في بضعة أشهر فقط نجح وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي، الذي يقترب من قصر الرئاسة في كسب شعبية واسعة لا ينازعه فيها أي سياسي آخر منذ ثورة العام 2011 التي اطاحت بحسني مبارك. وقال الجيش المصري أن المشير السيسي لم يحسم بعد أمر ترشحه للانتخابات الرئاسية. وجاء إعلان الجيش بعدما نشرت صحيفة السياسة الكويتية مقابلة مع السيسي قال فيها انه "سيلبي طلب الشعب" بالترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/أبريل في مصر. وبدون أن ينفي احتمال ترشحه، قال الجيش في بيان "أن ما نشرته جريدة السياسية الكويتية مجرد اجتهادات صحفية وليست تصريحات مباشرة من المشير السيسي وتم تحميلها بعبارات وألفاظ غير دقيقة، خاصة بعد نقلها في مختلف وسائل الإعلام''. وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية فوض السيسي الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، حسبما افادت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية في البلاد. وخلف هدوئه الدائم الذي رأى فيه المصريون دليلا على الثقة بالنفس، تختبئ شخصية ضابط عنيد خاض من دون أن يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التي ظلت لعقود طويلة الأكثر تنظيما في البلاد. وقد عزل الرئيس المنتمي اليها محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو 2013، مؤكدا أنه لبى بذلك "إرادة الشعب" بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لإنهاء حكم الإخوان. وفي الواقع كان قراره إطاحة الرئيس الاسلامي السبب الرئيسي في شعبيته اذ رأى فيه المصريون دليلا على الشجاعة والإقدام بعد عامين ونصف من الاضطرابات. وحتى منافسيه المحتملين على مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحي يعترفون بأن "شعبيته جارفة" وبأنه صار "بطلا شعبيا". وخلافا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمدا على الخطب الرنانة أو اللهجة الحماسية وإنما هو على العكس يتحدث دوما بصوت خفيض وبنبرة هادئة ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى. في أحاديثه الموجهة للمصريين يفضل السيسي مخاطبة عواطفهم ولا يمل من تكرار أن الجيش المصري "ينفذ ما يأمر به الشعب". في 26 تموز/يوليو، طلب من المصريين النزول إلى الشوارع لاعطائه "تفويضا وأمرا لمواجهة الارهاب المحتمل". وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسي ومازال يرددها في مناسبات عدة : "عندما أردتم (أنتم المصريين) التغيير، غيرتم"، وفي مناسبة اخرى قال متوجها إلى الشعب المصري "إنتم نور عيوننا". صوره إلى جوار صورة جمال عبد الناصر تنتشر في المظاهرات وعلى واجهات المحلات. وهو نفسه قال في حوار لم يكن مخصصا للنشر ولكن تم تسريبه انه "يتمنى" أن يكون مثل عبد الناصر. غير أن قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه "لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساته" وانما يأمل ان "يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليها" الرئيس المصري الراحل. في لقاء مع شخصيات عامة وفنانين عقد أخيرا رد السيسي على من يطالبونه بالترشح للرئاسة قائلا "هل أنتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)" مع من لا يملك قوته و"هل ستستيقظون مبكرا مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل في الخامسة صباحا؟" في إشارة إلى أنه يريد توزيعا عادلا للدخل ويدرك في الوقت ذاته أن البلاد بحاجة إلى عمل شاق. ورغم أن الرجل أمضى معظم سنين عمره ال59 داخل ثكنات الجيش المصري، إلا انه لم يكن في السنوات الاخيرة خصوصا بعيدا تماما عن السياسة. فعندما كان رئيسا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يعرف الآن ب"خطة استراتيجية" لتحرك محتمل لمواجهة "توريث الحكم" تحسبا لترشح جمال مبارك للرئاسة، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس عسكري مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته. وبعد قيام ثورة كانون الثاني/يناير التي اطاحت مبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسي مسؤولا عن الحوار مع القوى السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة. والسيسي حذر ويحسب حركاته بدقة. فقبل عزل مرسي باكثر من أسبوع وتحديدا في السادس والعشرين من تموز/يوليو 2012 استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الإخوان "ليكتشفوا أن الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الأرض" بحسب شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش. أما السبب، بحسب الشخصية نفسها، فهو أنه كانت لدى القوات المسلحة "معلومات عن تحرك سيقوم به الإخوان يتضمن اعتقالات لاكثر من ثلاثين شخصية سياسية وإعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم أو إذن رئيس الجمهورية". ويعرف المشير كيف يكسب حب المصريين. وهو لم يتحدث اليهم عندما احتشدوا بالملايين في الميادين في الثلاثين من حزيران/يونيو للمطالبة برحيل مرسي لكنه خاطبهم بشكل غير مباشر عبر مروحيات عسكرية حلقت فوقهم في سماء القاهرة ملوحة بأعلام عملاقة لمصر وراسمة قلوبا في السماء. عندما عين السيسي وزيرا للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات أنه "إسلامي الهوى" لم تتبدد إلا بعد عزل مرسي. ويقول المقربون من السيسي انه لم يكن في أي وقت يميل إلى الاسلاميين لكنه مسلم متدين يحرص مثل كثير من المصريين على أداء صلاة الفجر قبل ان يبدأ عمله في الصباح الباكر كما ان زوجته مثل الغالبية العظمى من المصريات ترتدي الحجاب. تخرج السيسي من الكلية الحربية المصرية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في كلية القادة والاركان البريطانية عام 1992 وفي كلية الحرب العليا الامريكية في العام 2006. وللفريق السيسي أربعة ابناء هم ثلاثة شبان درسوا جميعهم في كليات عسكرية مصرية وانضموا إلى صفوف القوات المسلحة واكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي وبنت واحدة تزوجت بعيدا عن الاضواء قبل نحو اسبوعين.