الأمن والأمان والاستقرار فى العراق، هل انتهوا الى غير رجعة ؟ سؤال يفرض نفسه بإلحاح مع كل خبر جديد عن التفجيرات الانتحارية، والتى تسفر عن وقوع عشرات الضحايا .. أمس السبت 6/7، شهدت العراق يوما داميا جديدا خلف مئات القتلى والجرحى نتيجة ثلاث انفجارات متتالية: الأول: شاحنة ملغومة اقتحمت سوقاً شعبية في قرية أمرلي التركمانية الشيعية الواقعة شمال بغداد.. هدمت المنازل والمتاجر وحصدت أرواح 150 شخصاً وأصابت 250 آخرين. الثاني: قيام انتحاري بتفجير نفسه في سرادق عزاء بإحدي القري الشيعية في محافظة ديالي شمال بغداد أيضاً.. فسقط 22 قتيلاً و15 جريحاً. الثالث: مصرع 26 شخصاً وإصابة 33 في انفجار قرب مقهي بنفس المحافظة. الانفجارات الثلاثة وقعت في وقت لا يتعدي الساعتين..
الإنفجار الأول فى آمرلى كان الأقوى حيث سقط بين الضحايا 20 طفلا و30 امرأة، وتم نتيجة إنفجار شاحنة مفخخة يقودها إنتحاري في وسط سوق شعبية ببلدة آمرلي التابعة لمدينة طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين التي تبعد نحو 125 كلم شمال بغداد. التفجيرالذي أسفر أيضاً عن انهيار 40 منزلا بالكامل، فضلا عن تدمير 50 محلا تجارياً بالسوق وعدة سيارات،وقع وسط سوق شعبي بالبلدة ذات الأغلبية التركمانية في الصباح الباكر حيث تكون المنطقة عادة مكتظة.
وتعد هذه العملية الأولى من نوعها في هذه البلدة الواقعة على الطريق بين كركوك وتكريت الذي يشهد هجمات بصورة شبه يومية. و يشير المراقبون الى أنه أحد أكثر التفجيرات الفردية دموية التي شنها مسلحون في العراق منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة ضد البلاد عام 2003 . كما وجه الهجوم ضربة للحملة الأمنية المدعومة من الولاياتالمتحدة في العراق، وسلط الضوء على قدرة المتشددين على تنظيم هجمات كبيرة بالرغم من وصول نحو 30 ألف جندي أمريكي إضافي.
ويشن حالياً عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين والعراقيين عمليات في بغداد وحولها جزئيا لاستهداف مصانع اعداد السيارات الملغومة التي يقول قادة عسكريون إن تنظيم القاعدة يديرها.بينما يلقى مسؤولون أمريكيون بمسئولية تفجيرات السيارات الملغومة على تنظيم القاعدة الذي يقولون إنه يحاول اثارة حرب أهلية شاملة بين الأغلبية الشيعية والأقلية من العرب السنة في البلاد. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وصف التفجير، الذي أوقع أكبر خسارة بشرية في هجوم واحد في العراق ، بأنه جريمة نكراء. وقال المالكي إن الهجوم يظهر أن منفذيه يسعون بأي صورة "لكسر الخناق المفروض عليهم". ويرى المراقبون ان الإنفجار في آمرلي يرتبط بالتطورات السياسية في كركوك، اذ من المنتظر ان يتم اجراء استفتاء على وضع الإقليم بنهاية هذا العام. وتعتبر كركوك ذات اهمية خاصة نظرا لانها غنية بالنفط، ويطالب الاكراد بان تكون عاصمة لهم. ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة من الهجمات التي تعرض لها العراق في اليومين الاخيرين، والتي اسفرت عن مقتل العشرات من العراقيين.
وتأتي هذه التفجيرات خاصة تفجير أمرلى في نفس السياق الطائفي لحوادث التفجيرات فى العراق، حيث تضرب طائفة التركمان لأول مرة بكل هذا العنف ؛ الأمر الذي سيمثل ضربةً جديدةً للنسيج الطائفي الذى تمزق بعد احتلال العراق عام 2003؛ إذ سيدخل التركمان في قائمة الطوائف التي تمارس ضدها عمليات العنف المنتظمة . وقد إطلق أسم التركمان على العراقيين ذوى الأصول التركية الذين يتمركزون منذ فترة تتجاوز الألف عام في المناطق الشمالية والوسطى، حيث ينتشرون في محافظات الموصل وأربيل وكركوك وديالى وصلاح الدين وفي بعض أحياء مدينة بغداد، . ويشار الى ان عدد التركمان فى العراق لا يقل عن ميلوني نسمة. وكان تفجيراً آخر قد دمر وسط قرية زركوش قرب حدود العراق مع ايران التي يقطنها تركمان شيعة وقتل 22 شخصا وأصيب 17 آخرين يوم الجمعة الماضى في هجوم استهدف مجموعة من الشيعة الاكراد في القرية . وكان الضحايا في طريق عودتهم من جنازة في المنطقة. وتقع القرية في محافظة ديالى المضطربة حيث تقود القوات الامريكية والعراقية المشتركة هجوما ضد مسلحين من تنظيم القاعدة. وقد تعرضت بعض اماكن تواجد التركمان في المنطقة منذ فترة الى تفجيرات مماثلة اوقعت قتلى وجرحى مثل منطقة سليمان بيك وداقوق بمحافظة كركوك،عندما قتل 17 شخصا واصيب 67 اخرون معظمهم من المدنيين في 21 يونيو الماضي جراء هجوم انتحاري، نفذ بواسطة صهريج مفخخ استهدف مجمعا يضم مديرية شرطة سليمان بيك والمجلس المحلي والمكاتب الادارية. و يعتقد المراقبون أن هذه التفجيرات تأتى رداً على الحكومة العراقية بعد أن أكدت أن عدد القتلى المدنيين في البلاد انخفض خلال شهر يونيو الماضي إلى أدنى مستوى له منذ بداية تطبيق خطة بغداد الأمنية في شهر فبرايرالماضي. فقد ذكرت الحكومة أن عدد القتلى المدنيين الذين قضوا في أعمال عنف خلال شهر يونيو الماضي بلغ 1227 شخصا، أي أقل بنسبة 36 بالمائة مقارنة بعدد من قتلوا خلال شهر مايو الماضي والذي بلغ 1949 مدنيا. كما انخفض عدد الجثث التي كان يتم العثور عليها يوميا في العاصمة وعلى أطرافها العام الماضي من نحو 40 الى 50 جثة إلى نحو 20 إلى 30 جثة الشهر الماضي. إلاَّ أن الحوادث الأخيرة تشير الى أنّ الإمور لازالت متردية في العراق، حيث لا تزال السيارات المفخخة والعبوات المزروعة على جوانب الطرق، وعلى وجه الخصوص في العاصمة بغداد والمحافظات المحيطة بها. وتشير التقديرات الامنية الى تصاعد الخسائر الأميركية أيضاً في العراق خلال الأشهر الثلاثة الماضية والتى كانت الأكثر دموية بالنسبة للجيش الأمريكي منذ غزو البلاد عام 2003، إذ شهدت مقتل 330 جندي، منهم أكثر من مئة سقطوا الشهر الماضي. ويذكر أن وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، كان قد حذَّر خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن كلا من الإدارة الأمريكية والكونجرس من أن انسحاب الجيش الأمريكي من العراق في ظل الوضع القائم سيؤدي حتما الى "تقسيم البلاد على أساس طائفي واثني ولن يعود هناك حكومة وطنية قادرة على توحيد البلاد وحفظ الأمن فيها".
بعد كل هذه المجازر و المآسي التي حلت بشعب العراق يستغرب المرء كثرة هذه الجرائم و تكرارها بنفس الطريقة و الأسلوب... والسؤال هو كيف يتم وقف هذا الدمار والتخريب الذي أمتد الى كل مكان في العراق حتى تحول إلي جحيم لا يطاق..