لا يمكن لأحد من الإماراتيين أو الخليجيين أن يخفي شعوراً بالارتياح إزاء إنهاء ما عرف بقضية «التنظيم السري». بل إن ذلك الشعور الإماراتي يمتد ليصل إلى مصر. وربما يكون تعبير سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، قد أجمل ذلك الشعور في تصريحاته حول متابعة الإمارات لتطورات الوضع المصري في تغريداته في «تويتر». عندي سببان اثنان لشعورنا بالارتياح: الأول، أن الحكم القضائي في الإمارات الذي أنهى أحد الملفات الصعبة والغريبة على المجتمع منذ قيام الدولة، وكذلك تدخل الجيش المصري لإنهاء حكم «الإخوان المسلمين» في مصر استجابة لرغبة مصرية عارمة، كانا عبارة عن رسالة من «المجتمع» بأن أفراده يرفضون الذين تعوَّدوا استغلال الدين لأهداف سياسية. وبالتالي ينبغي على الجميع، خاصة الذين تعودوا «امتطاء» الدين لخدمة أهدافهم السياسية والعابرة للحدود، أن يستوعبوا ذلك. وهي رسالة للذين يحاولون عبثاً تخريب العلاقة بين الإمارات وشعوب دولهم، دون أن يدركوا تفاصيل تلك العلاقة. فالشعب الإماراتي يعي تلك العلاقة أكثر مما يعتقد أصحاب الأجندات التخريبية، «الإصلاحيون المزيفون»، وبالتالي فإن تجربة عام من حكم «الإخوان» كانت كافية لكشف مساعيهم. السبب الثاني لشعورنا بالارتياح له علاقة بسرعة ترحيب القيادات السياسية الخليجية بتدخل الجيش المصري لإنقاذ الدولة المصرية، الشقيقة الكبرى للدول العربية، لأن هناك فرقاً بين جماعة «الإخوان» وبين الشعب المصري. والأهم في هذا السبب أن الشأن المصري في حقيقة الأمر ليس شأناً خاصاً بالمصريين فقط، بل هو شأن يخص العرب جميعاً. ومحاولة «الإخوان» إخراج مصر من الدائرة العربية، وسعيهم لوضعها في الدائرة الإيرانية، أضعف الموقف العربي في كثير من الملفات العربية والإقليمية، لاسيما الوضع السوري وتطوراته، وكذلك مسألة التدخل الإيراني في الشأن العربي. وبالتالي فإن الترحيب يأتي من باب تأكيد عودة الدور العربي الفاعل. بقدر حالة الانتشاء والفرحة التي عاشها الشعب المصري بإنهاء حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، والذي أثبت جيشه أنه مختلف عن تلك الجيوش التي تقتل شعبها لمصلحة النظام، كما في سوريا الأسد وليبيا القذافي، فإن فرحة الشعب العربي كانت بمنزلة سقوط «الإخوان» في كل الدول العربية، باعتبار أن حالة الاستقواء والنشوة التي عاشها أصحاب هذا التيار كانت منطلقة من قوة «الإخوان» في مصر، حيث مقر المرشد. ولم يكن لنا في الإمارات أن نطمئن على الوضع العربي بأكمله بانتهاء ملف «التنظيم السري»، في الثاني من يوليو الجاري، إلا بعد أن اكتمل «التطهير» ليشمل رأس التنظيم في مصر، وكذلك إعادة ترتيب موقعهم في قطر، الدولة الشقيقة المعروفة بأنها كانت تدعمهم، حتى وإن كانت الأنباء المتناقلة لم يتم تأكيدها، خاصة في مسألة إبعاد بعض قيادات الجماعة الموجودة في الدوحة. فالأسبوع الماضي يكاد يصبح أسبوع الانعتاق العربي من المأزق الإخواني. لا أريد هنا أن أفتح جروحاً أو أستثير أحداً، لكني فقط أردت أن أقول إنهم لم يحسنوا قراءة المتغيرات في المجتمع العربي، مثل ارتفاع الوعي الشعبي، خاصة بعدما أظهروا عدم اهتمامهم باحتياجات الشعوب، بل أن كل مواقفهم كان مردودها سلبياً، بل كارثياً، على المجتمعات. أريد أن أسجل «شكراً» غير بريء ل«الإخوان» على شيء لم يسعوا إليه؛ لأن أهدافهم الشريرة التي عملوا لأجلها في المجتمع أسهمت في أن نفهمهم خلال أقل من سنة، وكشفت حقيقة نواياهم التي تسترت خلف الدين لمدة ثمانين عاماً. لذا، لا أستغرب قول نائب المرشد العام ل«الإخوان»، خيرت الشاطر، إن سقوطهم هذه المرة يعني العمل ثمانين عاماً قادمة للعودة للمسرح السياسي. بعض التحليلات تشير إلى أن ظهور مثل هؤلاء المختطفين لثورات الشعوب مستخدمين الدين وعفوية الشعوب، أشبه بمراحل المرض الذي يصيب الجسد، وبالتالي يحتاج إلى فترة ليست بالبسيطة كي يتم علاجه منه؛ لأنه يُظهر عيوبه ومشكلاته متأخراً، وبالتالي يتم القضاء عليه. وربما احتجنا نحن في الإمارات، وكذلك مصر، إلى تلك السنة الصعبة للتخلص منهم. وإذا كانت الإمارات بقضائها الذي أثبت شفافيته للعالم، استطاعت أن تحافظ على نموذجها التنموي من مساعي تخريب سعت إليها بعض الأيادي التي لا ترى الإمارات إلا وفق منطق جماعة «الإخوان»، وتفكر بعقلية من خارج إطار الإمارات، فإن الشعب المصري استرد ثورته وتفاعل معه الجيش المصري الذي أكد أنه مؤسسة عريقة تلعب دوراً حقيقياً في الحفاظ على منجزات الدولة المصرية صاحبة العمق الاستراتيجي العربي. النقطة التي غابت عن «الإخوان» أنهم لا يفرقون بين المجتمعات الحية التي باتت تدرك ألاعيبهم ولم تعد تقبل الخداع الذي مارسوه عليها من خلال «الاستبداد باسم الدين»، وبين المجتمعات التي كانت تدار بعقلية ما قبل الثمانينيات، وبالتالي كانت النتيجة أن الشعوب هي التي رفضتهم، مع أنهم في كثير من الأحيان كانوا يقارنون أنفسهم بتركيا، ويحاولون إقناع الناس بأن تجربتهم أقرب إلى تركيا، مع أنهم في الواقع أقرب إلى النظام الإيراني وحكم المرشد. لذا فالدولة الوحيدة التي لم تؤيد تدخل الجيش المصري كانت إيران. سلوك «الإخوان» خلال الفترة الماضية اتسم بإنكار كل تفاصيل المجتمع، ليس في مصر فقط، بل إن لغة التطاول على الحكام كانت واضحة في الخليج. وظهر ذلك بوضوح خلال مؤتمر دعم سوريا، ووصل الأمر ب«الإخوان» إلى أن ينكروا حتى التيارات الإسلامية الحليفة لهم، مثل السلفيين. وصول «الإخوان» في مصر إلى الحكم جعل بعض الأفراد الموجودين في الإمارات يعتقدون أن الوقت حان لبث سمومهم في المجتمع، وتطبيق أفكارهم «الإصلاحية» التي ظهرت في مصر أكثر. هذا الأمر أسهم في إضعاف موقفهم لدى الرأي العام العربي وفي فضح ادعائهم البراءةَ والإصلاحَ وحبَّ الوطن، ففقدوا أي تأييد داخلي أو خارجي، وأصبحوا مثار السخرية والنقد لدى الجميع. نقلا عن صحيفة الاتحاد