تستعد العواصم الأوروبية لحقبة جديدة من النقاشات حول معاهدة أوروبية لتحديد مستقبل الاتحاد الأوروبي وصلاحياته. ويجتمع وزراء خارجية الدول الأوروبية في لوكسمبورج للتحضير للقمة الأوروبية الجمعة المقبل وستبحث إمكانية الاتفاق على المعاهدة التي تزعم الى توحيد السياسة الخارجية الأوروبية وتعيين رئيساً لها مع وزيراً للخارجية بحلول عام 2009. واعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو فشل الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول مشروع المعاهدة الأوروبية يشكل «انتصارا للقوى القومية». وقال باروسو في مقابلة نشرتها «لو موند» الفرنسية ان «في حال الفشل، سيكون ذلك انتصاراً للقوى القومية التي تقاوم حتى فكرة السوق الداخلية». وتأمل المانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في ان تتفق الدول الأعضاء في قمة بروكسل يومي 21 و22 يونيو (حزيران) الحالي على جوهر مشروع المعاهدة الأوروبية لكن التحفظات والاعتراضات ما زالت قوية خصوصا من جانب بولندا وبريطانيا. واضاف باروسو ان الفشل «لن يكون فقط هزيمة للذين يريدون لأوروبا التميز بمزيد من الطابع السياسي، بل سيكون ايضا هزيمة للذين يريدون لأوروبا مزيدا من الانفتاح، أوروبا العولمة». وقال: «ما زال الوقت متاحاً للتوصل الى اتفاق، لكنه سيكون بالغ الصعوبة». وسئل باروسو من جهة اخرى عن رغبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ان تتولى اوروبا القيام بمزيد من الخطوات للدفاع عن مصالح الاوروبيين، فقال انه يؤيد قيام اوروبا «حامية وليس اوروبا حمائية». واضاف: «اذا روجنا للفكرة القائلة بأن الطريقة الفضلى لحماية اوروبا هي الانغلاق، فإنها لن تؤتي الغاية المرجوة. فأوروبا هي المصدر الاول والمستورد الاول على الصعيد العالمي». من جهتها، ناشدت المستشارة الألمانية جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تقبل الحلول الوسط من أجل حسم الخلافات حول اتفاقية الدستور الأوروبي الموحد. وأشارت ميركل في رسالتها الأسبوعية المتلفزة أمس الى أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى اتفاق جديد، يمكنه من استعادة قدرته على اتخاذ القرارات «لذا فليس لنا أن ننشغل بأنفسنا وقتا أطول من اللازم». وأضافت ميركل أن مواطني أوروبا يتوقعون من الاتحاد الأوروبي أن يعالج مشاكلهم، وأن يوفر الأسس اللازمة لتحقيق الرخاء والنمو الاقتصادي وللتحدث بصوت واحد على صعيد القضايا الدولية. وأشارت ميركل إلى أن ألمانيا ستعرض على القمة الأوروبية في بروكسل خطة لإصلاح المؤسسات الأوروبية «وحتى يصبح اعتماد هذه الخطة ممكناً، فعلى الجميع أن يكون مستعداً لقبول الحلول الوسط.. نحن نعمل في هذا الصدد ونشكر الكثير من دول الاتحاد لأنها تسعى لتحقيق نفس الهدف». وستطالب ميركل من الدول الاعضاء الاتفاق على جدول زمني يسمح بمصادقة الدول الأعضاء على المعاهدة قبل الانتخابات البرلمانية الاوروبية عام 2009. يذكر أن ميركل التقت الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي أمس بالقرب من برلين للإعداد للقمة الأوروبية المقبلة. ويشار إلى أن بولندا تطالب بالمزيد من النفوذ فيما يتعلق باتخاذ قرارات الاتحاد الأوروبي، وتخشى من نفوذ اوسع للدول الاكبر في الاتحاد على حساب الدول الأخرى. من جهته، قال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية ان بلاده تنتظر نتائج القمة الاوروبية قبل اتخاذ موقف محدد من المعاهدة. الا انه شدد على ان «المملكة المتحدة واضحة في انها لن تقبل بمعاهدة تلزمنا بتغيير قوانين العمل والمجتمع الحالية، ولن نقبل بأي شيء في المعاهدة يسمح بسلطة اعلى من نظام القانون والشرطة والعمليات القضائية». وتابع الناطق ان من النقاط التي لن تتنازل عنها لندن هي «قدرتنا على صياغة سياساتنا الخارجية والدفاعية المستقلة، وبالطبع سنبقي مقعدنا الدائم في مجلس الأمن». ولكن في حال تم الاتفاق على المعاهدة الأوروبية، سيتعين اختيار رئيس للاتحاد، وهذا ما بدأت بعض الاوساط الاعلامية والسياسية الأوروبية النظر فيه. ويبدو ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بدأ يبحث عن الشخصية المناسبة، ورأى ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير سيكون مناسباً. وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أمس، ان ساركوزي ناقش احتمال تولي بلير هذا المنصب مع مسؤولين اوروبيين آخرين، بمن فيهم ميركل. ولكن لفتت الصحيفة الى ان بلير، الذي سيتنحى عن منصبه يوم 27 يونيو المقبل، لا يتمتع بشعبية واسعة في اوروبا. وبحسب استطلاع للرأي تنشره غداً، يرى 64 في المائة من الالمان و60 في المائة من البريطانيين و53 في المائة من الفرنسيين انه فير مناسباً لهذا المنصب. ونفى ناطق باسم بلير ان يكون الأخير راغباً في هذا المنصب، قائلاً: «لقد قال رئيس الوزراء بكل وضوح، انه لا يريد العودة الى الصفوف الامامية في السياسة». ولفت الى ان هذا المنصب حتى الآن «نظري» مما يعني ان الحديث عنه سابق لآوانه.