عقد منتدى الاتحاد دورته الثامنة في مدينة أبوظبي الأسبوع الماضي بحضور كتّاب الاتحاد تحت عنوان «مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي». وعلى مدى خمس جلسات، تناول كتاب «الاتحاد» وبعض ضيوفه الذين يحضرونه لأول مرة، مسألة الدولة الوطنية في العالم العربي، بكل تعقيداتها التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ودور الإسلام السياسي في عرقلة قيام هذه الدولة ونجاحها. كما تناولوا مفاهيم وآليات تعزيز التكامل الوطني في ظل التحديات، التي تواجه الدولة الوطنية. وكان الرأي السائد في جلسات المنتدى أن دولة السلطة ظلت على الدوام عائقاً مؤثراً أمام تبلور الدولة الوطنية! ذلك أن في دولة السلطة تغيب الديموقراطية وما يستتبع ذلك الغياب من استبداد وحرمان من المشاركة في القرار السياسي، وتلاشي مفاهيم حقوق الإنسان – تشريعاً وممارسة – الأمر الذي يجترئ على مبدأ تكافؤ الفرص وتكون الكلمة الأولى والأخيرة للحزب الذي يرأسهُ الحاكم. وهذا – في رأي بعض المتداخلين– أحد أسباب ثورات (الربيع العربي) للتخلص من كافة أنواع الاستبداد. ولقد ربط البعض نماذج لمشكلات اعترت تحولات عربية - في بلدان مثل (العراق، اليمن، ليبيا، مصر) بنخبُ ما بعد الثورات أو زوال الأنظمة الاستبدادية. وطرحت إحدى أوراق العمل، مفهوم العدالة الانتقالية، والتي تعني التخلص من روح الانتقام لرموز الأنظمة السابقة أو تجريمها، بل التوجه نحو إقامة دولة المؤسسات على أسس التسامح والقيم الإيجابية التي لا تعزز الشروخ في بنية الدولة الوطنية. ويبدو أن ما يجري في مصر وليبيا واليمن والعراق ما زال بعيداً عن هذه الثقافة، والتي تبدو في ذهن البعض «تطَّهُراً» مثالياً قد لا يتحقق بسهولة، بدليل ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات العشر الماضية، حيث عادت النخب إلى التاريخ واستحضرت «عداوات» وضغائن تعود إلى 15 قرناً، قد لا تكون الأطراف الحالية المختلفة بشأنها سبباً فيها! لأن الدولة التسلطية خلال حكم صدام فرضت ذلك الواقع، ورأى البعض أن على العرب أن يخرجوا من سجن التاريخ ومن قيد «النص»، وأن تعترف الأطراف ب«سوءاتها» من التعامل مع التطرف، والذي أثبتت الأيام أنه قد «فرّخَ» طيور الظلام وأطلقها في سماوات الوطن العربي، لتضرب (بحجارة من سجيل) كل من يخالفها أو لا يتبنى وجهات نظرها. وفي جلسة (ملتهبة) حول «الإسلام السياسي» تطرق متداخلون إلى الشكل العام للإسلام السياسي في الوطن العربي، وأن هذا الشكل من التنظيم له عنصران مهمان هما: استعادة الخلافة الإسلامية، وإسقاط الحدود بين الدول الإسلامية! وهو بمعنى آخر نقيض لمفهوم الدولة الوطنية، كما قال زميلنا الأستاذ السيد يسن، حيث تسود مفاهيم رفض الآخر والانتماء للعرق لا للوطن، كما هو الحال في المغرب حيث وجود البربر) وفي مصر حيث بدو سيناء وأهل النوبة. كما تطرق زميلنا إلى الهوية المُتخيلة في ذهن البعض، حيث يتم التوهم بالانتماء إلى الأمة الإسلامية، بينما واقع الأمر أنهم ينتمون إلى حزب معين. زميلنا الدكتور عبدالحميد الأنصاري تحدث عن الجماعات الدينية والمذهبية كبديل للولاء الوطني، وفكرة الخلافة كأداة للقفز على البعد الوطني. وأكد أن ولاء الجماعات الدينية هو لتنظيماتها أكثر من ولائها لوطنها، وأن الرابطة الدينية لديهم أقوى من الرابطة الوطنية. وأتى بمثال مفاده:أن تلك الجماعات لا يستغربون أن يحكمهم الإندونيسي المسلم دون المسيحي أو المسلم الوطني، كما أكد على أن الهدف الرئيس لتلك الجماعات هو إقامة الخلافة. وتطرق إلى قضية مهمة وهي الاستقواء بالخارج، وهي قضية ذات أبعاد مهمة في واقع الحال السياسي في العالم العربي. الأستاذ سالم سالمين النعيمي، حدد بعض معوقات الدولة الوطنية ودورها في هدم مفاهيم التحول المدني ودور الإسلام السياسي – الذي يدعي أصحابه أنهم «مخولون عن رب العزة، ويمثلون الله في الأرض»، ورفض الباحث إضافة قدسية على الأشخاص الذين يلبسون الدين ك «حلة» إلهية وهم بشر. ورأى أن القضية تنحصر في حرب فكرية لتقويض الدول الوطنية ورفض أي رأي يخالف آراء المنتمين لهذا التجمع. وخلص المنتدون – في الجلسة الأخيرة – إلى فشل دولة المواطنة في المنطقة العربية! ذلك أن أساس هذه الدولة وجود مجتمع مدني، وهذا الأخير غير قادر على فرض نفسه كما قال الزميل الدكتور علي الطراح، كما أن فكرة المواطنة ما زالت غير محددة، فلمن ينتمي المواطن؟ للأرض؟ أم للدولة؟ أم للحاكم؟ وأن التقسيمات الاجتماعية في الدولة العربية كان وقود الدولة التسلطية، ثم انقلبت تلك التقسيمات (القبلية والدينية) بعد رهانات خاسرة على الدولة. أتاح المنتدى الفرصة لتبادل الآراء حول الدولة الوطنية، والأمل أن تحاول الشعوب إزالة معوقات قيام هذه الدولة، كي يعيش جميع المواطنين بوئام وعدل ويتجهون نحو الإنتاجية بما يخدم بلدانهم، ونبذ الأفكار الهدامة التي تحاول تقويض ما وصلت إليه بعض الشعوب من تطور ورفعة في بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. نقلا عن صحيفة الاتحاد