تساءلت في نهاية مقالي هنا في "وجهات نظر"، الأسبوع الماضي، عن "فرصة أوباما في الشرق الأوسط"، مبرزاً أن زيارته المقبلة للمنطقة ستكون فرصة مواتية لوضع خريطة طريق تساعده على إطلاق مبادرة لحل أعقد وأكثر الأزمات المستعصية في العالم، وتكون شبيهة بمبادرة كامب ديفيد 2 التي سعى لإنجاحها بيل كلينتون في نهاية ولايته الثانية عام 1999. ولكن سؤال اللحظة الذي يطرح نفسه اليوم أيضاً هو: هل لدى أوباما وإدارته الاستعداد لخوض منازلة حقيقية ضد نتنياهو، والضغط على إسرائيل لتحقيق رؤية حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، اللتين تعيشان معاً جنباً إلى جنب؟ ويأتي أوباما إلى الشرق الأوسط في أول زيارة رسمية له كرئيس للولايات المتحدة بدون خطة عمل، وبدون مبادرات خلاقة وجريئة، وقلل نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي من أهمية وأبعاد الزيارة، التي ستشمل إسرائيل والضفة الغربية والأردن وتستمر أربعة أيام، لتكون زيارة إنصات واستماع وأخذ ملاحظات، وتقويم للأوضاع في المنطقة... فهي إذن زيارة استكشافية، وتعارف وتعرف، وليست زيارة استراتيجية تؤسس لخريطة طريق، وتطلق مبادرات حول الصراع العربي الإسرائيلي، وإحياء مفاوضات السلام، ومناقشة الملفات الساخنة في منطقة مشتعلة من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، ولذلك فهي بحاجة إلى عناية ودور أمريكي قيادي، ولكن هذا الدور يبقى غائباً ومتردداً. يأتي أوباما إذن إلى هذه المنطقة الحيوية المهمة في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية بدون خطة عمل وبدون خريطة طريق وبدون مبادرات أو آلية ضغط على الأطراف المعنية في وقت تبدو فيه ملفات المنطقة مشتعلة ومتداخلة ومعقدة. فهناك عملية السلام المجمدة، وملف إيران النووي والمشروع الإيراني في المنطقة، وهناك الثورة السورية الدامية التي دخلت عامها الثالث دون حل في الأفق، وهناك وجود الإسلام السياسي في المنطقة، وهناك عودة خطر "القاعدة" في المنطقة من سوريا (جبهة النصرة) إلى مالي في الصحراء الأفريقية. وهناك الدور الأمريكي المتراجع الذي لا يريد أن ينغمس في حروب وصراعات في المنطقة بسبب إيديولوجية الفريق الأمريكي الجديد ومع وجود شخصيات واقعية وبراجماتية مثل أوباما، وكيري وهاجل في وزارتي الخارجية والدفاع. ولذلك لا نرى دوراً أمريكياً محورياً اليوم في المنطقة. فأمريكا تركت ل"الناتو" وفرنسا وبريطانيا عمليات التدخل العسكري في ليبيا، وساهمت عن بُعد بتقديم الدعم والإسناد اللوجستي في إسقاط نظام القذافي. وسميت هذه الاستراتيجية العسكرية الأمريكيةالجديدة "القيادة من الخلف" leading from Behind. وتكرر المشهد نفسه في مالي عندما تركت الولاياتالمتحدةلفرنسا عملية القضاء على "القاعدة" في شمال ذلك البلد... وتفعل اليوم الشيء نفسه في سوريا على رغم تعديل الموقف الأمريكي حول تزويد الثوار بدعم وإسناد غير عسكري، وتخصيص بضعة ملايين من الدولارات للمساعدات غير العسكرية. ولكن أمريكا لا تعارض ما اقترحه "أولاند"، ومعه البريطانيون، من رفع منع الاتحاد الأوروبي حظر إمداد الأسلحة للثوار السوريين -لا بل تزويد فرنسا وبريطانيا لهم بالسلاح حتى إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على رفع المنع والحظر. ووسط كل هذا الصخب وحقول الألغام تلك، لا يوجد حضور ولا يوجد دور واضح ومباشر لواشنطن في هذه الملفات الشائكة! وهذا لا شك يثير الكثير من التساؤل، وحتى القلق، من غياب القيادة والزعامة الأمريكية، في وقت يزداد فيه الحضور والتحدي والعناد الروسي، ويعود خطر "القاعدة" في المنطقة، وتنهمك واشنطن في صراع ذي جولات من المواجهات بين إدارة أميركية تصارع باستمرار قيادات الحزب الجمهوري في الكونجرس حول الضرائب والدَّين العام والعجز في الميزانية، ووصل الأمر إلى التهديد بإغلاق العاصمة واشنطن! وإجبار إدارة أوباما على خطط للتقشف بدأت في مطلع شهر مارس الجاري بأكثر من 85 مليار دولار تطال برامج خدمية واجتماعية، بل وتخفض الإنفاق العسكري، وخاصة لسلاح البحرية الأمريكي، ما اضطر واشنطن إلى أن تسحب حاملة طائرات من الخليج العربي، وتكتفي لأول مرة منذ سنوات بحاملة طائرات واحدة. ويبدو المشهد الأمريكي من وجهة نظرنا في المنطقة مرتبكاً ومنكباً على الشؤون الداخلية، وصراع الإرادات بين إدارة أوباما وخصومها الجمهوريين. وحتى إذا كان هناك من التفاتة أمريكية للشأن الخارجي، فقضايا منطقة الشرق الأوسط على رغم أهميتها واستراتيجيتها، لا يبدو أنها تحتل مرتبة متقدمة لدى صناع القرار في واشنطن. فهناك المواجهة المحتدمة مع الصين وكيفية احتوائها وتأخير زعامتها للاقتصاد العالمي، وهناك روسيا التي باتت تزعج وتتحدى أمريكا في مراكز نفوذها لتبقى واشنطن بذلك منهمكة في مناطق ليست من ضمن مناطق النفوذ الروسي. وهناك كوريا الشمالية المتمردة التي تهدد واشنطن بضربة نووية استباقية... ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية لإصدار تحذير وزيادة بطاريات صواريخ القبة الحديدية الأمريكية المضادة للصواريخ على ساحلها الغربي على المحيط الهادي بتكلفة تتجاوز المليار دولار أمريكي. ومن أجل كل ذلك أتت المبادرة الأمريكية في العام الماضي التي عرفت بالاستدارة نحو آسيا والصين والمحيط الهادئ Pivot Towards Asia ما يزيد من قلق حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط من توجهات إدارة أوباما الثانية. وكان المفترض من زيارة أوباما الأولى، التي طال انتظارها، إلى المنطقة، وهو الذي مضت على رئاسته خمسة أعوام، أن تطمئن حلفاء واشنطن، وليس إسرائيل فقط التي يسعى لطمأنتها حول الالتزام الأمريكي بمنع إيران من أن تصبح قوة نووية، ولذلك عشية زيارته لإسرائيل يخبر القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن إيران بحاجة إلى أكثر من عام لتمتلك القنبلة النووية. وأن واشنطن لن تسمح بذلك وكل خيارات واشنطن على الطاولة، في إشارة لنتنياهو الذي يجهد منذ شهرين لتشكيل حكومة ائتلافية قبل وصول أوباما لتل أبيب الأربعاء القادم. وكان نتنياهو حذر من منبر الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي من أنه في الصيف القادم ستمتلك إيران القدرة النووية. ولذا فإن زيارة أوباما لإسرائيل زيارة طمأنة وعلاقات عامة، وتأكيد على الشراكة الاستراتيجية وخاصة حول ملف إيران، وتعيينه لهاجل وزيراً للدفاع، الذي ينظر إليه على أنه ليس موالياً بالقدر الكافي لإسرائيل، أكثر منها زيارة تحريك وإحياء لعملية السلام أو للضغط على حكومة نتنياهو الجديدة لتقديم تنازلات. وعلى رغم كون أوباما هو أول رئيس في البيت الأبيض يتبنى حل الدولتين، إلا أنه على ما يبدو سيفوت فرصة تُسجل له لتنهي الانحياز الأمريكي، وترفع أسهم أمريكا في العالمين العربي والإسلامي، وتُنهي شوائب العداء والكراهية التاريخية، وتحقق إرثاً يضع أوباما بين الرؤساء الأمريكيين الكبار! كما أن من الملفت أيضاً ألا تشمل زيارة أوباما مصر والسعودية، الدولتين المحوريتين في المنطقة، أو أياً من جمهوريات "الربيع العربي"، ومنطقة الخليج العربي... وهذا يُدلل على الدور المتراجع للولايات المتحدة، وعلى الأولويات المتبدلة لديها، وأزمة الثقة التي لاشك تطل برأسها في أكثر من عاصمة في دولنا العربية حول مدى الالتزام والحرص الأمريكي على طمأنة حلفاء واشنطن المهمين، وليس إسرائيل فقط! نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية