في ظل الإحتقان السياسي الذي يعيشه لبنان منذ أشهر ،تدور المعركة الإنتخابية اليوم وسط مناخ متوتر وتنافس محموم ، حيث تنتقل الأزمة السياسية اللبنانية الى صناديق الاقتراع لتشهد نموذجاً من اختبار القوة بين الأكثرية،والمعارضة في انتخابات فرعية لمقعدين نيابيين في دائرتين انتخابيتين هما بيروت الثانية، والمتن ذات الأغلبية المسيحية شمال شرق العاصمة . الناخبون بدأوا التوجه الى مراكز الاقتراع عند الساعة السابعة بالتوقيت المحلى فى بيروت والمتن ،حيث يفترض ان يختار الناخبون نائبين بدلا من بيار الجميل الذى اغتيل فى نوفمبر 2006 ،ووليد عيدو الذى اغتيل أيضاً فى يونيو 2007..ومن المخطط أن ينتهي التصويت الذي يجرى وسط إجراءات أمنية مشددة الساعة السادسة مساء اليوم.
تناقض بين الدائرتين
بينما تبدو المعركة الانتخابية هادئة في الدائرة الثانية من بيروت، نظراً لأنها شبه محسومة لصالح محمد الأمين عيتاني -مرشح تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري من الأكثرية-وخليفة عيدو،وذلك نظراً الى غياب المنافسة الفعلية فى هذه الدائرة ،إلا أنها حامية حول المقعد المارونى فى دائرة المتن التابعة ل "جبل لبنان" لوجود مرشحين مسيحيين هما رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل والد بيار الجميل،ورئيس حزب الكتائب المنضوي تحت لواء تيار 14 آذارمن ناحية- وكميل خوري مرشح التيار الوطني الحر المعارض برئاسة النائب ميشال عون من ناحية اخرى. وجدير بالذكرأن مقتل النائب بيارأمين الجميل في نوفمبرالماضي على يد مسلحين، أحدث شرخا نوعيا بين القوى المسيحية -وخاصة المارونية منها- الموزعة على ضفتي تحالف 14 آذار و8 آذار.
وبينما تخوض الاكثرية معركتها تحت شعار الدفاع عن الخط السيادى ووقف الاغتيال السياسي، يخوض التيار الوطنى الحر معركته تحت شعار منع تهميش المسيحيين والدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية.
الصورتان المتناقضتان تعكسان واقع الانتخابات الفرعية التي تجري في محافظتي بيروت وجبل لبنان ، وخاصة أن انتخابات المتن يعتبرها كثيرون صراعاً على الزعامة المسيحية ومؤشراً لاتجاهات الرأي العام المسيحي الذي سلم زعامته عام 2005 للجنرال ميشال عون العائد من المنفى بعد 15 عاماً، أمضاها في فرنسا منذ إسقاط حكومته بالقوة العسكرية السورية عام 1990. يومها اكتسح عون بلائحته كل المقاعد، ما عدا مقعدا واحدا تركه خالياً فاز به النائب الراحل بيار الجميل الذي تجرى الانتخابات لملء مقعده. غير ان مؤشرات عام 2007 تختلف عن حسابات عام 2005، فالمزاج الشعبي تغير وشعبية عون تراجعت، لكنها لم تصبح اقلية بعد وفقاً لاستطلاعات الرأي، التي ترجح فوز مرشح تيار عون، لكنها لم تسقط احتمال فوز الرئيس امين الجميل لان النسب متقاربة جداً. استطلاع للرأي اجراه مركز بيروت للابحاث والدراسات، اظهر أن مقعد بيروت محسوم أمره لتيار "المستقبل"إلا أن مدير المركز عبدو سعد رصد منافسة شديدة في انتخابات المتن، وقال سعد فى تصريحات صحفية، ان الإستطلاع أظهر انه بالرغم من أن التوقعات تشير الى أن مرشح التيار سيفوز على الجميل، إلا ان المنافسة شديدة في المتن ومتقاربة من حيث النتائج. واشار الى ان شعبية عون تراجعت مسيحياً، لكنه رأى ان تحالفه مع حزب الله لم يكن السبب المباشر لذلك، بل الحملات الإعلامية التي يتعرض لها عون والتي صورته خليفة لايران وسورية. وتحدث سعد عن سلاح آخر يمتلكه الجميل، وهو سلاح نفسي باعتباره رئيساً سابقاً للجمهورية وشقيقاً لشهيد (الرئيس الراحل بشير الجميل) وابا لشهيد (نجله النائب بيار الجميل)، معتبراً ان "دم الشهيد ومقعد الشهيد" يلعبان دوراً اساسياً في تجييش عواطف الناس.
اما في ما يتعلق بانتخابات بيروت، فقد رأى سعد انها محسومة، حتى لو شارك حزب الله وامل (المقاطعان للإنتخابات) فلا يوجد امل جدي للمعارضة. وأشار بقوله«هناك كتلة اسلامية سنية كبيرة ، وتنتخب بنسبة عالية تبلغ 45 في المائة، فيما ينتخب الشيعة بنسبة تحت ال40 في المائة والارمن بنحو 15 في المائة وبقية المسيحيين بنحو 27 في المائة.
أهمية الدائرة الانتخابية فى المتن
يبلغ عدد الناخبين في منطقة المتن الشمالي 163069 ناخباً يتوزعون طائفياً كالآتي، موارنة (50298) وروم ارثوذكس (14638) وارمن (28637) وطوائف مسيحية اخرى 39615 وشيعة (1645) ودروز (1347). اقترع منهم 83562، يتوزعون كالآتي موارنة (30291) روم ارثوذكس (8363) وارمن (8222).
ويعتبر المراقبون ان الخريطة السياسية للمتن هي الاكثر تنوعاً وتوازناً بين كل الدوائر الانتخابية في لبنان، اذ تعد معقلاً لقوى سياسية عدة، في مقدمها حزب الكتائب وآل جميل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الطاشناق، اضافة الى الزعامة التاريخية لآل لحود بشقيهما، وزعامة آل المر، والحضور القوي والمستجد للتيار الوطني الحر، اضافة الى قوى اخرى مثل «القوات اللبنانية» .
ويعتبر المراقبون معركة المتن هي أبرز مقدمات معركة رئاسة الجمهورية، بل هي الافتتاح الفعلي لها ، حيث يزداد التوتر احتقاناً قبل زهاء شهر ونصف الشهر من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقبل انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود في 24 نوفمبر المقبل،خاصة في ظل خلاف على هذا الاستحقاق ،ومخاوف من حصول فراغ في الرئاسة في حال لم يتم التوافق بين الفرقاء المتخاصمين على اسم الرئيس المقبل. وبالرغم من أن نتيجة معركة المتن لن تعدل في ميزان القوى النيابي لأنها لن تنتهي الى أكثر من ملء مقعد نيابي شاغر، إلا أنها سيكون لها بالتأكيد دور وتأثير في ميزان القوى السياسي باعتبارها ستكون معركة التمثيل المسيحي وتدور قبل الانتخابات الرئاسية التي تشغل أذهان اللبنانيين حالياً. ولذلك اعتبر المراقبون أن معركة المتن على درجة كبيرة من الأهمية وتكتسب طبيعة مصيرية ومفصلية، وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة السياسية والانتخابية والاعلامية المتاحة، وتعمل فيها القوى السياسية والماكينات الانتخابية بأقصى طاقتها على التعبئة والحشد واستنفار العصبيات. ويرى المراقبون أن إنتخابات المتن تعتبر إختبارا حقيقيا للمسيحيين المنقسمين بين اثنين من المرشحين ، وأن الجميل بدوره يريد من هذه الانتخابات تحقيق النصر الذى يعتبره بمثابة انتقام سياسي لإبنه وزير الصناعة السابق الذي قتل في ظروف مجهولة.
وعلى رغم ان الانتخابات الفرعية تجرى على مقعدين نيابيين من أصل 128 مقعداً،إلا أن الملاحظ تصاعد الخلاف السياسي وامتداداته الإقليمية والخارجية ،وطرح الشعارات السياسية الكبرى قياساً الى محدودية المعركة في الانتخابات الفرعية التي عادة ما تغلب عليها المنافسة العائلية والمناطقية والمحليةو يبلغ عدد الناخبين المسجلين في بيروت الثانية أكثر من 140 ألفاً موزعين على 250 مركزإقتراع،بينما يبلغ في المتن الشمالي أكثر من 165 الفاً موزعين على 348 مركزإقتراع. الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة دعت الى هذه الانتخابات رغم رفض رئيس الجمهورية اميل لحود توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.وجدير بالذكر أن لحود يعتبر الحكومة فاقدة للشرعية منذ ان استقال منها ستة وزراء، بينهم خمسة وزراء شيعة، فى 11 نوفمبر الماضي.
الاولوية إذن اليوم كما يطمع اللبنانيون، ان ينقضي اليوم الانتخابي بسلام، حيث تعتبر المتن الشمالي من اكثر المناطق تعقيدا من الناحيتين الامنية والسياسية على حد سواء، خصوصا ان البلاد لا تحتمل، جبهة اخرى في حين يواجه الجيش مشكلة شديدة الحساسية في مخيم نهر البارد، وحيث يتزايد عدد الضحايا على نحو مأساوي (3 ضباط و3 جنود في 3 ايام)، ودون ان تتبلور الصورة النهائية للوضع هناك في مواجهة تنظيم لم ينقض على تواجده في البلاد سوى اشهر. 5/8/2007