جامعة الملك سلمان تعلن مواعيد الكشف الطبي والمقابلات للطلاب الجدد    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الجمعة 22-8-2025    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريرًا حول مشروع التنمية العمرانية بمدينة دهب    إنذار تحسبًا ل تسونامي بعد الزلزال المدمر في «ممر دريك»    روسيا تعتقل عميلين للاستخبارات الأوكرانية وتجري مناورات فى بحر البلطيق    أفضل 4 لاعبين لتحقيق نتائج مميزة في الجولة الثانية بفانتازي الدوري الإنجليزي    محمد الشناوي يعود لتدريبات الأهلي بعد 3 أيام من وفاة والده    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الأفريقي    البكالوريا أم الثانوية العامة.. تفاصيل الاختلافات الكاملة فى المواد والمجموع    الجارديان تحتفي باكتشاف مدينة غارقة عمرها 2000 عام بالإسكندرية    الإسكندرية السينمائي يحتفل بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم نخبة من أدباء وشعراء مدينة الثغر    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    ما الواجب على من فاته أداء الصلاة مدة طويلة؟.. الإفتاء توضح    للرزق وتيسير الأمور.. دعاء يوم الجمعة مستجاب (ردده الآن)    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بدون عذر في ماليزيا.. وأحمد كريمة يوضح الحكم الشرعي    حملة «100 يوم صحة» تقدم 57 مليونًا و690 ألف خدمة طبية مجانية (أحدث إحصاء)    إجراء 101 عملية أنف وأذن و124 مقياس سمع بمستشفى العريش العام    نجم الأهلي السابق يرشح هذا النادي كمنافس أول للدوري.. ليس الزمالك أو بيراميدز    مرموش: ريس جيمس أصعب خصم واجهته في الدوري الإنجليزي    سكرتير عام "الصحفيين": بلاغ "النقل" ضد "فيتو" تهديد لحرية الصحافة    ضبط مصنع لتعبئة الأرز مخالف للمواصفات القانونية بالمنطقة الصناعية ببنى غالب فى أسيوط    طقس اليوم الجمعة.. تحذيرات من رياح وأمطار وارتفاع للحرارة بعد ساعات    الأمن أولًا.. إدارة ترامب تعتزم مراجعة شاملة لتأشيرات 55 مليون أجنبي    ترامب يختبر القوة الفيدرالية في واشنطن ويمهّد لتوسيع قبضته على مدن يديرها الديمقراطيون    نزوح بلا أفق.. 796 ألف فلسطيني يفرون من الموت في غزة تحت نيران الاحتلال    تقارير تكشف: نتنياهو يقرر فجأة البدء الفوري في مفاوضات إنهاء الحرب على غزة    إيران: عراقجي سيجري محادثات هاتفية مع نظرائه من الترويكا الأوروبية لبحث الملف النووي    محافظ الجيزة: خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    نائب وزير الإسكان يترأس اجتماع لجنة إعداد مُقترح لائحة قانون تنظيم المرفق"    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    بعد أزمة قبلة راغب علامة.. عاصي الحلاني يدخل على الخط (فيديو)    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    اليوم انطلاق مباريات دوري المحترفين بإقامة 3 مباريات    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    ليلة استثنائية في مهرجان القلعة.. علي الحجار يُغني المشاعر وهاني حسن يُبدع بالسيمفوني| صور    تعرف على العروض الأجنبية المشاركة في الدورة ال32 لمهرجان المسرح التجريبي    محمد رمضان ينشر فيديو استقباله في بيروت: "زي ما فرحتوني هدلعكم"    فطور خفيف ومغذ لصغارك، طريقة عمل البان كيك    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ديك تشيني«.. ماذا عن المستقبل الذي ينتظره؟
نشر في أخبار مصر يوم 27 - 09 - 2007

بعد أن تساقط الواحد منهم تلو الآخر، لم يبق للإدارة الأمريكية من زمرة صقورها من المحافظين الجدد سوى «ديك تشيني«، نائب الرئيس، الذي قاد البيت الأبيض من وراء الكواليس إلى عدد من أسوأ الأزمات التي مرت بها الدبلوماسية الأمريكية طوال تاريخها، خاصة عقب الفترة التالية للحرب العالمية الثانية حتى الآن.
وإذا كان هناك من يرى أن «ديك تشيني« مرشح للسقوط هو الآخر مثل غيره ممن ذهب صيته وراحت هيبته، بداية من «رامسفيلد« وانتهاءً ب «جونزاليس« ومرورًا بكل من «بولتون« و«وولفويتز« و«روف« الذين ألقوا ببلادهم في أتون معارك لم يجدوا سبيلاً لإطفائها بعد..
فإن هناك من يجزم بأن نائب الرئيس الأمريكي لا تسري عليه سنن من جرت عليهم في أوقات سابقة.. بل إنه مرشح لكي يواصل سياساته التي بدأها منذ أن دخل سلك العمل السياسي، لينتقل من بعد أفغانستان والعراق إلى إيران وربما سوريا أو غيرها، خاصة أنه يُعتقد أنه الرئيس الفعلي للولايات المتحدة والمحرك الأساسي لخيوط اللعبة السياسية بها.
وما يؤكد هذا المعنى، ليس فقط مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، سواء بشأن أمريكا قوية وضرورة استمرار حربها ضد «الإرهاب«، أو على وجه الدقة ضد كل من ينازعها قوتها، وإنما قدرته على الصمود كل هذا الوقت رغم كم الانتقادات الموجهة إليه، التي وصلت إلى حد اتهامه بأنه يقود البلاد من مستنقع لآخر. والناظر إلى التاريخ الشخصي للرجل يدرك أن ل «ديك تشيني« نهجا معينا لا يحيد عنه ولا يقبل إلا به، وعنده من الوسائل التي تمكنه من تنفيذ تصوراته ومدركاته.. فالحروب التي خاضتها إدارة الرئيس «بوش« منذ أن جاء إلى سدة الحكم عام 2001، هي تطبيق فعلي لمخططات وضعها منذ أن تولى منصب وزير الدفاع مطلع التسعينيات من القرن الماضي.. بل إن هذه المخططات تعد بمثابة بلورة شبه نهائية لأفكاره التي طرحها قبل 30 عامًا عندما كان موظفًا صغيرًا في البيت الأبيض إبان ولاية الرئيس «ريتشارد نيكسون«، فقد عمل «ديك تشيني« في هذه الفترة وبالتعاون مع وزير الدفاع السابق «رامسفيلد« عندما كان مجرد موظف صغير هو الآخر، عمل على السيطرة على الرئيس «نيكسون« نفسه خلال أزمته الشهيرة بالتجسس على منافسيه، كما دفعه وقتها - أي «ديك تشيني« - إلى إقصاء بعض المسؤولين من مناصبهم بدعوى رغبتهم في الخروج من مستنقع فيتنام؛ إذ كان يصر وقتئذ، مثلما يصر حاليًا بخصوص العراق، على عدم الخروج من هناك قبل انتهاء المهمة، أو على الأقل ربط عملية الخروج بآلية غير مهينة تحفظ ماء وجه بلاده ومصداقيتها. ولم يختلف الوضع كثيرًا عندما تولى منصب نائب مساعد الرئيس الأمريكي «جيرالد فورد« ثم مساعدًا له، وكان أصغر من يتولى هذا المنصب ككبير موظفي البيت الأبيض، إذ لم يتجاوز عمره في هذه الفترة الرابعة والثلاثين.. المهم أنه كان سببًا أيضًا في عملية التطهير الواسعة التي قام بها «فورد« لإدارته؛ حيث أُقيل أو أُجبر على الاستقالة جزء كبير من طاقم عمله..
وكان من أبرز ضحايا عملية الإقصاء هذه وزير الدفاع في هذه الفترة «جيمس شيلسينجر« الذي قيل إن السبب الرئيسي وراء الاستغناء عنه هو آراؤه ومواقفه المعتدلة بالمقارنة ب «ديك تشيني« وأعوانه.
وإبان عضويته بمجلس النواب، لم يدخر جهدًا في قيادة الجناح المتشدد داخل أروقة التشريع الأمريكية؛ حيث أدار جانبًا كبيرًا من تفاعلات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي السابق، وهي التفاعلات التي أهلته ليكون وزيرًا للدفاع بعد ذلك في عهد الرئيس جورج بوش الأب في مرحلة تشكلت فيها فعليًا فكرة الهيمنة والقطب الأوحد ونهاية التاريخ لصالح الرأسمالية والليبرالية الأمريكيتين.
وتذكر المعلومات المتداولة أن دأب «ديك تشيني« وإصراره على أن يجد لأفكاره المتشددة متنفسًا تطبق فيه، جعله يدخل في مناوشات وصراعات سياسية عديدة، أقلها أنه حاول زيادة المخصصات المالية لوزارته، ومن ثم زيادة عسكرة بلاده، واحتمالات تدخلها في الأزمات الإقليمية والدولية.. وقد استطاع بذلك أن يؤمن لبلاده القدرة الكافية على الاستمرار كقطب عالمي لا ينازعه أحد.. إذ رأى، ومازال، أن هناك فرصة سانحة بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي، لكي تفرض بلاده مزيدًا من الهيمنة والسيطرة على العالم.. وكان له ما أراد.
وقد غاب «ديك تشيني« فترة من الوقت لم تزد على 5 سنوات، حيث تولى إدارة شركة هاليبرتون للخدمات النفطية..
لكن هذه الفترة، في اعتقادنا، كانت سببًا هي الأخرى في مزيد من بلورة أفكاره عن مضامين ووسائل الاستراتيجية الأمريكية المطلوبة لإعادة ترتيب أوراق النظام الدولي، بحيث تمنع أي قوة دولية من منافسة بلاده أو مناوأتها، وهو ما كان، فإثر توليه منصب نائب الرئيس قبل ست سنوات حتى الآن نجحت بلاده، ولو نسبيًا، في بناء مشروعها الجديد للهيمنة، إذ حدت من إمكانية أن ينافسها أي قطب إقليمي أو عالمي، وحاصرت القوى المناوئة لها في شتى أرجاء الأرض.
والواقع أن فترة السنوات الست السابقة تحتاج منا إلى كثير من التحليل، وذلك لأنها شهدت أكبر تحول في مضمون السياسة الأمريكية العالمية وأدوات تنفيذها، خاصة إزاء قضايا الشرق الأوسط.. ويتحمل «ديك تشيني« وحده دون غيره النصيب الأكبر من مسؤولية هذا التحول، وذلك لأنه المسؤول الوحيد الذي استطاع الانتقال بمنصب نائب الرئيس في التاريخ الأمريكي كله من مجرد منصب شرفي أو رمزي، إلى منصب سياسي فعلي له نصيب وافر في تحريك الملفات والتعاطي معها، فالمنصب في ذاته، كما أشار إليه جون ادامز أول نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وُصف بأنه «أكثر المناصب غير المهمة التي ابتكرها الإنسان«، بيد أن «ديك تشيني« أعطاه من القوة والنفوذ ما لم يعطه له أحد من قبله؛ حيث وسّع من صلاحياته إلى 50 ضعفًا، على حد وصف بروس فين أحد كبار المحامين الأمريكيين. ومن المعروف أن «ديك تشيني« ظل يقاوم طوال فترتي ولايته كنائب للرئيس حتى الآن، محاولات الجهات الرسمية الاطلاع على ما يدور داخل مكتبه، بدعوى أنه معفي من الالتزام بذلك، استنادًا إلى عدم إدراج مكتبه، الذي تبلغ ميزانيته 4.4 مليارات دولار، في هيكل الإدارة التنفيذية ولا التشريعية للدولة، كما أنه حجب المعلومات التي تتصل بأسماء طاقم عمله والخبراء الذين يستعين باستشاراتهم وتفاصيل أخرى تتعلق بسفره وانتقالاته وسجلات الأجهزة السرية التي توضح هوية الأشخاص الذين زاروا مكتبه أو المقر الرسمي لإقامته.
يضاف إلى ذلك أنه رفض التعاون مع لجنة التفتيش التابعة للكونجرس التي تختص ب «الإشراف والإصلاح الحكومي«.. بل إنه اُتهم في 30/7 الماضي بالاستحواذ على السلطة فعليًا في إشارة إلى أنه أسس، ضمنًا، مركز سلطة مستقلاً في مكتبه، وأنه يعتمد مفهوم الثقة لا الكفاءة في الموظفين الذين يعملون تحت إدارته مباشرة ولا يُحاسبون من قبل النظام، وأنه يتبنى أسلوب عمل يتسم بتجاهل الرأي العام واحتقار الكونجرس ورفض المساءلة. ويذكر في هذا السياق، كما كتبت إحدى الصحف الأمريكية، أن «ديك تشيني« أعفى نفسه من القوانين التي تطبق على الآخرين، والتي تتعلق بالمراقبة الفيدرالية؛ حيث لم يسمح لأحد بأن يستخدم ميثاق حرية المعلومات لمعرفة علاقاته كمسؤول كبير في الدولة، كما تجاوز القانون بعدم خضوعه للرقابة، لأنه يتعامل مع وثائق تحظى بدرجة كبيرة من درجات السرية. وكان «ديك تشيني«، رغم أنه ليس من اختصاصاته كنائب للرئيس، وأول مرة في تاريخ السياسة الأمريكية، قد تمكن من اختيار قطاع كبير من طاقم إدارة الجمهوريين، سواء في ولايتهم الأولى أو حتى الثانية المستمرة حاليًا، وإن كان الأمر قلّ إلى حد ما في هذه الإدارة الأخيرة مقارنة بالأولى، وكانت نواة هذا الطاقم «رامسفيلد« و«بولتون« و«وولفويتز« و«ليبي«.. وغيرهم ممن كان يطلق عليهم أنهم من رجال «ديك تشيني«. ورغم أن هؤلاء قدموا استقالتهم مرغمين، فضلاً عن الذين قدموا استقالتهم طواعية..
فإن ذلك لا ينفي نجاح نائب الرئيس الأمريكي في نشر عناصر له داخل أروقة صنع السياسة بالإدارة، سواء على مستوى المساعدين أو المستشارين أو المخططين ممن يوكل إليهم بلورة الخيارات والسياسات المتعلقة بالملفات المختلفة، وبالتالي المشاركة في صنع القرارات المتصلة بها..
وهو ما يبدو واضحًا في نوعية التصريحات والمواقف المتبناة إزاء قضايا الشرق الأوسط والعالم، التي تعكس جميعها فكر اليمين المتشدد الذي ينتمي إليه «ديك تشيني«. وإذا ما أضيف إلى كل ذلك، تلك العلاقة الشخصية الوطيدة التي ربطت بينه وبين الرئيس «بوش« الابن، لتأكد لنا أن هناك شيئا ما يدعم ثقة الطرفين في بعضهما، وربما يكون هذا الشيء هو الإحساس بالنقص الذي يسيطر عليهما..
ف «بوش« يرغب فيمن يستطيع أن يعوضه عن نقص خبراته وضعف مؤهلاته لقيادة أكبر دولة في العالم.. في حين أن «ديك تشيني« يرغب فيمن يستطيع أن يتخفى وراءه ويبعده عن عيون الكاميرات وأقلام النقاد. بمعنى أكثر تحديدًا، فإنه يمكن القول: إن «بوش« بطبعه لا يرغب في معرفة التفاصيل الكثيرة للملفات المعروضة عليه، ولا يجد متعة إلا في مزرعته بالجنوب الأمريكي وأمام وسائل الإعلام.. بينما «ديك تشيني« يهتم جدًا بهذه التفاصيل، ولا يبالي كثيرًا بالوقوف أمام الميديا، بل لا يجيد التعامل معها؛ فمن المعروف عنه أنه ينهض من فراشه في الرابعة والنصف صباحًا لقراءة البرقيات والتقارير السياسية والاستخبارية اليومية، كما أنه لم يستطع في أكثر من حالة السيطرة على حديثه أمام عدسات المصورين والصحفيين.. وكلنا يذكر تصريحاته التي أطلقها نهاية العام الماضي، والتي أثارت جدلاً واسعًا بشأن إمكانية اللجوء إلى استخدام «الغمر في الماء« كوسيلة تعذيب لا إنسانية بهدف استخلاص المعلومات من المشتبه فيهم، وقد حاول البيت الأبيض نفي هذه المعلومات، إلا أن هفوات الكلمات تنبئ عن الكثير من السمات الشخصية للمسؤولين. وقد أكدت هذه الكلمات، في الحقيقة، الحديث عن بصمات نائب الرئيس الأمريكي على السياسات الخاطئة والإجراءات غير الدستورية التي قام بها «بوش« لتسويغ تحركاته، خاصة بعد ال 11 من سبتمبر، وكان أبرزها نجاحه - أي «ديك تشيني« - بعد سويعات قليلة من هذه الأحداث في تخفيض القيود المفروضة على سلطة الرئيس التنفيذية، وهي القيود التي لو كانت موجودة لما استطاع أن يشن بوش حربه المزعومة ضد «الإرهاب«، التي تفرع منها الكثير والكثير من الإجراءات المثيرة للجدل حتى الآن، ويأتي في مقدمتها: زيادة المخصصات المالية للأجهزة الأمنية والعسكرية، تبرير استخدام القوة في أي أزمة وليس فقط باتجاه أفغانستان والعراق، اعتراض الاتصالات الموجهة من وإلى الولايات المتحدة من دون الحصول على تصريح، توقيف المشتبه في كونهم إرهابيين واحتجازهم من دون توجيه أي اتهامات لهم وأن تتم محاكمتهم أمام لجنة عسكرية خاصة إذا اقتضى الأمر، استجواب المشتبه فيهم بأي وسيلة ممكنة بصرف النظر عن إنسانيتها. ولا شك أن كل هذه الإجراءات التي رفعها «ديك تشيني« ل «بوش« في جلسات خاصة، ولم يُعرف عنها شيء إلا من خلال الصحف، بل إن مسؤولين في الإدارة الأمريكية نفسها، وكان على رأسهم كولن باول وزير الخارجية السابق، لم يطلعوا عليها إلا بعد عامين من تطبيقها..
لا شك أن هذه الإجراءات كافة، هي التي بررت «عمليات الاختطاف العالمية«، و«السجون الطائرة« و«معسكرات الاعتقال بجوانتنامو« و«عمليات التعذيب لانتزاع معلومات« و«قوانين التنصت على الأمريكيين«، وهي القضايا التي تردد صداها في الفترة الأخيرة وزادت سمعة الولايات المتحدة سوءًا. ماذا نتوقع إذًا من مسؤول هذا سجله؟ والإجابة عن هذا السؤال تقتضي بحث نقطتين،- الأولى: تتصل بمدى إمكانية استمرار «ديك تشيني« في منصبه من عدمه، -والثانية: تتعلق بما هو منتظر منه، سواء استمر في منصبه لفترة ال 18 شهرًا القادمة، العمر المتبقي للإدارة الأمريكية الحالية، أو رحل مثل غيره من الراحلين. بخصوص النقطة الأولى، فإن المؤشرات كافة تؤكد أن بوش لن يستغني عن مدبر أموره داخل البيت الأبيض، ف«تشيني« هو الورقة الأخيرة التي يملكها، ولن يفرط فيها بسهولة حتى يستكمل مدة ولايته..
وإذا كان قد اُضطر إلى التخلي عن بعض أعوانه ممن قدم استقالته طواعية أو رغمًا عنه، فإن ذلك لا يعني إلا معنى واحدًا فقط، هو أنه على استعداد لبيع كل المحيطين به حتى وزيرة خارجيته نفسها، لكنه لن يتمكن مطلقا من الاقتراب من «ديك تشيني«، ليس فقط لحاجته إليه واقتناعه بأهمية دوره، خاصة أن إقالته أو إجباره على تقديم استقالته يعني مزيدًا من الاعتراف بالفشل، ولكن لثقله ونفوذه اللذين أتاحا له الإمساك بكل خيوط اللعبة داخل الإدارة الأمريكية..
ويؤكد هذا الثقل مواقف واشنطن المتعنتة ناحية قضايا الشرق الأوسط التي لم تشهد رغم الانتقادات التي توجه لها أي تراجع يذكر، فضلاً عن أن «ديك تشيني« هو الوحيد الباقي من فريق المحافظين الجدد في مستويات الإدارة العليا بالبيت الأبيض، الأمر الذي يعني أن فريق المصالح الذي يدعم الإدارة الأمريكية سيدعم وجود «ديك تشيني« في منصبه، خاصة أن هذا الفريق مازالت لديه خطط لاستكمالها، وفي حالة غياب هذا الأخير فلن يكون بمقدورهم مواصلة العمل فيها، كما أن الرافضين له والداعين إلى إزاحته بحاجة إلى موافقة مجلس النواب بالأكثرية البسيطة وموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهو أمر يصعب حدوثه مطلقا.
أما بخصوص ماذا يمكن أن يُقدم عليه «ديك تشيني« خلال الفترة المتبقية من ولاية إدارة الجمهوريين الحالية، فالناظر إلى التمسك الأمريكي الغريب بالاستراتيجية المتبعة في العراق، واستمرار التعنت الواضح بخصوص الملف النووي الإيراني حتى بعد تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اتهم فيها واشنطن ضمنًا بدق طبول الحرب ضد طهران، وعدم وضوح جدول محدد لمؤتمر السلام المقرر عقده في نوفمبر المقبل، والصمت المريب إزاء اختراق المقاتلات الإسرائيلية الأجواء السورية..
الناظر إلى كل هذه المواقف يخلص إلى أن جوقة الحكم في الولايات المتحدة بقيادة «ديك تشيني« بصدد المضي قدمًا في مخططاتها حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الانهيار في سمعتها ومكانتها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.