عنوان المقال مأخوذ من الأجواء الإحتفالية، المهيبة، التي أقيمت مساء يوم الثلاثاء الماضي، بمناسبة بدء السنة الصينية الجديدة، في ساحة قلعة صلاح الدين، تحت عنوان: سلام من مصر، برعاية وزارتي السياحة والثقافة، وسفارة الصين بالقاهرة. رسالة السلام التي توجهت بها مصر إلى محبيها في كل أنحاء العالم، ليتها تصل عاجلة ومستعجلة، ومع علم الوصول، لأنها تجلت في أبهى صورها، على مدار نحو ساعتين كاملتين، مشمولة بما جادت به الأقدار لمصر من مظاهر الإبهار الحضارية، المتوافرة في المكان بحد ذاته، فضلا عن اختيار عينة مميزة من فرق الفنون الشعبية والإستعراضية، التي وفرها، بإمتياز، الجانبان المصري والصيني. طبيعي أن تتطلع مصر إلى المزيد من التحسن والدفع في علاقتها الثنائية مع الصين، وبالذات، على المستويين التجاري والإستثماري، وقد بات من غير المبرر، ولا المقبول، في مسيرة العلاقات السوية والمتكافئة بين دولتين صديقتين، كمصر والصين، أن تظل الفجوة العميقة على ماهي عليه، وإلى ما لا نهاية، بين قيمة واردات مصر من الصين، التي وصلت إلى نحو 9 مليارات دولار، في عام 2013، ويقابلها صادرات مصرية للصين، تقدر ببضعة ملايين، فقط! خلال الأسبوع المنصرم، شاءت الأقدار أن أشهد حفل "سلام من مصر" بقلعة صلاح الدين، وقبل المناسبة بأيام قليلة لبيت دعوتين كريمتين، إحداهما لزيارة مصنعين استثماريين تايوانيين، في المنطقة الصناعية الحرة بالعامرية، والدعوة الثانية لتفقد مشروع إستثماري غذائي ياباني عملاق في المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر. أبدأ بنقل ما شاهدته بعيني من صورة رائعة تجلت في المنطقة الصناعية الحرة بالعامرية، والصورة الرائعة هذه لا تقل بأي حال عما شاهدته من إبهار ثقافي وفني مصري صيني، في قلعة صلاح الدين. حيث إنتظمت، في العامرية، خلية نحل من العمالة المصرية المدربة، بالمئات، وبإشراف من خبرات تايوانية وصينية، تعمل في مصنعين مملوكين لمستثمرين تايوانيين، متخصصين في إنتاج الملابس الرياضية، ويجري تصدير الإنتاج بالكامل للولايات المتحدةالأمريكية، بعائدات تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، سنويا. معلوم أن الاستثمارات التايوانية بمصر محدودة للغاية، فإلى جانب هذين المصنعين بالعامرية، يوجد مصنع ثالث - فقط - في المنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان، والقيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات تقل عن 50 مليون دولار! حسب ما فهمت من المالك التايواني لأحد المصنعين بالعامرية، بيتر شين، فإن مصر تعتبر منطقة جاذبة جدا ومغرية للاستثمار الأجنبي، عموما، وللتايواني، خصوصا. يقول السيد شين: من الممكن أن ترتفع التدفقات الإستثمارية التايوانية المباشرة بإتجاه مصر إلى عشرات المليارات من الدولارات، بشرط إتاحة الفرص والتسهيلات والتيسيرات أمام المستثمرين التايوانيين، غير المدرجين، بالمرة، على خريطة التسويق والترويج الإستثمارية المصرية. بالمناسبة، ما أكتبه هو تحليل اقتصادي بحت، ويعبر عن رغبة شخصية في جذب إستثمارات تايوانية بالمليارات، بدلا من كونها 50 مليونا، فقط، وما أتطلع إليه، شخصيا، في التعاطي مع تايبيه، تمارسه، فعليا وعمليا، الصين في تعاملاتها الإقتصادية والتجارية مع تايوان، ولا يمس بأي حال، موقف مصر الرسمي المعلن تجاه دولة الصين الواحدة. دلالة على براجماتية بكين، في تعاملاتها مع تايبيه، وحالتنا التي يمكن وصفها بملكيين أكثر من الملك، بلغت الإستثمارات التايوانية المباشرة في بر الصين أكثر من 132 مليار دولار، وبلغ عددها 40704 مشروعات، خلال الفترة الممتدة من عام 1991 إلى عام 2013. علما بأن حجم إحتياطيات تايوان من النقد الاجنبي يبلغ نحو 417 مليار دولار، ولديها إستثمارات هائلة في كل من: فيتنام وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة والفليبين وكمبوديا. في الوقت نفسه، فإن لتايوان مكاتب تجارية وثقافية في دول عربية مثل: السعودية والإمارات والأردن والكويت وسلطنة عمان. القصد من سرد تلك البيانات الإحصائية التايوانية هو الرغبة الملحة في الإستفادة من الفوائض الباحثة عن فرص للإستثمار، وجذب أكبر قدر ممكن منها لفتح فرص هائلة للعمالة المصرية وللصادرات، طالما سيقوم الجانب المصري بتوفير ما هو مطلوب منه، بالذات، في مجال توفير العمالة، المدربة، مع وضع مائة خط تحت كلمة المدربة، لأن الشكوى مرة من عدم توفرها بشكل كاف في المنطقة الصناعية بالعامرية، فضلا عن ضرورة التسويق والترويج والإلتزام التام بالتسهيلات الممنوحة للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر. تبقى الإشارة إلى ما رأيته بعيني من إبهار في المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر، بسواعد وخبرات يابانية مصرية، وهو لا يقل بحال عما شاهدته من إبهار فني وثقافي مصري صيني في قلعة صلاح الدين، ولا الإبهار الصناعي المصري - التايواني في العامرية. ففي مدينة السادس من أكتوبر، بدأ العد التنازلي للإفتتاح الرسمي لأول وأكبر مصنع ياباني خاص للمنتجات الغذائية، وحسب السيد يوكيهيرو وادا ممثل إحدى الشركات الغذائية اليابانية الكبرى المالكة للمصنع فإن نجاح التجربة ستعني فتح آفاق لا حدود لها لمزيد من الاستثمارات اليابانية في مصر. لعل المناسبة تزيل ما يعوق تحسين العلاقات الثنائية الرسمية بين البلدين ويعيدها إلى مستوياتها المميزة السابقة على الأصعدة الدبلوماسية والسياسية والإقتصادية. نقلا عن جريدة الأهرام