بما أننا نعيش زمن الانفلات الإعلامي والانفلات الأخلاقي فلابد أن يسوده اللامعقول في كل النواحي بحيث يصبح صديق الأمس ورفيق السلاح عدو اليوم الذي أشهر سلاحي في وجهه بينما يصيرعدو الأمس الذي ناضلت لإسقاطه مع صديق الأمس هو الصديق والنصير والناصر أيضا الذي أحمله علي كتفي وأهتف بحياته. وتمتلئ الشاشات بصورة هذا الزعيم المزيف وتنقل خطبه العصماء التي يجدها فرصته الذهبية لغسل سمعته السيئة وتبييض وجهه أمام الناس والهروب من يد العدالة مع الأسف الشديد ضربت في مقتل ودخلت في البازار السياسي الذي تعيشه البلاد الآن!! هذه الحالة من الشيزوفرنيا التي أصابت من يطلقون عليهم في الإعلام (النخبة والقوي السياسية) وهي التي تقف الآن ضد استكمال مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها! منذ اليوم الأول للثورة وكلنا نطالب بتطهير القضاء والإعلام والداخلية وعزل النائب العام وظل هذا المطلب حاضرا مدعما باليافطات واللوحات التي كانت تزين ميدان التحرير حينما كان معقلا ومأوي للثوار الحقيقيين قبل أن يخترقه ثعالب الفلول وأعداء الثورة ويحولونه لوكر تدار منه الثورة المضادة بمساعدة بعض رفقاء الأمس الذين وقعوا في الغواية لمجرد انهم التقوا علي كراهيتهم للإخوان المسلمين وضرورة إسقاطهم ولو علي حساب إسقاط مصر- قالها كبيرهم كراهيتهم للإخوان فاقت حبهم لوطنهم الذي ضاع في زحمة مصالحهم الذاتية وأهواءهم الشخصية. أعود فأقول ظل هذا المطلب الثوري مرفوعا في كل المليونيات التي شهدها الميدان طوال حكم المجلس العسكري وبحت الأصوات وتشنجت الأمشاج خاصة بعد فضيحة الإفراج عن الأمريكيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي انطلقت مليونية تخص القضاء فقط يوم16 مارس من العام الماضي تحت اسم تطهيرو تحرير القضاء اشترك فيها عدد كبير من القضاة الشرفاء الذين يريدون تنقية ثوبهم الأبيض الطاهر من بعض الدنس الذي أصابه من الحكم الفاسد الذي أفسد كل مناحي الحياة في المحروسة وطال كل المؤسسات فسرطان الفساد الذي وصل إلي نخاعه لابد وأن يمر علي كل مفاصله بلا تمييز ومفصل القضاء ليس إستثناء بشهادة أهله إذ قال يومها أحد القضاة المناضلين في الميدان العدل في مصر مفقود وأن مؤسسات الدولة مصابة بالعجز والوهن ومؤسسة القضاء ليست إستثناء من ذلك ومن المفارقات المضحكات المبكيات في زمننا هذا, زمن الشيزوفرنيا السياسية, زمن التدليس والخداع, زمن الإنقلابات السريعة والقفز من أعلي الجبال إلي سفوح في غمضة عين, أن ينقلب هذا القاضي الثائرالهيلمان علي قناعاته وينقل بندقيته من كتفه الأيمن لكتفه الأيسر ليصبح مقاتلا شرسا ضد إصلاح القضاء وينضم إلي من اتهمهم بالفساد وطالب بتطهير القضاء من تلك الفئة الضالة علي حد تعبيره. الشئ نفسه لنواب سابقين ثائرين قدموا مشاريع قوانين لإصلاح القضاء لمجلس الشعب قبل أن يحل نجدهم اليوم وقد انتقلوا إلي الضفة الأخيرة محذرين من أي مساس بالقضاء وهم الذين أسموه بالأمس قضاء مبارك الفاسد وأكالوا له الاتهامات والرذائل!! مثلهم مثل باقي الأسماء السياسية التي ابتلي بها الوطن وأصحاب الفكر الذين صدعوا رءوسنا من حتمية إصلاح القضاء وتطهيره من الفاسدين هم أنفسهم الذين يتبوأون الصفوف الأولي في اجتماعات نادي القضاة والذين كانوا يسمونه بالأمس وكر الفساد ويطالبون بعودة النائب العام السابق والذين كانوا من قبل يطالبون بعزله قبل أن تنكشف فضيحته بتلقي هدايا من المؤسسات الصحفية, المفترض طبقا للمنطق أن يزداد إيمانهم بصحة ماطالبوا به سابقا لا أن ينقلبوا علي أعقابهم خاسرين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!! ولكننا في زمن اللا منطق, زمن السيرك السياسي والبهلوانات والسحرة والذين حول بعضهم المعارضة البناءة المحترمة إلي أكروبات محزنة ومؤلمة هؤلاء هم زعماء اليوم المزيفين الذين نجدهم يتصدرون المشهد كلما هممنا لإصلاح منظومة الدولة الفاسدة بدعوي الخوف من أخونة الدولة والتي أصبحت سلاحا في أيديهم يبتزون به السلطة والتي يبدو أنها رضخت لهذا الإبتزاز الرخيص مع الأسف الشديد!! نقلا عن صحيفة الأهرام