تنشغل باريس بفضيحة إحباط عملية تهريب ما يتجاوز مائة طفل من التشاد الى فرنسا. وتكشفت خلال اليومين الماضيين كمية جديدة من المعطيات، التي ساعدت في تسليط الأضواء على الأهداف المريبة التي كانت تقف خلفها. هذا عدا عن التناقض والغموض، اللذين يزيدان الموقف الرسمي حرجا. ومن دون شك فإن النقطة الأكثر إثارة في مسار هذه القضية حتى الآن، هي الحديث المباشر الذي أدلى به الرئيس التشادي ادريس ديبي الى قناة تلفزيونية فرنسية يوم امس الأول، واتهم فيه المجموعة التي تقف خلف العملية هي بأن هدفها هو “المتاجرة بالاطفال” في اطار جرائم الشذوذ الجنسي، وبيع الاعضاء البشرية. وتوعد هؤلاء ب “عقاب قاس”. وتبين أن ديبي استند في اتهامه الى وقوف السلطات التشادية على حقيقة العملية التي اتخذت من اطفال دارفور غطاء لها، في حين أن الغالبية العظمى من الاطفال الذين كان يجري العمل على ترحيلهم الى فرنسا هم من التشاديين، الذين لاعلاقة لهم لا من قريب أو بعيد بآثار نزاع دارفور، وقد تم تجميعهم من مناطق شرق تشاد بذرائع ووعود مختلفة، ونقلت قنوات التلفزيون الفرنسية شهادات للعديد من الاطفال الذين أكدوا ذلك. قد أصاب هذا الاتهام المباشر بشظاياه السلطات الفرنسية، فرغم الإدانات الرسمية التي صدرت عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والتوضيحات التي قدمتها وزارة الخارجية، فإن باريس تتحمل مسؤولية اساسية سياسية واخلاقية وميدانية. وعلى هذا الصعيد كان يجدر بالأجهزة الأمنية الفرنسية ان تتحرى جيدا حول هوية واهداف هذه المنظمة غير الحكومية، التي كانت تنشط في منطقة حساسة، لاسيما وأنها قد بدأت العملية في فرنسا بصورة علنية، من خلال قيامها بجمع الأموال من العائلات التي كان من المقرر لها ان تستقبل الاطفال، وذلك بمعدل يتراوح ما بين ألفين الى ثمانية آلاف يورو. والسؤال الذي طرحته الاوساط الاعلامية والمراقبة هو، كيف تقوم منظمة من هذا القبيل بتجميع اكثر من مائة طفل، وتنجز كافة الاجراءات المتعلقة بنقلهم الى بلد آخر، ولا يتم كشف العملية إلا في اللحظة الأخيرة، في حين ان العملية جرت في منطقة تنتشرفيها القوات الفرنسية،ومما يزيد الامر غموضا هو ان هذه المنظمة سبق لها ان تمتعت بمساعدات لوجستية من طرف القوات الفرنسية؟ في ظل تشابكات القضية تكثفت جهود وزارة الخارجية الفرنسية، كونها المعنية بتقديم الأجوبة لإجلاء الغموض المحيط بالمسألة، ونظرا لدقة الموقف فقد اقامت باريس خلية ازمة برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الانسانية راما ياد التي عادت الاسبوع الماضي من رحلة الى دارفور اثارت من حولها ضجة اعلامية كبيرة، وارسلت الخارجية ديبلوماسيين، بالاضافة الى السفير في التشاد، ولكن الأمر الذي يمكن ملاحظته هو ان الأداء الفرنسي اتسم بالارتباك، وانعكس ذلك من خلال الموقف من مصير الفرنسيين التسعة المحتجزين في التشاد، فمن الناحية الرسمية اعتبر السفير الفرنسي في التشاد ان على هؤلاء ان “يتحملوا مسؤولية افعالهم”، ولذا اكدت الخارجية انها تنتظر كلمة القضاء التشادي، اما محامي المجموعة جيلبير كولار فقد اعتبر ان المسألة سياسية، وهي تأتي في اطار “ابتزاز” السلطات التشادية التي ترفض نشر قوات دولية في شرق التشاد. لن تتوقف الآثار السلبية على صورة فرنسا ودورها في تشاد والمنطقة، بل ستمتد لتصيب بضررها المنظمات غير الحكومية، وستضعف من جهة مصداقية هذه المنظمات،ومن جهة أخرى سوف تقوي من حجج البعض الذي يحاول ابعادها عن مناطق النزاعات تحت ذريعة عدم حيادها، واستخدامها كأدوات من قبل بعض الاطراف الدولية، ولهذا سوف ترتفع حدة الجدل الدائر حول الضوابط التي تحدد عمل المنظمات غير الحكومية، وهل تخضع لإشراف دولي في مناطق النزاعات ذات الطبيعة الخاصة جدا مثل دارفور، ومن هي الجهة المعنية بمتابعة نشاط هذه المنظمات؟ واللافت هنا هو موقف الجهة المعنية برعاية الطفولة وهي “اليونسيف” التي استنكرت العملية، ونفت علمها بنشاطات من هذا القبيل في المنطقة. وفي النهاية يجدر التوقف عند نقطتين على درجة كبيرة من الخطورة: الأولى هي ان المنظمة المعنية “آرش دو زوي” أخفت هويتها الفعلية في التشاد، وسجلت نفسها تحت اسم آخر “شيلدرين ريسكو” (إنقاذ الاطفال)، ورغم ان الشخص الذي يدير الهيئتين هو نفسه اريك بريتو الكادر التجاري والاطفائي المتطوع، والنقطة الثانية هي التظاهرات التي جرت في باريس ضد سفارة التشاد، من طرف العائلات التي قدمت سلفة مالية لاستقبال طفل ضمن صيغة غامضة جدا، في حين قضية التبني تعد واحدة من اكثر المسائل تعقيدا في فرنسا.