سطور جديدة يكتبها الفرنسيون اليوم تحدد ملامح الخمسة اعوام المقبلة على الاقل 'وهى مدة الرئاسة القادمة بعد تعديل الدستور وتخفيض مدة الرئاسة من 7 الى 5 سنوات . حيث انطلقت فى الساعة الثامنة صباح الاحد بتوقيت باريس (نفس توقيت القاهرة) انتخابات الدور الاول للرئاسة الفرنسية التى تعد الثامنة التى تجرى بالاقتراع العام فى فرنسا منذ عام 1965. كانت مكاتب الاقتراع فتحت أبوابها أمس السبت فى أقاليم ما وراء البحار الفرنسية وفى كندا وأمريكا نظرا لفروق التوقيت. وقد أدلى بالفعل مليون ناخب فى أقاليم ما وراء البحار وأمريكا بأصواتهم بينما المقرر ان يتوجه اليوم الاحد الى صناديق الاقتراع 5ر43 مليون ناخب للاختيار بين 12 مرشحا يصعد منهم صاحبا أكبر نسبة من الاصوات الى الدور الثانى فى السادس من مايو المقبل. ويصل عدد مكاتب الاقتراع عبر فرنسا الى 64 ألفا و 30 مكتبا يظل 70% منها مفتوحا حتى الساعة السادسة من مساء الاحد بينما تغلق المكاتب أبوابها فى بعض المناطق فى الساعة الثامنة مساء ومنها مكاتب الاقتراع فى باريس ومارسيليا وليون وتولوز . وحتى كتابة هذه السطور لايزال الغموض يحيط بأسمى المرشحين اللذين سيصعدان الى الدور الثانى من الانتخابات من بين المرشحين ال 12 . وإن كانت المنافسة الشديدة تنحصر بين نيكولا ساركوزى رئيس ومرشح الحزب اليمينى الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" الذى أسسه الرئيس شيراك عام 1967 من اجل الدفاع عن مبادىء الجنرال شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة - ومنافسته سيجولين رويال مرشحة الحزب الاشتراكى الفرنسى الذى يعتبر من أقدم الاحزاب الفرنسية. الا ان حدوث المفاجأة غير مستبعد . ومن الممكن صعود فرانسوا بايرو رئيس حزب الاتحاد الديمقراطى الفرنسى (الوسط) أو جان مارى لوبن رئيس حزب "الجبهة الوطنية المتطرفة" الى الدور الثانى امام أحد المرشحين الرئيسيين ساركوزى او روايال. وبمقتضى القانون فقد توقفت جميع التصريحات والتعليقات والتوقعات تماما امس فى وسائل الاعلام وعلى الصعيد العام ' حتى أن السبت بدا وكأنة اجازة للجميع من مرشحين واعلاميين فى فرنسا. وعلى الرغم من استمرار "اجازات الربيع" فى فرنسا حتى اليوم الاحد فأن المراقبين يتوقعون نسبة اقبال أكبر من عام 2002 على التصويت. ويخوض الانتخابات الفرنسية هذا العام 12 مرشحا ينتمون لاحزاب وحركات مختلفة ثلثهم من السيدات . ويحدد الدور الاول من الانتخابات المرشحين الاثنين اللذين سيصعدان الى الدور الثانى من الانتخابات. والمرشحون هم بحسب الترتيب الذى أسفرت عنه القرعة : اوليفييه بيزانسنو (الرابطة الشيوعية) مارى جورج بوفيه (الحزب الشيوعى) ارليت لاجيلييه (الحركة العمالية) جيرار شيفاردى (يسانده حزب العمال) جوزيه بوفيه (المناهض للعولمة) دومينيك فوينيه (الخضر) فيليب دو فيلييه (الحركة من اجل فرنسا ) اليمينية المغالية فى التطرف فريدريك نيهوس (الصيد ) فرانسوا بايرو (الاتحاد الديقراطى الفرنسى -الوسط -) جان مارى لوبن (الجبهة الفرنسية - اليمينية -) سيجولين روايال (الحزب الاشتراكى) نيكولا ساركوزى "الاتحاد من اجل حركة شعبية - اليمينى".
وتستمر عملية الاقتراع 12 ساعة، وستتم للمرة الأولى تجربة التصويت الإلكتروني في بعض المراكز. آخر استطلاعات الرأي توقعت تأهل مرشح الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية) اليميني نيكولا ساركوزي ( 52 عاما) ومرشحة الحزب الاشتراكي سيجولين روايال (53 عاما) للجولة الثانية في السادس من مايو المقبل. المناخ العام فى فرنسا يعيد إلى الأذهان مجددا سيناريو وصول لوبن في انتخابات عام 2002 إلى الجولة الثانية ضد شيراك الذي فاز عليه. وأرجع ذلك وقتها إلى ضعف نسبة المشاركة ولجوء الناخبين إلى ما يسمى التصويت العقابي حيث صوتوا لأقصى اليمين وأقصى اليسار. ويبقى المرشحون الثمانية الآخرون وخمسة منهم من اليسار المتطرف وقد اكتفوا بأدوار ثانوية، ومن المؤكد أن الدورة الأولى ستخرجهم من السباق. وعود انتخابية ومع التقارب في استطلاعات الرأي بين ساركوزي وروايال وبايرو، يمثل جيل القادة الجديد الذي يعد بحلول جذرية لمشكلات البلاد المزمنة مثل البطالة (8%) وارتفاع الدين العام والأوضاع بالضواحي التي يقطنها المهاجرون. كما ركزت برامج المرشحين على العمل والأجور والضرائب والهجرة، إضافة إلى قضايا السياسة الخارجية مثل دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي. يشار إلى أن شعبية المرشحة الاشتراكية روايال قد تراجعت بعد أن تخللت حملتها الانتخابية تقلبات تكتيكية كثيرة في المواقف فاجأت مناصريها، كما كان لها هفوات في مواضيع عززت الانتقادات الموجهة لها مثل اقتراحها إرسال المجرمين الأحداث إلى معسكرات الجيش. وقد تدفع روايال ثمن تكتيك متوقع للاشتراكيين المترددين الذين قد يعطون أصواتهم لبايرو لأنه مرشح بقوة للتغلب على ساركوزي إذا خاضا جولة الإعادة، وبايرو يعد بما أسماه نسف الهوة القديمة بين اليمين واليسار التي يرى أنها تشل البلاد. أما ساركوزي فهو من أكثر الداعين إلى مقاطعة السياسة الفرنسية السابقة، وقد طرح خلال حملته مواضيع تعتبر تقليديا من اختصاص أقصى اليمين مثل اقتراحه استحداث "وزارة للهجرة والهوية الوطنية". لوبن من جهته خاض حملته الانتخابية الخامسة والأخيرة وهو يؤكد "انتصاره" في معركة الأفكار بفرضه مواضيع مثل الهجرة والهوية الوطنية في الحملة الانتخابية. الرئيس الفرنسي الجديد، الذي سيخلف الرئيس الراهن جاك شيراك، والذي سيتنحي عقب 12 عاماً في السلطة، سيواجه العديد من التحديات أبرزها إحياء الاقتصاد وفرنسا كقوى نووية وإنعاش سوق العمل بجانب محاولة كسب الفئة الشابة من المجتمع المسلم في البلاد. ولكن ماهو الجديد فى انتخابات الرئاسة الفرنسية هذه المرة الجديد يتركز في أمرين مهمين: الأول أنها الانتخابات الاولى التي تترشح فيها امرأة, وهي سيجولين روايال, وفي حالة فوزها بالانتخابات, ستكون بالتالي أول رئيسة' امرأة' للجمهورية الفرنسية , كما أنه في حالة فوز نيقولا ساركوزي فسوف يكون ثاني أصغر رئيس لفرنسا في تاريخها, باعتبار أن عمره52 عاما فقط, وكان قد سبقه فاليري جيسكار ديستان في انتخابات عام1974 وكان عمره48 عاما. أهمية منصب الرئاسة في فرنسا رئيس الدولة فى فرنسا لديه سلطات واسعة ونفوذ حقيقي بموجب القانون, بعكس غالبية الدول الأوروبية التي يكون فيها النفوذ الأكبر لرئيس الحكومة, ورئيس فرنسا هو الذي يختار رئيس الحكومة, ولديه صلاحية حل البرلمان, وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة, وصاحب القرار أيضا فيما يتعلق بالترسانة النووية. وعلى الرغم من ان الرئيس الحالى جاك شيراك كانت لديه فرصة لترشيح نفسه, الا انه اختار ترك منصب الرئاسة وترك المجال لآخرين . الشهور الثلاثة الاخيرة التى سبقت الانتخابات شهدت صدور مائة وأحد عشر (111) مؤلفا سياسيا ، بعض هذه الكتب من تأليف المرشحين أنفسهم، وبعضها الآخرحمل توقيع صحافيين أو سياسيين مخضرمين أو باحثين مستقلين. وهذه الإحصائية ليست نهائية فقد تواصل نشر الكتب السياسة، بعد ذلك، في الأسابيع القليلة الماضية. كتب كثيرة ، من وعن المرشحين الآخرين، لاقت رواجا متفاوتا، لكن من اللافت ذلك الإقبال الجماهيري على الكتب التي تتناول الرؤساء السابقين أمثال فاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران، وخصوصا الرئيس الحالي جاك شيراك، الذي يودع هذه الأيام ولايته الثانية، حيث ظهرت في الشهور الأخيرة عشرات الكتب التي تحاول التوغل في خبايا شخصيته وحياته وسياسته ومواقفه الدولية، حتى أن أحد هذه الكتب حمل عنوان "شيراك العرب"، على غرار اللقب الشهير "لورنس العرب"