصل البحر المتوسط ببقية مسطحات العالم عن طريق مضيق جبل طارق الذي يمتاز بضيقه فلا تتجدد مياهه إلا كل 80 عاما. * يعد البحر المتوسط أكثر بحار العالم تلوثا ويتلقي وحده حوالي نصف ما تتلقاه بقية المسطحات المائية من ملوثات صناعية وذلك لكثرة المدن الصناعية علي ساحله مثل الإسكندرية وحيفا وبنغازي وبرشلونة وأثينا ومرسيليا. * مثل أهم طريق للتجار والمسافرين من العصور القديمة، ومكن من التبادل التجاري بين شعوب المنطقة: بيساو والثقافات المصرية والسامية والفارسية والفينيقية واليونانية والرومانية وقرطاجنة. * يبلغ مجموع طول الشواطئ المحيطة بالبحر المتوسط 46 ألف كم ويقدر المجموع الحالي لسكان البلدان المتشاطئة بنحو 46 مليون نسمة يعيش أكثر من ثلثهم في المناطق الساحلية المتوسطية التي لا تزيد علي سدس مجموع مساحة هذه البلدان. المجرم الأول إسرائيل.. ظهر الفساد في البر والبحر لعل 4 بلدان ذات تنمية بشرية عالية »فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإسرائيل« هي الأكثر بين دول المتوسط سببا في تلوثه تراكميا ومازالت تلوثه. وهذه الدول مارست ولا تزال أعمالا عدوانية أو استغلالية شملت غيرها من بلدان المتوسط. وقد ساهمت هذه البلدان بثلاثة أرباع اجمالي التلوث الحاصل في البحر. وتنفرد إسرائيل من بين هذه الدول بمسئولية خطيرة إضافية في تلويث البحر، فوفقا لمنظمة السلام الأخضر Green Peace أن إسرائيل هي البلد الوحيد في العالم المعروف بأنه يسمح بطرح روتيني للنفايات الصناعية إلي عرض البحر قبالة سواحل حيفا خلال أوقات الليل ليحملها شرق المتوسط الجنوبي شمالا إلي المياه البحرية والشواطئ اللبنانية ثم يلتقي بتيار »دفاق وسط المتوسط« يشكلان معا تيار آسيا الصغري الذي يواصل نقل الملوثات إلي المياه والشواطئ السورية والقبرصية والساحل الجنوبي لتركيا. ومن ثم لا تصيب السموم الإسرائيلية إلا العرب. وتشمل قائمة السموم المطروحة بين عامي 1995-2000 كميات غير معلومة من الهالوجينات والسيليكونات العضوية 270 ألف م3 من مركبات الزئبق والكادميوم، و132 ألف م3 مركبات حمضية وقلوية وكمية غير معلومة من الفلوريدات وكميات غير معلومة من الزرنيخ والرصاص والنحاس والزنك والبيريليوم والكروم والنيكل والفاتاديوم والسيلينيوم والأنتموان ومركباتها إضافة إلي اغراق متعمد للسفن. وصفت مجموعة زالول للبيئة في تقرير حالة البحر لعام 2007 حال السواحل الإسرائيلية بأنه مفزع، ويؤكد مهتمون بالبيئة أن معدات ثقيلة ومبيدات حشرية تصرف في البحر بتراخيص من الحكومة. وأن الشركة المسئولة عن الصرف الصحي لسكان تل أبيب البالغ عددهم 2،5 مليون نسمة »شركة شفدان« هي أكبر ملوث للمياه في شرق البحر المتوسط. وجاءت منطقة تل أبيب الكبري ضمن أكثر 10 مراكز حضرية تلوثا في منطقة البحر المتوسط في تقرير للأمم المتحدة عن المنطقة. المذهل حقا أن هناك خطة حكومية لتطهير نهر المقطع »كيشون« سوف تزيد من تلوث البحر المتوسط. وتقوم الخطة علي مد خط أنابيب لنقل المخلفات من المصانع المشيدة. علي طول النهر بما في ذلك أكبر مصفاة نفط في إسرائيل وصرفها مباشرة في البحر. كارثة أخري تسببت فيها إسرائيل أثناء حربها علي لبنان عام 2006 عندما قصفت البوارج الإسرائيلية معمل الجية الحراري لتوليد الكهرباء مما أدي إلي احتراقه وتسرب 70 ألف متر مكعب من النفط إلي المياه الإقليمية اللبنانية مسببا بذلك أكبر ضرر بيئي في تاريخ الحوض الشرقي للبحر المتوسط. وعرقل الحصار البحري الإسرائيلي وصول فرق متخصصة لتحجيم التسرب ومنع اتساع البقع الملوثة. ووصل النفط بفعل الأمواج إلي الرمال علي الشاطئ مسببا تلوثها. وتسبب تسرب بقع النفط من السطح إلي القاع في هلاك كميات كبيرة من بيض الأسماك والحيوانات البحرية والتي يندر وجود بعضها وعلي رأسها السلاحف الصغيرة إضافة إلي ذلك فإن نتائج تحليل العينات الذي أخذها خبراء إيطاليون من مادة الفيول التي تسربت إلي البحر بفعل القصف أثبتت احتواءها علي مادة بنزوابيرين السامة »مسرطنة« مما يهدد الأحياء البحرية والإنسان الذي يتخذ من هذه الأحياء طعاما له. ولم يقف امتداد بقعة النفط علي الشواطئ اللبنانية بطول 80 كم بل وصل إلي شواطئ سوريا وتركيا. لم تكتف إسرائيل بقتل البشر الذين زعمت أنهم يهددون بقاءها فماذا جنت أحياء البحر حتي تهلكها. حولت إسرائيل البحر من رمز للسعي والخير والحياة إلي رمز للعذاب والموت، نفايات ومخلفات صناعية تقبع في باطن البحر المظلوم.