مع توقعات الأممالمتحدة بأن يبلغ عدد سكان العالم نحو 9.6 مليار بحلول عام 2050 اى اكثر بنحو ما يقرب من 2.5 مليار شخص عما هو قائم الان.. لذا يتبادر للاذهان على الفور تساؤل منطقى ، هل سينتج العالم ما يكفى سكانه من الغذاء فى المستقبل ؟ وهل ستكفى موارد الارض تلك الزيادة السكانية المفرطة ؟. في الواقع ومن الغريب أن نعرف أن العالم ينتج الان ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع ، لكن سوء التوزيع وتركز الثروات و غيرها من القضايا الاقتصادية و السياسية تمنع وصول هذا الغذاء و الطعام لجميع سكان العالم. فهناك تقديرات بأن العالم ينتج ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان العالم حوالي 2-3 مرات، و نحو نصف الإمدادات العالمية من الأغذية تضيع هباء دون الاستفادة منها ، ليبقى ما يقرب من مليار شخص لا يزالون يعانون من نقص التغذية . فاذا كان الحال الان هكذا ، فماذا سيحدث مع هذه الزيادة المتوقعة لسكان الارض !! و مع خطر التغيرات المناخية التى تهدد باحداث تاثيرات ملموسة فى حياة البشر خاصة مسالة الجفاف وندرة الامطار وهما عنصرى رئيسيين فى الزراعة .. بالطبع العوامل البيئية ذات تاثير كبير، ومن بينها ندرة المياه التى اصبحت قضية عالمية أكثر جدية، و كما تشير بعض التوقعات بان العالم سيكون بحاجة للعثور على ما يعادل 20 نهر مثل نهر النيل من أجل مواكبة الطلب العالمي على الأغذية في عام 2025 .. والآن العالم فى حاجة سنويا إلى حوالي 3800 كم مكعب ( 910 ميل مكعب ) من المياه العذبة سواء من البحيرات او الأنهار، وبمعادلة بسيطة، إذا كان العالم سيضيف مليار شخص لسكان العالم ، فسوف نحتاج إلى العثور على 1000 كيلومتر مكعب أخرى ( 240 ميل مكعب ) من المياه تضاف لما نحتاجه سنويا. وليس ادل على تاثير التغيرات المناخية فى قضية توفير الغذاء، من ضعف الأمطار الموسمية في الهند هذا العام وهو ما خلق نقصا في انتاج "البصل" في البلاد وهو من الاغذية الرخيصة والمحببة لدى الهنود، وقد تحول الامر الى مشكلة اقتصادية خطيرة مع زيادة اسعار البصل لنحو 500٪. بالطبع لا يقارن هذا مع أزمة الأرز الكبيرة عام 2008 و التى كانت بمثابة كارثة لكثير من الناس في قارة آسيا، ومنذ هذه الازمة بدات اسعار الارز العالمية فى الارتفاع . كما أن السياسات الاقتصادية للدول ايضا قد تكون ضارة بشان قضية الغذاء و سعره و توزيعه، فعلى سبيل المثال و على رغم أن العديد من مزارعي الأرز فى اسيا حققوا محاصيل قياسية هذا العام الا ان أسعار الأرز ارتفعت بشدة نتيجة بدء العديد من الدول المنتجة فى الحد من صادرات الأرز .. ولكن ولحسن الحظ ، فان مليون ونصف طن من الأرز ذو جودة عالية تم حصدها باليابان ، مكنت العالم من إعادة ضبط اسعاره بالأسواق.. ومن المثير للاهتمام ، إن الامر لم يحتاج سوى للاعلان عن كم المخزون اليابانى من الأرز و إعلان بسيط بأن هناك كمية هائلة من الأرز متاحة فهدات المخاوف وانتهت الأزمة وتحقق الاستقرار في سوق الأرز . القضية باختصار انه عند الحديث عن الزيادة السكانية ، ينبغي أن يكون ضمنيا التحدث عن ازمة فى الموارد الطبيعة و من هذه الموارد بطبيعة الحال هو " الغذاء" .. وهناك مجموعة واسعة من العوامل التي تسهم في عدم تناسب مواردنا الغذائية مع زيادتنا السكانية ، و ربما يكون واحدا من أهم هذه العوامل هو سياسات توزيع الغذاء الضعيفة وغير الكافية و غير المجدية التى تتسبب فى احداث فجوة غذائية كبيرة يعانى منها ملايين البشر . منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو ) التابعة للأمم المتحدة ترى ان " الأمن الغذائي العالمى يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات، بالقدرة المادية والاجتماعية و الاقتصادية ، للوصول لأغذية كافية وسليمة ومغذية ، والتي تلبي الاحتياجات الغذائية الخاصة بهم وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة ". ويرى بعض الخبراء ان التوقعات بزيادة مفرطة فى عد سكان العالم بالطبع ستتجاوز قدرة الإنتاج الغذائي العالمى ، الا انها قد لا تكون سببا فى حدوث مجاعات و ازمات غذائية كبرى ، و يعتمدون فى منطقهم هذا على ان الإنتاج الحالي من الطعام يفوق متطلبات سكان العالم. وتاريخيا ، يرجع سبب معظم المجاعات والجوع على نطاق واسع نتيجه مشاكل توزيع المواد الغذائية سواء كانت مشاكل (سياسية أو لوجستية ) و ليس الامر محصورا فى عدم انتاج ما يكفى من الغذاء حسابيا.... وان العديد من المجاعات المعروفة في التاريخ، مثل مجاعة البطاطا الإيرلندية و العديد من المجاعات الهندية في أواخر القرن التاسع عشر ، لم تكن بسبب نقص الغذاء، ولكن بسبب نقص الإرادة السياسية لتوزيع الطعام على الفقراء الذين يتضورون جوعا. بل في الواقع و انه خلال هذه المجاعات ، كانت أيرلندا وأجزاء من الهند يصدران الأغذية إلى مختلف المستعمرات الإنجليزية الأخرى . العديد من الدراسات التى استهدفت دراسة مسالة السكان و الغذاء ، لطالما طالبت بجانب احداث ثورة فى الانتاج الزراعى و ثورة فى ترشيد استخدام المياه ، طالبت ايضا بتغيير سياسات توزيع الاغذية و ناشدت بدعم الخيارات السياسية التى تهدف لاقرار الحق فى الحصول على الغذاء المناسب ، و تغيير الفكر الذى يربط الازمة الغذائية بالمجموع الحسابى للإنتاج الغذائي ، ليربطها بسوء التوزيع الذى لا يزال يشكل مشكلة عالمية في ايجاد حل دائم لانعدام الأمن الغذائي .