مدينة اصفهان عروس جميلة تمتاز بالطبيعة الخضراء الساحرة تقع على بعد 340 كلم جنوبطهران، تجذب ببهائها الزائرين وتأسر قلوبهم ببساتينها الساحرة وأنهرها الجارية وغاباتها الرائعة. يسميها الايرانيون 'اصفهان نصف جهان' أي اصفهان نصف العالم، فهي مدينة المساجد وصناعة السجاد والصناعة اليدوية. وكانت فيما مضى مهدا أدبيا، ومسرحا حضاريا خلال فترة طويلة من الزمن. اختارتها اليونسكو كمدينة تراث انساني وكانت العام الماضي عاصمة الثقافة في العالم الاسلامي. لكن ما سلط الأضواء هذه المرة على اصفهان لم تكن مكانتها المرموقة في السياسة والحضارة الايرانية ولا مركزها النووي الذائع الصيت بل كان السبب اختيارها لاستضافة اكبر اولمبياد وحدث علمي في تاريخ ايران، تجري هذه الأيام استضافة علمية بمناسبة الدورة الثامنة والثلاثين للاولمبياد العلمي العالمي للفيزياء في اصفهان. اهتمت وسائل الاعلام الايرانية كثيرا بهذا الحدث كما يغطيه عدد كبير من المراسلين الأجانب. وجانب من هذا الاهتمام يرجع الى الوضع الدولي الخاص الذي تعيشه ايران في ظل ملفها النووي المثير للجدل والعقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن التي وصلت الى مرحلة وضع تقييدات على الأعضاء الايرانيين من قبل بعض المجاميع العلمية في اميركا. وتسعى ايران من خلال اقامة مثل هذه الدورات الى أن تعيد مكانتها التاريخية الى الاذهان كمهد للكثير من العلماء ومنار للعلوم حسب الاعلام الرسمي الايراني. وترى في استضافتها لمثل هذا الحدث العلمي، الذي يشارك فيه طلاب وتلاميذ من عدد كبير من الدول مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا، دلالة واضحة على أمن واستقرار ايران. هذا ما صرح به رئيس البرلمان الايراني غلام علي حداد عادل في خطابه في حفل الافتتاح قائلا: ان استضافة هذه الدورة من المسابقات العلمية العالمية للفيزياء تعتبر فخرا للجمهورية الاسلامية الايرانية ومؤشرا على التزام ايران بالسلام العالمي وأضاف: ان ايران أثبتت من خلال اقامة هذا الأولمبياد جدارتها وكفاءتها والتزامها بالتقدم العلمي وتنمية السلام والصداقة بين الشعوب. كما تريد ايران من خلال استضافة مثل هذا التطور العلمي أن تدل على جدارتها وامتلاكها كفاءات علمية وفنية تراه نتيجة انتصار الثورة الاسلامية في لعب دور مؤثر وممتاز في تقدم العلوم والتقنية في مختلف المجالات. وبالتالي ترى ايران في هذه المناسبة فرصة لكي يتعرف العالم عن قرب على ثقافة وحضارة ايران الاسلامية من خلال حضور الاعلام العالمي ومشاركة اكثر من 400 تلميذ واستاذ فيزياء من 75 دولة في العالم. إيران والأولمبياد بدأت مشاركة ايران في الاولمبياد العالمية للفيزياء بعد انتصار الثورة الاسلامية فيه واحرز الطلبة الايرانيون خلال مشاركتهم في ثماني عشرة دورة 28 ميدالية ذهبية و28 ميدالية فضية و12 ميدالية برونزية و10 شهادات فخرية. كما أحرز فريق ايران لسنتين المرتبة الثانية في الأولمبياد. وتولي ايران اهتماما كبيرا لهذه المسابقات وتدعم التلاميذ للمشاركة، حيث تقدم للفائزين في هذه المسابقات في المجالات العلمية المختلفة حوافز كدخول الجامعات من دون مشاركة في الاختبار السنوي العام للجامعات (كنكور) الذي يشارك فيه اكثر من مليون ومائتي الف شخص لدخول الجامعة وأيضا الاعفاء عن الخدمة العسكرية الواجبة على كل الشباب لفترة سنتين. الأميركيون في أصفهان وبالرغم من حرمان الفريق الايراني من المشاركة في مسابقات سنة 1993 التي أقيمت في الولاياتالمتحدة الاميركية لامتناع الاميركان من اصدار تأشيرة للفريق الايراني، لكن الايرانيين لم يعاملوهم بالمثل بحيث يشارك في هذه الدورة فريق اميركي متكون من 9 أشخاص من دون أن يواجه مانعا، ويقول روبرت شوارتز المشرف على الفريق الاميركي انه تكون لديه انطباع ايجابي لتواجده في اصفهان بعد الاهتمام الجيد الذي أولاه المسؤولون الايرانيون بالفريق، معربا عن امله للتمتع بجمال مدينة اصفهان ومواقعها الأثرية. وفاة المؤسس والرئيس وهيمن على الاجواء حدث غير متوقع في هذه الدورة من الأولمبياد، وهو وفاة رئيس اللجنة الدولية لاولمبياد الفيزياء فجأة يوم الاحد اثر تعرضه لنوبة قلبية. وكان الدكتور فالدمار غورشكوفسكي الرئيس البولندي الدائم للجنة الدولية لاولمبياد الفيزياء بعمر يناهز ال،48 يعد الأب الروحي والمبدع والمؤسس لهذا الحدث العلمي. وخيمت أجواء الحزن على المشاركين، حيث أعرب الجميع عن اسفهم البالغ لوفاة غورشكوفسكي وفقدانه. قالت مايا اهتي استاذة كلية العلوم والرياضة في جامعة يوكاشووليا في فنلاندا التي كانت لسنوات مساعدة غورشكوفسكي في الأولمبياد انه كان 'قلب الأولمبياد الخفاق' و'مبدعه' واعتبرت فقدانه ثلمة لا تسد بسهولة. وأعلن اثر وقوع هذا الحادث المؤسف يوم الاثنين في اجتماع لجنة اقامة الاولمبياد العالمي في اصفهان عن تدشين جائزة للاولمبياد العالمي للفيزياء باسم جائزه 'غورشوفسكي' تهدى الى بطل الاولمبياد العالمي للفيزياء لعام 2007 تكريما للجهود التي بذلها غورشوفسكي خلال سنوات عمره في هذا المجال. وكان غورشوفسكي أيضا المبدع والمشرف على مسابقات عالمية أخرى للتلاميذ في مجال الفيزياء بعنوان 'الخطوة الأولى نحوجائزة نوبل'. ما هو أولمبياد الفيزياء؟ يشارك في الأولمبيادات العالمية ومنها اولمبياد الفيزياء تلاميذ المدارس الثانوية في السنتين الأخيرتين. وكانت هذه المسابقات من ابداع الدول الاشتراكية، حيث أقيم اول اولمبياد عالمي للفيزياء قبل اربعين عاما في سنة 1967 في مدينة ورشو وشارك فيه أربع دول فقط: بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا. لكن اتسعت رقعة المسابقات بعد ذلك وانضمت باقي الدول اليها وكانت السويد أول دولة غير اشتراكية تستضيف الأولمبياد سنة 1984. يقام هذا المهرجان العلمي سنويا في احدى الدول المشاركة بحيث تتاح الفرصة لكل دولة شاركت في المسابقات لثلاث سنوات متتالية أن تتقدم بطلب الاستضافة هذا وقد تم الى الآن تعيين الدول المضيفة للدورات التالية حتى سنة ،2024 هذا وقد قدمت ايران التي شاركت في المسابقات للمرة الاولى في سنة 1989 طلبها للاستضافة في سنة1991 ليتم تعيينها بعد سنة البلد المستضيف للدورة الثامنة والثلاثين للاولمبياد العلمي العالمي للفيزياء في سنة 2007. وتتكون المسابقات العلمية من مرحلتي الاختبار النظري المكون من ثلاثة أسئلة في اليوم الأول والاختبار التجريبي المكون من سؤال واحد في اليوم الثاني يجيب عنه المشاركون خلال فتره خمس ساعات. ويتم اعداد الأسئلة عن طريق الخبراء في البلد المستضيف ثم تتم دراستها قبل اجراء المسابقات بحضور المشرفين على الفرق المشاركة ويتم خلالها حجز الطلاب المشاركين حتى بدء الاختبار. وقد جرت مرحلة الاختبار النظري ومرحلة الاختبار التجريبي وبدأت مرحلة تصحيح أوراق المتسابقين من قبل 86 شخصا من أساتذة الفيزياء الايرانيين باشراف المراقبين في فترة لا تتجاوز ال 72 ساعة للاختبار النظري و60 ساعة للاختبار التجريبي ثم تتم بعد ذلك مناقشة الدرجات وتعيين الفائزين. وتم توزيع الأوسمة والميداليات في اليوم التاسع من المهرجان المصادف الاحد الماضي على الحائزين على أعلى نسبة من الدرجات، حيث يكسب 6% من الحائزين على أعلى درجة في مجموع الاختبارين الميدالية الذهبية ويفوز 18% منهم بالميدالية البرونزية و36% بميدالية الدبلوم الفخري. وقد اختارت ايران عدة جوائز من الصناعات اليدوية الايرانية المنقوش عليها علامة الأولمبياد العالمي. ومن فعاليات الأولمبياد الأخرى بدء الجلسات السنوية للمجمع العالمي واللجنة العلمية للأولمبياد، كما ستقام مراسم اختتام المسابقات العلمية وسيتم نشر كتاب لتغطية فعاليات هذا الحدث العلمي خلال بضعة أشهر من قبل اللجنة المنظمة.