المصريون مؤمنون بالفطرة وكان الدين ومازال عنصرا أساسيا في تكوين الشخصية المصرية وقبل أن تهبط الأديان على البشر انتشرت نظريات التوحيد في مصر القديمة ثم عبرت الرسالات السماوية على الأرض المصرية في عدد من الأنبياء والرسل عليهم السلام.. وفي قصص الأنبياء كانت مصر عاملا مشتركا بين العقائد السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام وفي مصر تجمعت شواهد كثيرة لهذه الأديان ابتداء بالشخوص وانتهاء بالآثار.. ولهذا فإن تقسيم المصريين إلى مؤمنين وغير مؤمنين أو إلى مؤمنين وكفار كما يحلو للبعض تقسيم باطل وغريب لأن حياتهم ارتبطت دائما بفكرة التوحيد في النيل حين يفيض والزرع حين ينمو والحصاد حين يجيء كان ارتباط المصريين طوال تاريخهم بالخالق سبحانه وتعالى تأكيدا على أننا أمام شعب مؤمن متدين يحترم الأديان كل الأديان ويؤمن بالرسل والأنبياء عليهم السلام ولقد فشلت جميع المحاولات التي سعت إلى نشر الخلافات والصراعات الدينية سواء تلك التي شهدتها مصر في عهود الاستعمار والاحتلال أو تلك التي حاولتها الأنظمة القمعية التي فرقت بين أبناء الوطن الواحد تحت دعاوى كثيرة من بينها الدين.. من هنا كان الدين دائما أبعد ما يكون عن السياسة لأن للأديان قدسيتها ورهبتها في ضمير المصريين وقليلا ما اختلط الدين مع السياسة في بعض المراحل التاريخية رغم أن السياسة لم تكن يوما هدفا للإنسان المصري أمام أساليب الاستبداد والقمع والترصد.. ومنذ قامت ثورة يناير ونجحت في إسقاط النظام السابق ظهر الدين كعامل سياسي مؤثر في الشارع المصري وتعددت التيارات التي حملت الشعارات الدينية وكان في صدارتها ثلاثة اتجاهات رئيسية هم الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعة الإسلامية.. كان تاريخ الأخوان صفحات معروفة للمصريين كتيار ديني وفكري تأسس منذ عشرات السنين وتعرض لمطاردات كثيرة وكانت الجماعة الإسلامية ذات حضور في الشارع المصري خاصة مع عمليات العنف التي اجتاحت مصر في فترة الثمانينيات والتسعينيات الا أن مفاجأة الثورة كانت ظهور السلفيين بهذه القوة وهذه التعددية في الثوابت والأراء وهذا المظهر الخارجي الذي اختلف تماما عن صورة المصريين التاريخية.. في نشوة نجاح الثورة وإسقاط النظام رحبت التيارات السياسية بإختلاف توجهاتها بالتيارات الإسلامية وساندتها بقوة وتم الإعلان عن إنشاء عدد كبير من الأحزاب الدينية كان في مقدمتها حزب الحرية والعدالة وحزب النور وعدد من الأحزاب الدينية الأخرى.. كان ينبغي مع إعلان ظهور هذه الأحزاب أن تمارس نشاطها السياسي في ظل مفاهيم سياسية تحترم حقوق الإنسان وتؤمن بالمعارضة والرأي الآخر وتعترف بالديمقراطية كأسلوب حكم رغم أن التيارات الإسلامية كانت دائما تعلن رفضها للديمقراطية الغربية بمفهومها الحديث.. إلا ان الأحزاب السياسية الإسلامية أعلنت قبولها لهذا الطرح مؤكدة حق الناخب في صناديق الانتخاب وهي المعيار الحقيقي للديمقراطية.. لم تستمر طويلا هذه القناعات عند التيارات الإسلامية وسرعان ما أعلنت عن وجهها الحقيقي أنها لا تقبل الحوار السياسي.. وتحاول دائما أن تصبغ كل شيء بالدين بل أنها تمادت في الفتاوى والأحكام التي تكفر الآخرين وتعتبر أنهم ضد الأديان.. وهنا انتقلت مفاهيم وثوابت هذه الأحزاب من الفكر السياسي الذي روجت له مع ظهورها إلى فكر ديني متجمد يرفض الحوار ولا يؤمن بالمعارضة أو بالرأي الآخر وهنا كان الانقسام والصدام بين القوى الإسلامية والقوى السياسية الأخرى.. وقد حاولت التيارات الدينية السيطرة الكاملة على حركة المجتمع وفرض هيمنتها على كل المواقع تحت دعاوى التصويت وصندوق الانتخابات.. وأمام نسبة من الأمية تقترب من 20 مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون وأمام عشرات العشوائيات التي تجمع الملايين من البشر وأمام نسبة من الفقر تجاوزت 40% من أبناء المجتمع كان من السهل أن تجتاح التيارات الدينية الساحة السياسية وتحاول فرض الوصاية الكاملة على الواقع السياسي المصري لأنها لا تطرح فكرا سياسيا يمكن ان نختلف عليه ولكنها تطرح ثوابت دينية لا يجوز الخروج عليها.. هنا ظهرت انقسامات الشارع المصري أمام الملايين الذين يقدرون دور الدين وثوابته ودور السياسة ومتغيراتها مع الملايين من الأخوة الأقباط.. وملايين أخرى ترى أن الشارع المصري لا ينقصه التدين ولكن تنقصه إدارة حكيمة تواجه المشاكل وتحل الأزمات.. وتصدرت مجموعة من المشايخ الساحة السياسية بأساليب فجه في الهجوم والتشكيك والفتاوى حتى وصل بنا الحال إلى الدعوة لقتل المعارضين وانتهاك الحريات تحت دعاوى دينية افتقدت الحكمة والصواب.. وهنا أفصحت الأحزاب الدينية عن وجه لا يتناسب مع مبادىء ثورة أطاحت بنظام سياسي مستبد لتجد نفسها أمام نظم دينية أكثر قمعا واستبدادا.. وكان السبب في ذلك كله هو هذا الخلط المريب بين دور الأحزاب السياسية وتوجهاتها الدينية.. اختلطت الأوراق وبدا وكأن مصر قد اسلمت بعد كفرها وأن خيول ابن العاص قد دخلت المحروسة وأن صوت بلال يصدح لأول مرة في ربوعها رغم أن المصريين أكثر شعوب الأرض صلاة وصوما وتدينا.. لم يكن غريبا وسط هذا الجو المشحون أن تصدر محكمة القضاء الإدراي بالاسكندرية حكما تاريخيا في الأسبوع الماضي برئاسة المستشار د. محمد عبدالوهاب خفاجي وعضوية المستشارين عوض الملهطاني وخالد جابر وأحمد درويش وعبدالوهاب السيد بأنه لا يجوز للائمة العبث بمنابر المساجد لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية وأن مسئولية الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف هي التصدي لوقف فوضى الفتاوى وقصرها على دار الإفتاء خاصة المسائل الخلافية.. وقال نص الحكم لقد عاش المسلمون في ظلم وظلام بسبب خلط الدين بالسياسة وأن مصر أحوج ما تكون في هذه الفترة لتوحيد الهدف ونبذ الفرقة وقد حظرت المحكمة في حكمها إصدار الفتاوى من غير دار الإفتاء لأن الدين ليس سلعة تباع وتشترى على القنوات الفضائية لكنه منهج حياة لصالح الوطن.. في جانب آخر تلقيت رسالة من مسئول سابق في دولة الإمارات العربية هو السيد علي محمد الشرفا الحمادي مدير ديوان الرئاسة في دولة الإمارات العربية في عهد الشيخ زايد رحمة الله عليه يقول فيها إن مصر تمر في هذه الأيام بمنعطف خطير اهتزت فيه قيم الإسلام النبيلة وتعالت صيحات الاغتيال باسم الإسلام دين الرحمة والعدل والسلام لقد طفى على السطح أناس نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين ولهذا لابد من تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة بأن يتم إنشاء هيئة عليا للدعوة والإرشاد يتم تشكيلها من شيخ الأزهر وكبار العلماء ووزير الأوقاف وفضيلة المفتي تكون مهمتها مواجهة المفاهيم الخاطئة التي تتناقض مع قيم القرآن وتتعارض مع سيرة رسولنا من خلال حملة مكثفة لتبصير الناس بديننا الحنيف من أجل سلام المجتمع وسلامة الفرد وحماية حريته وحياته.. لم يكن أحد يتصور في يوم من الأيام أن يصل حال المصريين إلى هذه الدرجة من الانقسامات التي تجاوزت الشارع وقواه السياسية والدينية لتدخل وتقتحم الأسرة المصرية.. أن الخلط بين الدين والسياسة وتكفير بعض فئات المجتمع والدعوة إلى تصفية المعارضين جسديا من خلال فتاوى مجنونة كل هذه الأشياء والظواهر غريبة على المجتمع المصري أنها لم تكن سببا في إزعاج المصريين فقط ولكنها أزعجت أشقاء لنا في العالم العربي يرون في مصر القدوة والنموذج.. وكان أكبر تأكيد على هذا التداخل بين قدسية الدين واطماع السياسة وصراعاتها ما حدث من خلافات بين الإخوان المسلمين والسلفيين في الأيام الأخيرة.. كانت تجمعهم الدعوة لله ثم فرقتهم صراعات السياسة والغنيمة والوصاية.. لقد نسيت الأحزاب والقوى الدينية دورها في الدعوة إلى الله بالدين الصحيح والسلوك القويم والأخلاق الحميدة وبدأ صراع المصالح السياسية تحت راية الدين وهنا كان التنابذ بالألقاب والشتائم والفتاوى المغرضة ومحاولات استخدام الدين كوسيلة ضغط على البسطاء والفقراء والأميين.. كان ينبغي ان يكون الخلاف والجدل حول مواجهة قضايا المجتمع ومشاكل الناس وتوفير مناخ سياسي سليم وصحي وليس جني الغنائم وتصفية الحسابات ولم يعد الأمر مقصورا على الخلافات السياسية بين التيارات الدينية والقوى الليبرالية ولكن الصراع الأن بين القوى الإسلامية نفسها وهذا يؤكد ان الخلط بين الدين والسياسة قد وصل بنا إلى نتائج غير محمودة وان الصراع لم يعد صراعا سياسيا بل تحول إلى صراع ديني وهو اسوأ انواع الصراعات لأنه يفتح الأبواب لمواجهات اخرى في مقدمتها الحروب الأهلية ولنا في لبنان والجزائر دروسا يمكن ان نستفيد منها. لقد شهدت الشهور الماضية تغييرا جذريا في الشخصية المصرية حين انقسم المجتمع إلى طوائف دينية وسياسية بعد الثورة التي وحدتنا في يوم من الأيام ان المطلوب الأن من الحكماء والعقلاء في هذا الوطن ان نسعى لكي نعيد للشخصية المصرية تراثها القديم في الدين الوسطي والتسامح والمحبة والحوار لأن ما يحدث الأن يهدد ثوابت مصر الحضارية والثقافية والدينية. على التيارات الدينية ان تلعب السياسة بشروطها وثوابتها وعلى التيارات السياسية ان تقبل الصراع تحت راية الفكر وليس دعوات التطرف باسم الدين لأن الدين أكبر كثيرا من صراعات السياسة والساسة ويجب ان يبقى في ضمير الناس موطنا للسماحة والتواصل والإيمان الصحيح. .. ويبقى الشعر ما زلت أركض في حمي كلماتي الشعر تاجي والمدي ملكاتي أهفو إلي الزمن الجميل يهزني صخب الجياد وفرحة الرايات مازلت كالقديس أنشر دعوتي وأبشر الدنيا بصبح آت مازلت كالطفل الصغير إذا بدا طيف الحنان يذوب في لحظات مازلت أعشق رغم أن هزائمي في العشق كانت دائما مأساتي وغزوت آفاق الجمال ولم يزل الشعر عندي أجمل الغزوات واخترت يوما أن أحلق في المدي ويحوم غيري في دجي الظلمات كم زارني شبح مخيف صامت كم دار في رأسي وحاصر ذاتي وأظل أجري ثم أهرب خائفا وأراه خلفي زائغ النظرات قد عشت أخشي كل ضيف قادم وأخاف من سفه الزمان العاتي وأخاف أيام الخريف إذا غدت طيفا يطاردني علي المرآة مازلت رغم العمر أشعر أنني كالطفل حين تزورني هفواتي عندي يقين أن رحمة خالقي ستكون أكبر من ذنوب حياتي سافرت في كل البلاد ولم أجد قلبا يلملم حيرتي وشتاتي كم لاح وجهك في المنام وزارني وأضاء كالقنديل في شرفاتي وأمامي الذكري وعطرك والمني وجوانح صارت بلا نبضات ما أقصر الزمن الجميل سحابة عبرت خريف العمر كالنسمات وتناثرت عطرا علي أيامنا وتكسرت كالضوء في لحظات ما أصعب الدنيا رحيلا دائما سئمت خطاه عقارب الساعات آمنت في عينيك أنك موطني وقرأت اسمك عند كل صلاة كانت مرايا العمر تجري خلفنا وتدور ترسم في المدي خطواتي شاهدت في دنس البلاط معابدا تتلي بها الآيات في الحانات ورأيت نفسي في الهواء معلقا الأرض تلقيني إلي السموات ورأيت أقدار الشعوب كلعبة يلهو بها الكهان في البارات ورأيت أصناما تغير جلدها في اليوم آلافا من المرات ورأيت من يمشي علي أحلامه وكأنها جثث من الأموات ورأيت من باعوا ومن هجروا ومن صلبوا جنين الحب في الطرقات آمنت بالإنسان عمري كله ورسمته تاجا علي أبياتي هو سيد الدنيا وفجر زمانها سر الإله وأقدس الغايات هو إن سما يغدو كنجم مبهر وإذا هوي ينحط كالحشرات هل يستوي يوم بكيت لفقده وعذاب يوم جاء بالحسرات ؟! هل يستوي صبح أضاء طريقنا وظلام ليل مر باللعنات ؟! هل يستوي نهر بخيل جاحد وعطاء نهر فاض بالخيرات ؟! أيقنت أن الشعر شاطئ رحلتي وبأنه عند الهلاك نجاتي فزهدت في ذهب المعز وسيفه وكرهت بطش المستبد العاتي وكرهت في ذهب المعز ضلاله وخشيت من سيف المعز مماتي ورفضت أن أحيا خيالا صامتا أو صفحة تطوي مع الصفحات واخترت من صخب المزاد قصائدي ورفضت سوق البيع والصفقات قد لا يكون الشعر حصنا آمنا لكنه مجد.. بلا شبهات والآن أشعر أن آخر رحلتي ستكون في شعري وفي صرخاتي تحت التراب ستختفي ألقابنا لا شئ يبقي غير طيف رفات تتشابك الأيدي.. وتنسحب الروي ويتوه ضوء الفجر في الظلمات وتري الوجوه علي التراب كأنها وشم يصافح كل وشم آت ماذا سيبقي من بريق عيوننا ؟ لا شئ غير الصمت والعبرات ماذا سيبقي من جواد جامح غير البكاء المر.. والضحكات؟ أنا زاهد في كل شيء بعدما.. اخترت شعري واحتميت بذاتي زينت أيامي بغنوة عاشق وأضعت في عشق الجمال حياتي وحلمت يوما أن أراك مدينتي فوق السحاب عزيزة الرايات ورسمت أسراب الجمال كأنها بين القلوب مواكب الصلوات قد قلت ما عندي ويكفي أنني واجهت عصر الزيف بالكلمات قصيدة لكل عمر مرايا سنة 2003 نقلا عن جريدة الأهرام