ربما يشعر المشاهد بعد عرض الفيلم التسجيلي (كيف تطبخ حياتك) بالحزن على سنوات ضاعت وهو لا يعي أن إعداد الطعام وتناوله ممارسة روحية وثقافية أسمى من مجرد حشو المعدة بأي وجبات ، خاصة ما يطلق عليه الوجبات السريعة. ويلقي بطل الفيلم الراهب البوذي الأمريكي ادوارد براون على مريديه في الولاياتالمتحدة دروسا في فن الطبخ ، لكنه لا يقع في فخ الإرشاد التعليمي بل لا تفارقه الإبتسامة والضحكة المجلجلة أحيانا وهو يشرح لهم كيف يصنع الغذاء بما فيه التفنن في إبتكار أشكال للخبز. والطعام في رأي براون ليس مجرد أكل ، لكنه مناسبة تحتفل فيها الحواس -بداية من قبضة اليد التي تجهز عجينة الخبز- بالبهجة بعد النجاح في إعداده بطريقة تجعل الطاهي يثق بأن الطبخ درس في فنون الحياة التي يجب أن تطبخ أيضا بطريقة لا تعرضها للإحتراق أو أن تفسد بكثرة الملح. ويبدو مريدو بروان -وهم من أعمار مختلفة- في الفيلم التسجيلي الذي أخرجته الألمانية دوريس دوري سعداء بالتجربة ، فتتسرب إليهم فلسفته في الطبخ ، حتى أن امرأة تعترف "نحن نطهو الطعام وفي الحقيقة هو الذي يطهونا" ، في إشارة إلى أن الكيفية التي يطبخ بها الإنسان الطعام خير تعبير عنه. وعرض الفيلم -الذي أنتج هذا العام وتبلغ مدته 93 دقيقة- بمركز الإبداع الفني في دار الاوبرا بالقاهرة في افتتاح (كارافان السينما العربية الاوروبية) في دورتها السادسة ، التي تشمل عرض 24 فيلما تسجيليا قصيرا وطويلا وروائيا قصيرا عربيا وأجنبيا. وقال براون أنه يمارس الطبخ من نحو 40 عاما ، وأنه إعتنق البوذية منذ الصغر ، ووفقا للتقاليد البوذية فإن إعداد الطعام وتناوله نوع من العبادة والإتصال بالطبيعة "فالأشياء أيضا بها روح... الطعام وسيلة لتطوير الإنتباه" ويمكن للشخص أن يستثمر طاقة الغضب في إعداد الطعام. والفيلم يثير الدهشة ، ليس بإستعرض أنواع من الأطعمة الجديدة غير المعروفة ، وإنما بإعادة إكتشاف المألوف في العلاقة بين الإنسان وطعامه اليومي أو كيفية تناول هذا الطعام .. كما يدعو بروان إلى العناية بالطعام "كأنه بصرك... عندما تقوم بالطبخ فأنت لا تطبخ الطعام فقط لكنك تعمل على نفسك وعلى الآخرين."